رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بعد «هجوم القدس».. سيناريوهات التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين

 التصعيد بين إسرائيل
التصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين

بعد شهر واحد من تشكيلها؛ تواجه حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة أزمة أمنية خطيرة، هى موجة التوتر الحالية، التى بدأت فى مارس الماضى فى ظل ولاية الحكومة السابقة، ولم تهدأ بعد.

«نتنياهو»، الذى مر بهذه التجربة مرات كثيرة، يعرف بشكل جيد أن التصعيد الحالى لن يهدأ لفترة طويلة، وأن الأوقات الحالية ليست أوقاتًا عادية فى إدارته.

وفى هذا الوقت لا تزال القوات الإسرائيلية فى حالة تأهب قصوى فى أنحاء الضفة الغربية، بما فى ذلك القدس؛ استعدادًا لمنع أى هجوم جديد، ولا تزال الاشتباكات تتواصل بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين، مع تسجيل عدد من الحوادث الأمنية.. فما الذى يمكن أن يحدث الأيام المقبلة؟

البداية بعملية «المستعربين» فى جنين.. و«عملية الكنيس» تشعل الأوضاع

جولة الأحداث الحالية بدأت قبل أكثر من أسبوع، عندما نفذت قوة إسرائيلية من المستعربين عملية عسكرية فى جنين، ضد نشطاء من الجهاد الإسلامى، إذ أبلغ الشاباك أن المجموعة التى تمت تصفيتها كانت تخطط لتنفيذ عمليات.. وكان من المفترض أن تكون عملية المستعربين محدودة جدًا، وبالفعل بدأت كذلك. 

قوة المستعربين تخفّت فى شاحنة لمنتجات الألبان، حسب تقارير فلسطينية، ووصلت إلى وسط مخيم اللاجئين فى جنين، حيث كانت تختبئ خلية من الجهاد الإسلامى، وسريعًا اصطدمت قوة المستعربين بمسلحين، وتطوّر الحادث إلى عملية واسعة جدًا فى وضح النهار فى وسط المخيم.

فى المرحلة الأولى من العملية، أصيب فلسطينيان وسلّم ثالث نفسه، ورغم أن الفلسطينيين فى المخيم يعرفون أنه فى حوادث من هذا النوع يمكنهم، ببساطة، الانسحاب قليلًا والمكوث فى منازلهم والسماح للقوة الإسرائيلية بالخروج- فضّل العشرات منهم مواجهة القوة الإسرائيلية، مع استعدادهم للموت، أو للإصابة بجروح، وخلال وقت قصير من العملية، أُعلن استشهاد ٩ فلسطينيين وامرأة لا علاقة لها بما يحدث.

بعد العملية، أعلن الجهاد الإسلامى عن أن الرد سيكون قريبًا، وبعدها سُمعت صافرات إنذار فى جنوب مدينة أشكلون، وهذا على إثر إطلاق صاروخين من قطاع غزة اعترضتهما القبة الحديدية، ولم تحدث إصابات.

وردًا على ذلك، هاجم الجيش الإسرائيلى أهدافًا فى قطاع غزة، فى ساعة مبكرة من صباح الجمعة الماضى، بما فى ذلك موقع تحت الأرض لإنتاج الصواريخ وقاعدة عسكرية تابعة لحماس، وصفها الجيش الإسرائيلى بأنها «أحد المراكز المهمة لنشاط المنظمة». 

وأعلنت كتائب عزالدين القسام، التابعة لحماس، عن أنها أطلقت صواريخ «أرض- جو» وصواريخ مضادة للطائرات خلال هجوم القوات الجوية. بعد دقائق من الهجوم الأول، حوالى الساعة ٣:٣٠ ليلًا، انطلقت أجهزة الإنذار فى عدة بلدات إسرائيلية فى منطقة غلاف غزة. واعترضت القبة الحديدية أحد الصواريخ الثلاثة وسقط آخر فى منطقة مفتوحة وانفجر ثالث فى قطاع غزة.

التقارير أفادت بأن من أطلق الصواريخ هو الجهاد الإسلامى، وأن حركة حماس هى التى سمحت للجهاد بإطلاق الصواريخ، وحماس ذاتها وجدت طريقة للمشاركة فى النضال، عندما أعلنت أنها أطلقت صواريخ مضادة للطائرات باتجاه طائرات سلاح الجو، ولكن حماس منعت الجهاد من توجيه رد أشد، لنفس المبررات المعروفة منذ فترة طويلة، كما تدخلت مصر لوقف التصعيد ولعودة الهدوء.

