رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معرض الكتاب.. محفل القُرَّاء والكُتَّاب

منذ أيام قليلة كان أهم محفل ثقافي في مصر، وهو معرض القاهرة الدولي للكتاب، ذلك المعرض الذي يعتبر نقطة تحول كبيرة في الحركة الثقافية ليس في مصر فقط، وإنما في العالم العربي كله، علاوة على أنه يعمل على تبادل الثقافات بين مصر والدول العربية، واستطاع هذا العام أن يُواكب كافة الثقافات والتحديات.
والحقيقة أن السؤال الذي لطالما تم طرحه هو مدى استطاعة الكتاب الورقي الوقوف أمام طفرة الكتاب الديجيتال، أو الكتاب الرقمي؟! خاصة ونحن في عصر التحول الرقمي، أو عصر الرقمنة، كما يُطلقون عليها الآن، وهذا في حد ذاته تحدٍ كبير، ولكن ما أثبت نجاح المعرض هذا العام وباكتساح هو القدرة على مواكبة هذا العصر، والتزامن معه، فليس من الضروري أن يكون التحدي هو نجاح طرف وإخفاق الطرف الآخر، ولكن أحيانًا يكمن الذكاء في احتواء العناصر الجديدة، والقدرة على مواكبتها، فلقد تم نقل فعاليات المؤتمر عبر السوشيال ميديا، وأيضًا تم الاهتمام بالكتاب الرقمي بشكل كبير، وذلك لاحترام كافة العقول، سواء التي تهتم بالكتاب الديجيتال، وأيضًا الكتاب الورقي.
والحقيقة أن معرض القاهرة الدولي للكتاب هو أهم معارض الكتب العربية والدولية، حيث يتمتع بتاريخ حافل ورحلة عطاء منذ دورته الأولى التي انطلقت عام 1969م، عن دار الأوبرا المصرية، والذي واكب حينها العيد الألفي لمدينة القاهرة، مرورًا بأرض المعارض بمدينة نصر، والتي انطلق إليها عام 1982م، وصولاً إلى موقعه الحالي في دورته الخمسين (اليوبيل الذهبي) عام 2019م، ولقد انطلق المعرض هذا العام تحت شعار "على اسم مصر معًا، نقرًا، نُفكر، نُبدع.." ولو لاحظنا أن عبارة "على اسم مصر" تُوحي بالتركيز على الهوية المصرية، وترسيخها، وبناء الوعي داخل الإنسان، وخاصة الشباب الواعد، وربطه بالأدب والثقافة والتاريخ والإبداع، ولم يكن الاهتمام مُنصبًا فقط على الشباب، ولكنه اهتم وبشكل كبير بالأطفال، وذلك من خلال ثراء أفكارهم وخيالهم عن طريق العروض المسرحية، والكتب والأغلفة الجذابة، وشخصية المعرض للطفل هذا العام الكاتب الكبير "كامل الكيلاني"، وكل هذه العناصر بلا شك تعمل على تنشيط خلايا الفكر والإبداع لدى الطفل، وتهيئته لكي يتحول إلى مُبدع في المستقبل القريب، ولكي يُخرج مواهبه الإبداعية.
ومهما تحدثنا عن تطور المعرض فلن نستطيع الإلمام بكل إيجابياته، لأنه يُطور من نفسه كل عام، فلقد أصبح حدثًا دوليًا يُضاهي أكبر معارض العالم، ويتنافس معها بمنتهى الثبات، ولكن الأمر الذي يسترعي الانتباه بشدة هو مدى الزخم الذي يمتلئ به المعرض، وهذا الزخم يبدأ من صفوف الكتب والأعمال الأدبية الثقافية والوثائقية والتاريخية، فشتى أنواع الكتب، وفي كل المجالات، ومن كل أنحاء العالم، انتهاءً بعدد الزوار الكبير، وهذا كله يؤكد أن عدد الناشرين في تزايد مستمر، مما يُؤكد أن الكتاب الورقي لازال له الصدارة، ولازال يجذب القُرّاء، وسيظلون يبحثون عنه دومًا، لأنه أصل العراقة، ومنشأ الحضارة، ومنبت الثقافة، والأجمل أنه يتسع صدره للكتاب الرقمي، فليست المنافسة هي الأساس، ولكن هناك تكامل بينهما، فكل منهما يُكمل الآخر، لأن لكل مقام مقال، فنحن بحاجة إلى التوعية والثقافة، فلا يمكن الاستغناء عن الكتاب الورقي بأي حال من الأحوال، ولا يمكن كذلك تجاهل الكتاب الرقمي، لأنه أثبت وجوده مع تطور آليات الزمن.
وكما أن الإنسان يُحافظ على أعرافه وتقاليده الإيجابية، ويحتفظ بتُراثه وحضارته، فإنه أيضًا يتقبل التطور ويأخذ منه المُفيد والإيجابي والنافع.
والواقع أثبت أن أي بلد بدون تاريخ أو حضارة، أو تراث، لن يستطيع أن يُطور من نفسه، وحتى لو حدث التطور، فسيكون بلا أساس متين، أو أرض صلبة، وبالتبعية سيهوي ذلك التطور مع الوقت. والحقيقة أن الكتب الورقية هي أساس حضارتنا الثقافية، فهي الأرض الصلبة التي نقف عليها، وهي التي تُحقق المثلث الذهبي، والذي عبارة عن الكاتب والناشر والقارئ.
ومع كامل الاحترام للكتاب الرقمي، إلا أننا سنظل ننحني احترامًا للكتاب الورقي، لأنه أساس ترابطنا الفكري والثقافي، وفيه رحيق تُراثنا الحضاري.