رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عضو الهيئة الدولية لتغير المناخ: مصر مؤهلة للسيطرة على أسواق الكربون في الشرق الأوسط

التغيرات المناخية
التغيرات المناخية

أعلن الدكتور سمير طنطاوي استشاري التغيرات المناخية بالأمم المتحدة وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ أن مصر ينتظرها مستقبل باهر في عملية استصدار وتسجيل وتداول شهادات الكربون إذا تمت إدارة هذا الموضوع بشكل احترافي ومتوافق مع المعايير الدولية مما يؤكد قدرات الدولة المصرية في المشاركة بفاعلية نحو دفع جهود تحقيق الهدف الدولي وهو الحياد الكربوني.

جاء ذلك خلال الحديث الذي أجرته وكالة أنباء الشرق الأوسط مع الدكتور سمير طنطاوي للكشف عن التفاصيل الخاصة بشهادات الكربون وعلاقتها بالتغيرات المناخية وإطلاق أول سوق أفريقية طوعية لإصدار شهادات الكربون وتداولها، والصعوبات والتحديات التي يمكن أن تواجهها مصر في هذا السوق الواعد.

تبسيط مفهوم شهادات الكربون

في البداية، يوضح الدكتور سمير طنطاوي المفهوم الخاص بشهادات الكربون قائلا: إن شهادات الكربون هي عبارة عن الأنشطة أو المشروعات التي ينتج عنها خفض في غازات الاحتباس الحراري سواء الخفض من خلال تخفيض كميات الغازات المنبعثة أو زيادة الغازات الممتصة بمعنى هناك مصادر وقطاعات مصدرة لغازات الاحتباس الحرارى وهي قطاع الطاقة ويشمل توليد الكهرباء والنقل والبترول وقطاع الصناعة وقطاع الزراعة وقطاع المخلفات وهناك قطاعات تمتص هذه الغازات مثل الغابات وبعض الانشطة الزراعية، مشيرا إلى أن المشروعات والأنشطة التي ينتج عنها خفض في غازات الاحتباس الحرارى يتم توثيق هذا الخفض في شكل شهادات كربون كل شهادة تعادل طن من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى ويتم تداول هذه الشهادات بحيث أن الشهادة تسمح لمالكها بتصدير انبعاثات مقدراها واحد طن ومصدر الشهادة بيكون نشاط أو مشروع يؤدى لخفض الانبعاثات ومشترى الشهادة يستفيد بعد ذلك بأنه يصدر انبعاثات بمقدار الشهادة وهو طن واحد أو يوفى التزامه اتجاه اتفاق باريس أو إذا كان عليه التزام دولي أو وطني فهناك بعض الدول تضع قواعد واجراءات بحيث لا تزيد انبعاثات من نشاط معين عن حد معين فاذا تعدى صاحب المنشأة هذا المستوى يضطر الى شراء شهادات كربون ليعادل الزائد عن حجم الانبعاثات المقرر له.

فرص واعدة

وأوضح طنطاوي أن مصر لديها فرص جيدة في العديد من القطاعات سواء القطاع الصناعي أو النقل أو توليد الكهرباء أو المخلفات يمكن أن يصدر عنها خفض في الانبعاثات حيث يمكن توثيق هذا الخفض والاستفادة من هذا الأمر من بيع شهادات الكربون لكن يجب أن يتم إدارة هذا الموضوع بشكل احترافي والاستعانة بالخبرات الوطنية والدولية المتخصصة بالتعاون مع الشركات الاستشارية الوطنية خاصة وأن تأسيس نظام وطني لتداول شهادات الكربون سيستغرق وقتا حتى نكتسب الخبرة اللازمة لإدارة سوق شهادات الكربون، مشيرا إلى أن الحكومة ستعمل على تقديم كافة الضمانات والحوافز المطلوبة لدعم الخطط ونماذج العمل التي تدفع نحو تحقيق التنمية المستدامة وخاصة التي توفر حلول لمعالجة كافة الاثار الناجمة عن التغيرات المناخية.

