رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأب بطرس.. نموذج للمحبة

جميلة هي مصر ومتسامحة ومتصالحة مع نفسها ومع الآخرين.. تلك هي إحدى أهم ملامح فلسفة الحياة لدى المصريين الذين اعتادوا سُنة التعايش والقبول وإن اختلفت الأذواق أو الثقافات أو المعارف أو حتى الديانات، هذا واقع نتعايش معه ونقتنع به نحن المصريون كابرًا عن كابر، حتى وإن ظهرت من حين لآخر بعض الأصوات النشاز- التي تحيد عن هذه القاعدة الإنسانية بين المصريين والتي لم تفرضها سُلطة ولم تنظمها قوانين - فإن وحدة الوطن بعنصريه صارت مضربًا للأمثال وعصية على الاختراق.
أقول هذا وأنا أذكر رجلًا يمثل نموذجًا من نماذج المحبة التي تمشي على الأرض تقديرًا للجميع وعرفاناً لأهل الفضل وسموًا في المشاعر ورقيًا في المعاملة، أتحدث عن الأب بطرس دانيال في عيد ميلاده الخامس والخمسين، الأب بطرس رجل ربّته العلوم اللاهوتية، وهذّبّته المحبة الجارفة للفنون الراقية، وصقلته خبرات الحياة الاجتماعية التي يمارسها بنجاح شديد. 
عرفنا الرجل رئيسًا للمركز الكاثوليكي للسينما، وهذا وجه حضاري يضاف لوجوه كثيرة لتلك المؤسسة الدينية المصرية بجهود مخلصة لهذا الرجل، فحين يُنشّأ صبي في بيت متدين، حريص على القراءة وشديد التعلق بالفنون الراقية، تكون النتيجة النهائية شخصية الأب بطرس دانيال. ورغم حصوله على الماجستير في علوم الإعلام، إلا أنه مازال مولعًا بالفنون عامة وبالموسيقى خاصة حيث تعلمها ومارسها عازفًا للبيانو مع كورال الكنيسة قبل أن ينشغل بدراسته العليا في مجال الإعلام.
وللرجل الذي يتولى رئاسة المركز الكاثوليكي للسينما دور مجتمعي وثقافي كبير فهو يحتفي بالفن الراقي ويُعلي من قيمة المعايير الأخلاقية في الأعمال الفنية- بعيدًا عن التابوهات المتعلقة بالدين أو السياسة أو العنف أو الجنس- ومن هنا كان الرجل ومن قبله كانت المؤسسة التي يرأسها نموذجًا للتسامح وترسيخ القيم الإنسانية والمجتمعية التي تتفق عليها رسالات السماء. 
وبسبب جهوده صار المركز الكاثوليكي للسينما محل تقدير كل العاملين في الوسط الفني عامة والسينمائي خاصة، حيث تتجلى أنشطة المركز من خلال المهرجان السنوي الذي ينظمه لتكريم صناع الأعمال الفنية التي تتسق مع مبادئه الروحية. وللأب بطرس وللمركز الذي يديره خدمات أخرى كثيرة تتمثل في ورش عمل فنية للراغبين في تلقي أصول وقواعد الفنون، وكذلك حفظ التراث الفني المصري من خلال الأرشيف السينمائي الأقدم الذي يمتلكه المركز متضمنًا جُل ما كُتب عن أفلامنا السينمائية وعن صُنّاعها. 
وللرجل توجه إنساني يحسب له ويتسق مع سمو المؤسسة التي يمثلها، فهو لا يترك مريضًا أو مُعوزًا في الوسط الفني دون أن تكون له معه لمسة حضارية إنسانية لا يفرق فيها بين مسلم ومسيحي، وحتى وهو يستثمر - ولا أقول يستغل- علاقاته القوية بكبار النجوم، فهو يستثمرها في الخير أيضًا، إذ يصطحب كبار النجوم لزيارة المرضى وخاصة الأطفال في المستشفيات لإدخال البهجة إلى قلوب صغيرة نقية أنهكها المرض. يعجبني جدًا رقي الرجل حين يزور مريضًا من الفنانين المسلمين فهديته له إما أن تكون نسخة من المصحف الشريف أو لوحة بها أسماء الله الحسنى، وحين ذهب الأب لزيارة الأطفال نزلاء معهد الأورام بصحبة عدد من الفنانين غنى لهم أغنيات رمضانية. 
ونتيجة لهذا الجهد الإنساني والعطاء الوطني الكبير لم أستغرب أن يتم اختيار الأب بطرس ليكون أحد أبرز سفراء المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" وهو اختيار ذكي للقائمين على المبادرة إذ جمع بين التكريم الرمزي للرجل واستثمار خبراته في العمل الإنساني والخدمات الاجتماعية التي تقوم عليها فكرة المبادرة. 

وختامًا أقول للأب بطرس: عيد ميلاد سعيد وعام جديد عامر بالمحبة والعطاء للوطن والإنسانية.