يذكر أنه فى يوم الجمعة الماضى، تم تنفيذ هجوم القدس، فى حى نفيه يعقوب، والذى يعتبر الحدث الأكثر دموية الذى شهدته إسرائيل منذ ١٥ عامًا، فقد وصل منفذ إطلاق النار فى سيارة ودخل حيًا للحريديم، وأوقف السيارة بالقرب من كنيس يهودى، وبعدها نزل منها شخص يحمل سلاحًا آليًا، ودخل الكنيس وأطلق النار عدة دقائق، وأسفر الحادث عن قتل ٧ إسرائيليين، و٣ مصابين، وبعدها تم الهجوم على أب وابنه وأصيبا بإصابات طفيفة.

التصعيد مستمر.. ومخاوف من مواجهات «الحرم الإبراهيمى»

الهجمات الفلسطينية التى تخلّف عددًا من القتلى الإسرائيليين، كما حدث فى مرات كثيرة فى السابق، يمكن أن تجر وراءها موجة من التقليد، فالمنفذ الفلسطينى الذى قُتل على يد رجال الشرطة الإسرائيلية أصبح بطلًا قوميًا، وفى المدن الفلسطينية تمت مشاهدة مظاهر الفرح العلنية بهجوم القدس.. هذه العوامل ستبث الإلهام لدى شباب آخرين، لذلك فإن الأيام المقبلة يتوقع أن تكون حاسمة.

وحتى هذه اللحظة فإن حركة حماس ليست معنية بالتصعيد، وليست لها مصلحة فى مواجهة مع إسرائيل، لكن لا تزال الحركة تحاول تأجيج العواطف فى الضفة والقدس، وهو ما حذر منه الشاباك بأن حماس تريد القطاع هادئًا، والضفة والقدس مشتعلتين.

كل العناصر التى تشير إلى استمرار التصعيد لا تزال موجودة وتزداد؛ بداية من التوتر حول الحرم الإبراهيمى فى القدس، خاصة قبل بداية شهر رمضان، والمواجهات المتواصلة والمتزايدة بين فلسطينيين ومستوطنين فى شتى أنحاء الضفة الغربية، والعدد الكبير من القتلى الفلسطينيين والإسرائيليين فى العمليات الأخيرة، والتى لا تزال تؤجج المشاعر وتدفع إلى المزيد من الغضب من الطرفين، وبالطبع، فإن تركيبة الحكومة اليمينية المتطرفة لا تساعد على تهدئة الأجواء، كل هذه العناصر تشكل قنبلة موقوتة من دون أفق للتهدئة.

سيناريو «الانتفاضة الثالثة» مستبعد حتى الآن وفق التقديرات الأمنية

المعضلة الأمنية أمام الشاباك والجيش الإسرائيلى تكمن فى صعوبة مواجهة عمليات الذئاب المنفردة، خاصة من الذين يحملون الهوية الإسرائيلية، والذين يأتون من هذه القرى، ويمكنهم التنقل بحرية فى القدس، والوصول إلى أى مكان فى وسط البلد، حيث يغير الفلسطينيون من شكل تنفيذهم العمليات، وأغلبهم مجهولون للأجهزة الأمنية الإسرائيلية ومن الصعب كشفهم.

لكن لا يزال سيناريو الانتفاضة الثالثة بعيدًا، وهو أن حادثة أمنية تؤدى إلى اشتعال واسع على صيغة انتفاضة ثالثة.. حتى الآن هذا لم يحدث، فحتى هذه اللحظة الفلسطينيون يؤيدون العمليات ويفرحون بها، لكن لم تنضم كتلة كبيرة من الجمهور الفلسطينى الذى سيخرج بجموعه لمواجهة إسرائيل فى الشوارع.

وعلق الدكتور ميخائيل ملشتاين، الخبير فى الشئون الفلسطينية فى جامعة تل أبيب وجامعة رايخمان، بأن إسرائيل يجب عليها أن تحاول إقناع السلطة الفلسطينية بإلغاء وقف التنسيق الأمنى، وأوصى بمحاولة الاستعانة بدول عربية أخرى، مثل مصر والمغرب، فى الجهود لتهدئة النفوس قبل شهر رمضان. 

وأشارت رئيسة قسم العمليات فى الشرطة إلى أنه فى شهر يناير تم تسجيل ٣٢ حادثًا أمنيًا، بما فى ذلك ٢٩ محاولة هجوم وثلاث هجمات، وفى تفصيل أشمل قالت إن ١٧ من المحاولات اشتملت على إطلاق النار، وخمسًا تمت بواسطة عبوات ناسفة.

إذن نتنياهو فى هذه المرحلة سيحتاج لاستخدام حنكته لمنع شركائه المتطرفين من جره إلى مواجهة أوسع، ولا تزال حتى هذه اللحظة يد نتنياهو تتحكم فى المتطرفين مثل بن غفير وسموتريتش، ويساعده فى ذلك رؤساء الأجهزة الأمنية ووزير الدفاع يوأف جالانت.