وفيما يتعلق بالتحديات والصعوبات التي تواجه مصر فيما يخص إصدار شهادات الكربون، أفاد طنطاوي بأنه على المستوى الوطني فليس لدينا قانون للتغيرات المناخية في مصر بحيث يضع حدود آمنه للانبعاثات على كل صناعة وكل نشاط وبرغم جهود ونشاط البورصة المصرية وهيئة الرقابة المالية لكن هناك العديد من الكيانات التابعة التي يجب أن تكون متواجدة مثل كيانات تعمل على القياسات الخاصة بالانبعاثات وحسابها وتقديراتها وتدقيقها وكذلك ضرورة وجود جهات لمراقبة هذه الانبعاثات و مراجعتها وتوثيقها وضمان عدم ازدواجية حساب شهادات الكربون بحيث لا يسمح لأحد ببيع هذه الشهادات لأكثر من مكان .

وأشار طنطاوي في هذا الصدد الى أن شهادات الكربون يجب أن تكون مسجلة وموثقة وتكون ناتجة عن نشاط فعلى وخفض فعلى لغازات الاحتباس الحرارى، مشيرا إلى أنه حدثت مؤخرا مشكلة كبيرة لواحدة من أكبر الشركات الامريكية العاملة فى مجال سوق الكربون الطوعي فحسب التحقيقات التي تمت فإن ٩٥% من المشروعات التي أعلنت عنها هذه الشركة العملاقة لا تؤدى الى خفض الانبعاثات وأن ٥% فقط من المشروعات أو الأنشطة هي التي قامت بخفض الانبعاثات الامر الذى تسبب فى أزمة ثقة فى سوق شهادات الكربون الطوعية فيلزم أن يكون هناك كيانات ومؤسسات ومكاتب استشارية متخصصة وخبراء متميزين ومتخصصين فى هذا المجال لضمان أن الحسابات التي تمت لوحدات خفض الكربون تمت على أسس علمية سليمة وتم مراجعتها ومراقبتها ومراقبة الانشطة التي نتجت عنها بحيث أن شهادات الكربون التي يتم إصدارها يكون لها مصداقية وقوة تساوى أو تعادل ما يدفع فيها من اموال.

منصات وطنية لتداول الكربون

أكد الدكتور سمير طنطاوي أنه تم خلال مؤتمر المناخ بشرم الشيخ "cop 27" إطلاق كيانين وطنيين بهدف تعزيز العمل في مجال شهادات الكربون على المستوى الوطني، مشيرا إلى أن الصندوق الاول تشرف عليه هيئة الرقابة المالية ويكون تعامله مع شركات القطاع العام وقطاع الأعمال وأيضا أصدرت هيئة الرقابة المالية اجراءات الافصاح الخاصة بالانبعاثات للشركات الوطنية أما الصندوق الأخر فهو يشمل القطاع الخاص ومجموعة من المستثمرين حيث سيقوم على تجارة الكربون بالتنسيق مع بعض الجهات الدولية العاملة فى هذا المجال من أجل التدقيق ومراجعة وقياس غازات الاحتباس الحرارى التي يتم تخفيضها ثم يتم توثيقها ويتم الاتجار بها في صورة شهادات خفض طوعية تخضع للمادة ٤ر٦ من اتفاق باريس للمناخ الذى يسمح بتداول هذا النوع من الشهادات وهذه الشهادات تسمى شهادات خفض طوعية نظرا لأنها لا تخضع للالتزامات الدولية أما اذا كان الدولة عليها التزامات دولية فإنها تندرج تحت المادة ٢ر٦ وهذه تكون التزامات منصوص عليها فى تقارير المساهمات الوطنية.

ونوه طنطاوي في هذا الصدد ، الى انه طبقا للمادة السادسة من اتفاق باريس فان الدولة التي يوجد بها مشروعات أو أنشطة تؤدى الى خفض الانبعاثات يمكنها أن تقوم بتداول أو تجارة أو تبادل ما يسمى بوحدات خفض الكربون مع دولة أخرى فى شكل سندات مالية بما لايؤثر على التزام الدولة في تقارير مساهماتها الوطنية على سبيل المثال إذا أعلنت الدولة أنه بحلول عام ٢٠٣٠ أو ٢٠٥٠ ستصل الى الحياد الكربوني فهذا يعنى أن انبعاثاتها التي ستصدر تساوى كمية الانبعاثات الممتصة وبالتالي صفرية الانبعاثات أو ما يسمى الحياد الكربوني فيمكن لهذه الدولة من الآن حتى وصولا إلى عام ٢٠٣٠ أو عام ٢٠٥٠ أن تقوم بتجارة جزء من انبعاثاتها بما لا يؤثر على تحقيق الهدف المنشود في تقرير المساهمات الوطنية وبالتالي يمكن في هذه الحالة أن تستفيد الدولة ماديا من بيع وحدات الخفض الى دولة أخرى تكون فى حاجة الى هذه الوحدات سواء دولة او مؤسسة دولية.

