رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محروس ياسمين الحلاق مستعد لخلع الأسنان والطهارة مجانًا للفقراء

هذه يافطة أحد المحال الفقيرة الواقعة في أحد أحياء القاهرة القديمة في عام  1942 وقت معاناة مصر من أشد أزماتها الاقتصادية جراء الاحتكارات الرأسمالية الأجنبية ونهب بريطانيا لخيرات البلاد حتى وصل الدخل الشهري للعامل المصري 260 قرش أي أن غالبية البروليتاريا تعيش تحت الحد الأدنى للمعيشة، ظهرت اليافطة في المشهد الاول لفيلم "لو كنت غني" إخراج هنري بركات وسيناريو وحوار أبو السعود الإبياري.

يعد فيلم "لو كنت غني" من أهم الأعمال السينمائية التي رصدت أحوال العامل المصري في تلك الفترة الزمنية في أربعينيات القرن الماضي حيث جسد بشارة واكيم دور الأسطى محروس الحلاق الذي يعاني وأسرته فقر العيش، هذه الأسرة المثالية المكونة من الزوجة الوفية فُلة/ إحسان الجزايرلي والإبنة وهيبة/سميرة كمال وشقيقها رشيد/ محمد الديب الذي عمل بأحد المطابع زميلًا للخال يونس/ عبد الفتاح القصري، يتعرف المشاهدون على أحوال المعيشة المتردية منذ المشاهد الأولى للفيلم من حيث امتناع زبائن الاسطى محروس عن الدفع الى نشوب شرارة الإضراب العمالي بالمطبعة محل عمل الابن وشقيق الزوجة بعد رفض مالك المطبعة صرف علاوة غلاء للعمال لاعانتهم على مواجهة ارتفاع الأسعار حتى تظهر أفكار الأسطى محروس التقدمية مطالبًا بالعدالة الاجتماعية المنشودة والمتمثلة في مناداة الاغنياء بالتبرع بجزء من أموالهم لصالح إعانة لفقراء وغير القادرين.

امتد إصرار الأسطى محروس إلى درجة كبيرة من رفض كل ماله علاقة برفاهية العيش وكأنهه فخور برقة حاله وحال أسرته وهذا ما يميز العمال الفخورين بما تصنع يديهم من أشغال حرفية حيث تمتعت مصر في ذلك الزمن بانتشار حركة وطنية نشطة نالت دعم الكثير من المنظمات الاشتراكية العلنية منها وسرية تدعو إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتطالب بتخفيف الظلم الواقع على العمال، الأمر الذي يفسر وجود أفكار تقدمية تدافع عن حقوق العمال في الأوساط المصرية.

ولكن.. ينقلب الحال ويتناسى الأسطى محروس خطابه الحماسي الذي قضى ليلته في تجهيز عناصره والتدريب على إلقاءه طريقة إلقائه أمام الجموع وكيف ستبدو وقفته وتأثير نبرة صوته إلا أنه تلقي نبأ ميراثه لثروة كبيرة عن  آخر شخص يمكن أن يتوقع أنه يحمل قرش صاغ واحد في جعبته وهو شحاذ الحي، يلقى محروس بورقة الخطاب عرض الحائط لبدأ حياة جديدة يصور فيها الفيلم حياة الأغنياء من العربدة والمجون والخصة وقلة الأصل مما يدفع الأسرة العاملة لخسارة ثروتها والعودة مجدًا لمسقط رأسهم يستأنفون حياة الكفاح العمالي. 

على الرغم من المبالغة الشديدة التى تم تناول حياة العمال مقارنة بمعيشة الأثرياء والفانتازي التي تعامل بها السيناريو مع أحداث القصة الا ان لو كنت غني مازال سؤال يخطر على بال الملايين من المصريين ممزوجًا ببعض إفيهات الفيلم العالق بالذاكرة رغم مرور أكثر من نصف قرن على عرضه.