رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسفة «هات وخد»| آدم جرانت يقدم وصفة النجاح: اعتنِ بنفسك تفاعل مع الآخرين.. ساعد دون انتظار المقابل

النجاح
النجاح

- المانحون "غير الناجحين" يضعون باستمرار اهتمامات الآخرين قبل مصالحهم وهم أقل كرمًا على المدى الطويل لأن طاقاتهم تنفد فى النهاية

يمكن أن يُعزى نجاح البعض فى العمل إلى الشغف والموهبة والعمل الجاد والحظ وغيرها، ولكن يظل هناك سر مفقود لهذا التفوق، وهنا يكشف عالم النفس آدم جرانت، أن تحقيق النجاح يعتمد على كيفية تفاعلنا مع الآخرين.

ويكشف آدم جرانت، فى كتابه «Give and Take» عن أن الناس ينقسمون فى بيئة العمل إلى ٣ أقسام، «آخذين» و«مانحين» و«متطابقين»، مضيفًا أن الآخذين يسعون إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من المانحين، ويهدف المتطابقون إلى التعامل بالتساوى وأن يحصلوا على حقهم كاملًا، فى حين أن المانحين هم الأشخاص النادرون الذين يساعدون الآخرين دون الحصول على شىء فى المقابل.

وقال «جرانت»: «تخيل أنك فى العمل، ويقاطعك أحدهم، بقوله: آسف، هل يمكننى طلب خدمة سريعة؟»، مضيفًا: «ما أول شىء فكرت فيه عندما سمعت هذا السؤال؟ هل قلت لنفسك ما الذى سيعود علىّ من ذلك؟ أم تعاملت بمنطق المقايضة، أم قلت سأساعدك إذا ساعدتنى؟ أم ربما قلت يسعدنى تقديم المساعدة دون مقابل؟».

وأضاف: «إجابتنا هذا السؤال تعكس أسلوب معاملاتنا مع بعضنا، والطريقة التى نتفاعل بها مع الآخرين، فالآخذون يتمتعون بحماية ذاتية ويتبنون فكرة أن أنفسهم يجب أن تكون فى المقام الأول، ويهدفون إلى قلب كل شىء لصالحهم، أما المطابقون فهم عادلون ومتوازنون، ويؤمنون بتبادل المساعدة، كما أنهم يعتقدون أن النجاح يتوقف على المعاملة بالمثل، ويهدفون إلى العطاء والقبول على قدم المساواة، بينما المانحون هم الأقل انتشارًا بين أنماط المعاملة الثلاثة، هم يساعدون كلما استطاعوا، ودوافعهم تنحصر فى الإيثار، ويعتقدون أن اللطف هو أهم شىء فى علاقاتهم، لذا هم يعطون دون التفكير فيما سيحصلون عليه فى المقابل».

وقال: «دراسة هذه الأنماط قد تغير أسلوبنا، مع اختلاف الأدوار والعلاقات والسياقات المختلفة فى حياتنا، على سبيل المثال قد نكون حذرين للغاية من الناس فى العمل، أو نختار أن نتعامل بالمثل، أو ربما نبحث عن مصالحنا وندرج تحت نمط الآخذين، أما فى المنزل، فقد نكون مانحين، ونقدم المساعدة والخدمة بقلب مفتوح ودون مقابل».

وخلال دراسته بيئة العمل، لجأ الكاتب جرانت إلى البحث والاستقصاء لمعرفة أى الأنماط هى التى تنجح فى النهاية، «الآخذين» أم «المتطابقين» أم «المانحين».

وبعد سنوات من دراسة ديناميكيات النجاح والإنتاجية، توصل «جرانت»، إلى أن المانحين يساعدون الآخرين على الأداء بشكل أفضل، ولكن فى بعض الأحيان على حساب نجاحهم، كما يميل المانحون أيضًا إلى تقديم خدمات أكثر مما يحصلون عليه فى المقابل.

فى مجال الهندسة، أظهرت الدراسات أنه من بين ١٦٠ مهندسًا، كان أقل المهندسين إنتاجية وفعالية هم المانحون، واتضح أنهم ارتكبوا الكثير من الأخطاء، وتأخروا عن مواعيد تسليم العمل.