سوق إفريقية

وحول إطلاق أول سوق أفريقية طوعية لإصدار شهادات الكربون وتداولها بمؤتمر المناخ ، أشار طنطاوي إلى أن هذا السوق الافريقي لشهادات الكربون، يعتبر منصة لمساعدة الكيانات الاقتصادية العاملة في مختلف الانشطة الانتاجية في مصر وافريقيا على الانخراط في أنشطة خفض الانبعاثات الكربونية والاستفادة من استصدار وبيع شهادات بموجب الخفض لصالح شركات أخرى ترغب في معاوضة انبعاثاتها الكربونية التي يصعب تخفيضها ..لافتا الى أن أسواق الكربون الطوعية للشركات تساعد في استعادة جزء من انفاقها الاستثماري الموجه لخفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن ممارسة أنشطتها واعادة استثمار هذه الموارد في تحقيق الهدف الاكبر وهو الحياد الكربوني الذي تسعى لتحقيقه كل دول العالم.

وقال طنطاوي إن قارة افريقيا حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى منها ٤% من انبعاثات العالم ولكنها الاكثر تأثرا بغازات الاحتباس الحرارى والآثار السلبية للتغيرات المناخية لذلك فان افريقيا يجب أن تستفيد من المادة السادسة من اتفاق باريس المتعلقة بتجارة الكربون مما يستلزم وجود كيان يعمل على تحديد فرص خفض الانبعاثات في القارة الافريقية وهى فرص ليست بالكثيرة نظرا لان افريقيا فى معظم دولها تعتمد على النشاط الزراعي باستثناء بعض الدول التي لديها أنشطة صناعية مثل دول شمال وجنوب إفريقيا ونيجيريا لكن الغالبية العظمى من دول إفريقيا بتعتمد على النشاط الزراعي كأساس للتنمية الذى يمكن الاستفادة منه في تحقيق خفض في غازات الاحتباس الحرارى من خلال خفض الانبعاثات الناتجة عن بعض الزراعات مثل زراعات الأرز، وأيضا يمكن تخفيض الانبعاثات من مزارع الحيوانات من خلال خفض انبعاثات غاز الميثان وهو من الغازات المؤثرة فى غازات الاحتباس الحرارى.

وأضاف طنطاوي أنه يجب على افريقيا أن تستفيد ماديا من إدارة الكربون وأن يكون هناك كيان يعمل على تقييم فرص الخفض وتجميع هذه المشروعات فى صورة مشروعات كبيرة لان المشروعات صغيرة الحجم مشروعات غير جاذبة للمستثمرين الذين يعملون فى مجال إدارة انبعاثات الكربون لكن المشروع عندما يكون مشروع تجميعي أو مشروع يتم تنفيذه فى عدد من الدول يصبح حجم خفض الانبعاثات مؤثر وجاذب للاستثمار من خلال صناديق الاستثمار العاملة في مجال شهادات للكربون لذلك فان السوق الجديد يأتي اتساقا مع الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠ والتي تتبناها وتنفذها الادارة المصرية، وتستهدف في ركيزتها الرابعة تعزيز البنية التحتية لتمويل المناخ.

