رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دروس فى القيادة

تُعرّف القيادة.. (بالإنجليزية: Leadership) بالقدرة على تحفيز وإثارة اهتمام مجموعة من الأفراد، وإطلاق طاقاتهم نحو تحقيق الأهداف المنشودة بكلّ فعالية وحماس، كما يُمكن تعريف القيادة بأنّها القدرة التي يتميّز بها القائد عن غيره بتوجيههِ للآخرين بطريقةٍ يتسنّى بها كسب طاعاتهم واحترامهم
القيادة هي العقل والقلب النابض لكل المنظمات، والحديث عن القيادة قديم قدم التاريخ، حيث تعددت مفاهيم القيادة بتعدد الاتجاهات والأطر النظرية عبر مراحل تطورها.
وإذا رجعنا لأقوال السيد المسيح كنموذج أيضًا في القيادة فإننا نجد:
في الإنجيل بحسب البشير متي (مت 23: 1-12) أن السيد المسيح أشار إلى ما سلك فيه فئة من الناس استخدمت النصوص الدينية بما يفي بأغراضهم الخاصة فأراد السيد المسيح أن يعطي مبادئ هامة عن القيادة الصحيحة ونستعرضها فيما يلي من نقاط:
أولًا: الحذر من الكبرياء،  ثانيًا: القادة المميزون يهتمون بالآخرين ولا تهمهم الألقاب، ثالثًا: القيادة هي خدمة.
أولًا: الحذر من الكبرياء

الآيات (1-4): حذر السيد المسيح تلاميذه من سلوك فئة من الناس في ذلك الوقت تسمى «الكتبه والفريسين»، فأكد السيد المسيح لهم أنه «حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ»، وكانت هذه الفئة تتمسك بالنصوص المقدسة بحرفيتها دون أي وازع إنساني أو فهم سليم للروحانية الحقيقية. ويستطرد السيد المسيح قائلًا  في آية (4): «فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالًا ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ، وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ»، كان تشددهم لمجرد إظهار الورع والتقوى، وكل ما فعلوه عبر بوضوح عن التعالي والشعور بالكبرياء، فقد أثقلوا الناس بما لا يطاق من وصايا ما عليهم إلا أن ينفذوها، بينما هم أنفسم خرجوا من المشهد تمامًا مدعين المعاذير. يقول سليمان الحكيم في أمثاله (أم 16: 18) 
«قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح» [ع 18].
من يرفع نفسه يسقط. كان هناك ملك قديمًا على مقاطعة اليهودية (73 ق. م - 2 ميلادية) اسمه هيرودس (هيرودس أغريباس الأول). فعندما لبس الحلة الملوكية، وجلس على كرسي الملك... صرخ الشعب: «هذا صوت إله لا صوت إنسانٍ» (أع 12: 21). ففي الحال ضربه ملاك الله، لأنه لم يعطِ المجد لله، فصار يأكله الدود ومات.
* ينبغي ألا نظن بأن إنسانًا ما يزل وينزل إلى الغم بسقطة مفاجئة، إنما ينحدر إلى سقطة ميئوس منها، عن طريق خداعه لنفسه فتزداد الأخطاء تدريجيًا، لأن «قبل الكسر الكبرياءُ، وقبل السقوط تشامخ الروح» (أم 16: 18). ذلك كالمنزل الذي لا يسقط فجأة دفعة واحدة، بل يحدث كنتيجة إهمال ساكنيه له، فتنهار الحوائط تدريجيًا. لأنه «بالكسل الكثير يهبط السقف، وبتدلّي اليدين يَكِفُ البيت» (جا 10: 18).

 

ثانيًا: القادة المميزون يهتمون بالآخرين ولا تهمهم الألقاب
آيات (5- 7): «وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ: فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ، وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي!».
ترك معلمو اليهود الاهتمام بتنفيذ الوصايا إلى الاهتمام بالمظهريات. عندما أعطى الله شريعته لموسى أوصى «اربطها علامة على يدك ولتكن عصائب بين عينيك» (تث 8:6) والمعنى هو تأملها بعينيك نهارًا وليلًا. ولكن الفريسيين فسروا الوصية حرفيًا وكتبوا الوصايا العشر وبعضًا من كتابات موسى ووضعوها على أربطة صغيرة من الجلد ويطوونها على أياديهم اليمنى وعلى رءوسهم (يربطونها كما نلبس الساعة الآن) ويربطونها على جباههم، متصورين أنها تعطيهم حماية خاصة،. هناك من يحول الدين من جوهر إلى مجرد مظهر خارجي للتباهي وكأنهم متدينون ليرضي الناس عنهم لا يبغون رضا الله سبحانه وتعالى.
يقول فيلسوف المسيحية بولس في رسالته إلى كنيسة مدينة فيلبي (وهي في بلاد اليونان) هذه الكلمات المحفزة: «مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا، لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ، بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا» (في 2 : 2- 4).
إن روح التحزب أو التعصب لشخص ما أو لمجموعة معينة، أو حتى العمل لمجد الذات وللمنفعة الشخصية يقتل كل ما هو جميل في حياتنا، وهذا يؤدي للكراهية. بعجب يعجب الإنسان بذاته أو بالمواهب التي أعطاها له الله. فيرى نفسه أفضل من الآخرين مما يجعله يطلب مركزًا أكبر أو يفرض رأيه.
حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم: ممكن أن تقال: «فليحسب كل واحد الآخر أفضل منه». إنه علينا أن نعطي الآخرين تقديرًا كبيرًا وتحفيزًا.

ثالثًا: القيادة هي خدمة
الآيات (8-12): «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ. وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ. وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِمًا لَكُمْ. فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ، وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ».
إعطاء الألقاب جزافًا للناس لا يخلق فقط جوًا من الطبقية المقيتة، بل يجعل هناك فواصل كالسدود بين الناس بعضهم البعض وإذا زاد هذا أو انتشر في مجتمع ما تشرذم ذلك المجتمع وأصبح كيانًا هشًا تسوده التحزبات والشللية، فيكون شللي النزعة. 
قال المسيح «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُم عَظِيمًا، فلْيَكُنْ لَكُم خَادِمًا» (مر 10: 43)، راسمًا لنا خارطة طريق مختلفة ومتميّزة وفريدة ليفهمنا أنّ السّلطة والعظمة هي بالخدمة والحقّ، فقد أضاف قائلًا «ومَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ الأَوَّلَ بيْنَكُم، فَلْيَكُنْ عَبْدًا لِلْجَمِيع» (مر 10: 44). أراد المسيح أن يوضح لنا أنّ السّلطة تكتسب بالخدمة والتّواضع والمحبّة اللّامتناهية على مثاله، «لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَم، بَلْ لِيَخْدُم، ويَبْذُلَ نَفْسَهُ فِداءً عَنْ كَثِيرين» (مر 10: 45)، معلنًا بذلك عن ثقافة جديدة ترتكز على التّضحية من أجل عالم أكثر إنسانيّة.
أخيرًا:
القيادة هي امتياز عظيم لكن هناك ما يمكن أن يضعفها لو صارت لجلب المصلحة الذاتية والتعالى على الآخرين أو سعيًا للقب يميز طالبه عن باقي الناس المحيطين به، 
ففى حقيقة الأمر ما القيادة والإعطاء والخدمة باذلة مضحية فهي رسالة متفانية، هكذا السيد المسيح سطر عمليًا وليس بأقواله فقط هذه المبادئ الثمينة في القيادة.