رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«سارقة الأرواح» رواية تفضح الكيانات الاقتصادية القبيحة

رواية سارقة الأرواح
رواية سارقة الأرواح

في فيلمه الصامت “الأزمنة الحديثة”، يقدم شارلي شابلن، الوجه القبيح للرأسمالية، تلك التي تضغط على الإنسان وتحوله لمجرد ترس في آلة كبيرة، ما أن يعطب حتى يستبدل بغيره.

عامل المصنع المشرد، والذي لعب دوره شارلي شابلن في الفيلم، مجرد رقم في كيان المصنع الضخم، لا اسم له ولا هوية، فقط ترس يعمل ويعمل بلا كلل وبلا راحة، وإذا ما توقف عن العمل تفرمه الآلة الضخمة، ويحل محله رقم آخر، فلا بد للآلة أن تستمر في الدوران، ولا بد لـ “دولاب العمل” أن لا يتوقف أبدا.

     

ــ هكذا تحول الكيانات الضخمة الإنسان لمجرد رقم

في روايته الأحدث، “سارقة الأرواح”، والصادرة عن دار العين للنشر، يرصد الكاتب الروائي محمد إسماعيل، الوجه المستتر للكيانات الاقتصادية الرأسمالية العملاقة. تلك التي تمتلك الواجهات البراقة، ذات العلامات التجارية العالمية العابرة للقوميات والجنسية، ومن هذه الكيانات، شركة “بتروجلوب العالمية”، تحديدا أحد فروعها في الشرق الأوسط، وبالأدق في مصر.

 شركة “بتروجلوب العالمية” مجتمع مصغر للرأسمالية في أفج صورها وأشدها قبحا وشراسة. فالعاملين في الشركة ورغم مرتباتهم الضخمة التي يدفعون مقابلها أعمارهم وحيواتهم، تنتهج نهجا ملتويا في التعامل مع موظفيها وجميع العاملين بها، سواء كانوا فنيين أو موظفين إداريين. 

فلكي تتملص الشركة من دفع مكافأت نهاية الخدمة لموظفيها، تلجأ إلي الحيل الملتوية للضغط  بكل الطرق علي موظفيها في أواخر مدة خدمتهم، لإجبارهم علي تقديم استقالاتهم فلا يحق لهم مكافأة نهاية الخدمة التي تقدر بعشرات الآلاف في المتوسط لأقل موظف في الشركة، بينما تقارب السبعة أصفار في حالة المدراء وكبار الموظفين والمهندسين بالشركة.  

 

ــ أهل الثقة وأهل الخبرة

رصد محمد إسماعيل في روايته “سارقة الأرواح”، الداء المستفحل في إدارة “بتروجلوب” العالمية، والتي لا فرق بينها وبين أي إدارة أخري في دول العالم الثالث، ألا وهو داء الاستعانة بأهل الثقة وتقريبهم وإسناد الأدوار الأكبر إليهم، في مقابل إبعاد واضطهاد أهل الخبرة والكفاءة. 

فرغم أن شركة “بتروجلوب العالمية”، تابعة لشركة إنجليزية كبيرة في مجال البترول، إلا أن رئيس مجلس إدارتها “وليد”، يستعين بمن يداهنونه ويتملقونه، من يحيكون  المؤامرات والدسائس لمن ينافسه علي منصبه، لا لشئ إلا للحفاظ علي كرسيه في إدارة الشركة العالمية. يستعين وليد بـ “السعيد”، الذي لا يفقه شيئا لا في الإدارة ولا في الهندسة، ليبعد كبير مهندسي الشركة “ماجد”، والمشهود له بالخبرة والكفاءة حتي بين الأوساط العالمية، خوفا منه علي منصبه في مجلس إدارة الشركة.

 وبدوره “السعيد” اثنين من “البصاصين” ــ عاصم وجاسر ــ في مراكز حساسة وهامة في الشركة، لا خبرة لهما ولا علم ولا دراية بشئ لا في الإدارة ولا حتي فنيات العمل في قطاع البترول. كل مؤهلاتهما أنهما كلبي الحراسة لـ “السعيد”، من ينقلان له أخبار الموظفين في الشركة، من يدبران المكائد والوشايات بمن يظنهم السعيد أعداء لولي نعمته رئيس مجلس الإدارة وليد، وهما في نفس الوقت يده الضاربة التي تنفذ بدلا منه عملياته القذرة في تشويه المغضوب عليهم من وليد والسعيد، وفي سبيل هذا يرتكبا كل الفساد الإداري والمالي في الشركة بلا رقيب ولا حسيب.

 

ــ فساد الشركات الرأسمالية لا يفرق عن تلك الحكومية

يرصد الروائي محمد إسماعيل في روايته “سارقة الأرواح”، بعدسة الروائي الفساد الذي تغرق فيه الشركات العالمية الرأسمالية، فرغم كون شركة “بتروجلوب”، تتبع كيان الشركة الضخم في بريطانيا، إلي أن الكيان الأم عندما يعلم بالفساد المالي والإداري الذي يرتكبه “وليد” وأعوانه، لا تحرك الشركة الأم ساكنا، بل يتواطئ موظفي اللجنة التي شكلتها الإدارة الرئيسية في لندن ــ وكل أعضائها من الإنجليز ــ مع وليد ولا تسفر اللجنة وتحقيقاتها عن شئ، بل ينسج الراوي خدعة فنية شديدة الحبكة والذكاء في نهاية العمل الروائي، تدلل علي أن الفساد ليس حكرا علي ما يسمونه دول العالم الثالث، بل يتفشي أيضا في الكيانات الكبري الرأسمالية عابرة الجنسيات والقوميات والدول، عندما تختار الشركة الأم الاكتفاء بتقديم “السعيد” ككبش فداء، دون أن تجتث جذور الفساد من جذوره، ولما لا وموظفي الإدارة الأم من الإنجليز أنفسهم يتواطئون مع فساد وليد وأعوانه.

 

ــ كيانات اقتصادية تسرق الأرواح 

نسج الروائي محمد إسماعيل في روايته “سارقة الأرواح”، عمل روائي شديد الكشف والبوح عن الكيانات الاقتصادية العملاقة التي تسرق أرواح العاملين فيها، هؤلاء الذين تقوم علي أجسادهم وأعمارهم وحيواتهم، تمتصها لآخر قطرة، ولا تتركهم إلا كيانات هشة مفرغة الروح والحياة، بحبكة ذكية ولغة سلسة كاشفة، وشخصيات تعكس روح مضون الرواية كما طرحها كاتبها. 

“سارقة الأرواح” هي المحاولة السردية الروائية الثالثة لمؤلفها محمد إسماعيل، بعد عمليه السابقين، “ما حدث في شنجن” 2020 عن الكتب خان، و"باب الزوار" عن دار العين 2022، ينضج فيها ــ سارقة الأرواح ــ صوته الروائي السردي، فيقدم عمل روائي يخوض تجربة مغايرة عن وحشية الرأسمالية والحياة المعاصرة في عمومها، وعن ضحايا هذه الكيانات الذين يطويهم النسيان رغم أنهم عصب وجود هذه الشركات العملاقة. 

الكاتب الروائي محمد إسماعيل
الكاتب الروائي محمد إسماعيل