وأظهرت دراسة بلجيكية، شارك فيها نحو ٦٠٠ طالب طب، أن الطلاب الحاصلين على درجات متدنية حصلوا على درجات عالية فى مؤشر نمط «المانحين»، وأنهم يميلون دائمًا إلى مساعدة الآخرين، وتلبية احتياجات الآخرين، كما أظهرت إحدى الدراسات أن الآخذين يكسبون ١٤٪ من المال أكثر من المانحين.

كما أجرت دراسة «جرانت» بحثًا عن مندوبى المبيعات فى ولاية كارولينا الشمالية، ووجدت أن مندوبى المبيعات الأقل إنتاجية كانوا من المانحين، لكنهم كانوا كذلك الأفضل أداءً، كما حقق المانحون متوسط دخل سنويًا أعلى بنسبة ٥٠٪ من الآخذين والمتطابقين. وفقًا لبحث «جرانت»، بينما يزدهر بعض المانحين فى العمل، يتخلف البعض الآخر، متسائلًا: «ما الفرق بين المانحين الذين هم فى أعلى سلم النجاح، والذين يهبطون للأسفل؟».

وأكمل: «الجواب بسيط، وهو أنه على الرغم من أن المانحين يتشاركون فى أسلوب واحد، إلا أنهم لا يقدمون المساعدة بنفس الطريقة، المانحون غير أنانيين، ولكن لا يصل الأمر إلى نكران الذات».

وتابع: «يمكننا أن نعتنى بأنفسنا ونحن نفعل الخير للآخرين، كثير من الناس يخلطون بين أن تكون لطيفًا وأن تكون مفيدًا، فإن المانح الناجح تجده دائمًا يقول: ليس علىّ أن أقول نعم طوال الوقت؛ سأعطى عندما يكون لدىّ تأثير، ولن أسمح للآخرين بالتدخل فى إنتاجيتى».

وقال: «المانحون الناجحون هم أيضًا أكثر اهتمامًا بأنفسهم، ويقدرون الصالح العام ويقدرون احتياجاتهم ومصالحهم الخاصة، ولديهم إيثار وطموح»، مضيفًا: «ليست لديهم القدرة على إضافة أنفسهم إلى قائمة أولوياتهم، المانحون يضعون باستمرار اهتمامات الآخرين قبل مصالحهم، وهم أقل كرمًا على المدى الطويل، لأن طاقاتهم تنفد فى النهاية، ينفد الوقت لديهم ويفقدون مواردهم لأنهم لا يهتمون بأنفسهم بما يكفى، ثم يستطيعون مساعدة الآخرين». ووفقًا لـ«جرانت»، يمكننا العطاء والمضى قدمًا وتحقيق النجاح، ونحتاج إلى وضع حدود لكيفية ومتى ومن نساعد؟ حتى لا نكون عرضة للاستغلال.

ويقدم آدم جرانت العديد من الاستراتيجيات والنصائح للأفراد والشركات، ليكونوا مانحين ناجحين ويتنقلون فى علاقاتهم المهنية بطريقة تعود بالنفع على أنفسهم والآخرين، مضيفًا: «كن استراتيجيًا فى عطائك: اختر أفضل الطرق لمساعدة الآخرين الذين يتماشون مع أهدافك ومواردك». كما ينصحنا ببناء شبكة من المانحين، مضيفًا: «كوّن علاقات مع الأشخاص الذين يعطون الأولوية أيضًا للعطاء ومساعدة الآخرين، وابحث عن الفرص التى تتوافق مع نقاط قوتك واهتماماتك وقيمك».

وتابع: «كن على دراية بالمخاطر المحتملة واتخذ خطوات لحماية نفسك، واعتن بنفسك، وخصص وقتًا لمصالحك واحتياجاتك ورفاهيتك»، مضيفًا: «كن مباشرًا وصادقًا فى تواصلك، وكن كريمًا ولكن استراتيجيًا، لتجنب الإرهاق أو الاستغلال».