الرقابة المالية

وحول العائد المتوقع من إصدار قانون الرقابة المالية الذى يعطى للبورصة المالية الحق فى تداول شهادات الكربون ، ذكر طنطاوي أن هذا القانون سيحقق أكثر من نتيجة تتمثل في عائد بيئي في الاساس وهو الحد من غازات الاحتباس الحرارى ومشاركة المجتمع الدولي في محاولة حل هذه القضية للوصول الى الهدف الدولي بالحد من ارتفاع حرارة الغلاف الجوي لما دون ١.٥ درجة مئوية بحلول عام ٢٠٣٠ وتحقيق الحياد الكربوني، وأيضا هناك عائد اقتصادي لأنه سيسمح لهذه الشركات أن تصدر لأوروبا لأن أوروبا أيضا أعلنت أنه بحلول ٢٠٣٠ لن تسمح بدخول العديد من المنتجات الى اراضيها الا اذا كانت البصمة الكربونية لهذه المنتجات فى اطار المسموح به تداوله داخل الاتحاد الاوروبى وبالتالى عندما تقوم شركاتنا الوطنية بحسابات البصمة الكربونية وحسابات خفض الانبعاثات لمنتجاتها سيسمح لها ذلك بالتصدير للاتحاد الاوروبى، و هناك أيضا ميزة مالية على المستوى الوطني حيث سيكون هناك رواج لتجارة الكربون على المستوى الوطنى بين الشركات الوطنية وبعضها البعض فالشركة التي لديها زيادة فى عدد شهادات خفض الكربون يمكن أن تتاجر فى هذه الشهادات من خلال البورصة المصرية فى شكل مزادات ويتم بيع هذه الشهادات لاعلى سعر على المستوى الوطنى لشركات أخرى تحتاج هذه الشهادات فهو سوق ستديره البورصة المصرية ومثله مثل بورصة الاوراق المالية مما سيكون هناك تعاملات مالية تعمل على تحسين نوعية البيئة على المستوى الوطنى.

إزالة الكربون

وعن اليوم الخاص بإزالة الكربون الذى تم على هامش مؤتمر المناخ وكانت تديره وزارة البترول، أوضح طنطاوى أنه سيكون له تبعات جيدة على المستوى الوطنى فيما يخص التوجه نحو الطاقات الانظف والطاقات الجديدة مثل الوقود الهيدروجينى خاصة الاخضر وأيضا خفض إنبعاثات الميثان من أنشطة البترول وصناعة البتروكيماويات و هناك مبادرة دولية لخفض انبعاثات الميثان تقودها الولايات المتحدة والصين وفى العديد من الدول ومصر عضو في هذه المبادرة..لافتا الى أن طن الميثان يعادل ٢١ طنا من ثاني أكسيد الكربون ومصادر الميثان متعددة منها القطاع الزراعي و القطاع الصناعى و قطاع التعدين مثل استكشافات البترول ومناجم الفحم فجميعها مصادر لزيادة غاز الميثان وبالتالي زيادة درجة حرارة الغلاف الجوي.

وذكر طنطاوي أنه تم مناقشة العديد من الموضوعات خلال يوم ازالة الكربون واستعراض أحدث التكنولوجيات التى تم التوصل اليها من أجل الانتقال العادل للطاقة فى الدول النامية خاصة واننا لدينا فرص جيدة في الانتقال الى مصادر الطاقة النظيفة والانظف ولكن نحتاج الى التمويلات والتكنولوجيا التي يجب ان تتوفر من الدول المصدرة لهذه التكنولوجيات والدول الملزمة بتوفير دعم للدول النامية من أجل الانتقال للعادل للطاقة فمصادر الطاقة الجديدة مثل الهيدروجين أو المتجددة مثل الرياح والشمس أصبحت أسعارها تنافسية مع الطاقات التقليدية لان المشكلة تكمن فى توفير التكنولوجيا.

وحول إزالة الكربون ودوره في حل مشكلة التغيرات المناخية، أكد الدكتور سمير طنطاوي إذا تم إزالة الكربون لن تحدث ظاهرة التغيرات المناخية الجامحة الناتجة عن زيادة تركيزات غازات الاحتباس الحراري، منوها إلى أنه إذا تم إزالة الكربون ستقل حدة الظواهر المناخية الشديدة مثل الحر الشديد والبرد والأمطار الشديدة والفيضانات وموجات التصحر وكل هذه الآثار السلبية فإزالة الكربون والوصول إلى اقتصاد معزول الكربون ممكن أن يؤدى إلى حل مشكلة التغيرات المناخية.

وأشار الدكتور سمير طنطاوي الى أن تجارة الانبعاثات أو أسواق الكربون لها مردود إيجابي على العمل المناخي حيث انها تسهم أيضا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة على مختلف المحاور البيئية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية حيث ان بعضا من المشروعات التي تحقق خفضا في الانبعاثات تعمل أيضا علي توفير فرص عمل للشباب ونقل تكنولوجيات حديثة وتمثل مصدر دخل للعملات الصعبة في حال تداولها خارجيا، داعيا إلى ضرورة إنشاء قاعدة بيانات وطنية تشمل فرص خفض الانبعاثات وان يتم إعلانها حتى يتمكن المستثمرون في أسواق وشهادات الكربون من اختيار الفرصة أو المشروع الذي يرغبون في الاستثمار فيه.