رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكنيسة الكاثوليكية تحيي ذكرى القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص

كنيسة
كنيسة

تحيي الكنيسة الكاثوليكية اليوم، ذكري القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص، إذ قال الأب وليم عبد المسيح سعيد – الفرنسيسكاني، أنه وُلد غريغوريوس في بلاد الكباذوك سنة 331، ونشأ في أسرة دعاها التاريخ بحق أسرة القديسين. لأنَّ القداسة كانت ثروةً لأبيه باسيليوس، ولأمّه إميليا، ولأخته ماكرينا، ولأخيه باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصريّة الكباذوك. فنشأ هو أيضاً على التقى والفضيلة.

وتابع: لكن أمياله كانت تصبو إلى الدنيا أكثر ممّا كانت تنظر إلى الأستزادة من الفضائل والكنوز السماويّة. وتزوّج وأخذ يكّد ويسعى للإكثار من أموال الأرض ونعيمها. بل زاد على ذلك بأن أطلق العنان لنفسه في مطالعة كل ما وصلت إليه يده من كتب الفلاسفة الوثنيّين.

وواصل: فاغتمَّ لذلك كل الغم غريغوريوس النزيزي، صديق أخيه باسيليوس وصديقه. فكتب إليه رسالة بديعة في منافع القراءة ومضارّها، فأثّرت تلك الرسالة في قلبه تأثيراً بليغاً. فنبذ تلك الكتب الوثنيّة، وعمد إلى مطالعة الكتاب المقدّس، وتأمّل معانيه، وحفظ البدائع المسطّرة في كل صفحة من صفحاته.

وتابع: وامتاز غريغوريوس بتقواه وفضيلته وعلمه. فقام أساقفة أقليم الكباذوك واختاروه أسقفاً على مدينة نيصص. فارتاع وتمنّع. فألحّوا عليه. فلم يرضَ وبكى كثيراً. فسامه أخوه باسيليوس الكبير في حفلةٍ رائعة، وشاركه في السيامة جمهور كبير من الأساقفة، بحضور الألوف من الشعب.

وواصل: وما كاد غريغوريوس يتسلّم عصا الرعاية حتى بدأ حياة الراعي الصالح، أعني حياة الوعظ والإرشاد والصلاة والتقشّف والصيامات الكثيرة. فكاد يقضي الليل ساجداً، يناجي الخالق ويستعطفه لأجل شعبه.

وتابع: وكانت البدعة الآريوسيّة في ذلك الوقت تفسد الدنيا بتعاليمها. وكان باسيليوس الكبير يكافحها ويصمد كالأبطال أمام هجماتها. فقام غريغوريوس أيضاً يحذّر شعبه من شرورها، غير حاسب لأصحابها حساباً. فاضطهدوه، فلم يعبأ بهم. فنالوا من سمعته ومن فضيلته، فلم يثنِ عزمه. فأضمروا له الشرّ وهمّوا بقتله، فاضطرّ أن يتوارى ردحاً من الزمن، ومات أخوه باسيليوس، وهو يكافح في ميدان الذود عن الكثلكة وإيمانها. فحزن غريغوريوس على أخيه حزناً شديداً، وأقسم أن يكمل جهاده ويحمل عالياً العلَم الذي كان يحمله.

وتابع: والتأم مجمع كبير من أساقفة الشرق في أنطاكية، للنظر في أمور الكرسيّ الأنطاكي، تحت رئاسة ملاتيوس البطريرك القدّيس. واختار الآباء المجتمعون غريغوريوس مندوباً عن المجمع إلى بلاد فلسطين، ليفتّش أبرشياتها ويثبت المؤمنين فيها، ويبحث عن الوسائل الفعّالة لإزالة الشرور التي أحدثتها بدعة الهراطقة الآريوسيّة. فجاء عملهم هذا دليلاً عظيماً على ما اتّصف به غريغوريوس من الإيمان الصحيح والعلم الواسع والقداسة الراهنة، وما كان له من الاسم الكبير في كل البلاد الشرقيّة.

وتابع: فرضي بالقيام بتلك المهمّة الشاقّة، رغم صعوبة السفر في تلك الأيام. ولكن قبل أن يقوم بتلك الرحلة الطويلة عاد إلى نيصص لبعض المهام الرعائية، وعرّج في طريقه على شقيقته ماكرينا، ليزورها في دير الراهبات الذي كانت أنشأته وبقيت رئيسةً عليه. وكان غريغوريوس نظير أخيه باسيليوس، يجلّ شقيقته الكبرى إجلالاً كبيراً، لأنّها كانت الأم الثانية لأخوتها، وهي التي عُنيت بتربيتهم وجعلت منهم رجالاً عظاماً وقدّيسين كراماً. لكن العناية الإلهيّة كانت تقوده إلى أخته ليودّعها الوداع الأخير، ويتعزّى بكلماتها ويحضر نزاعها ويترأس حفلة دفنها ويبكيها بدموع سخينة، وهو الشديد العاطفة، الرقيق الإحساس.

وواصل: ومن بعد ذلك قام برحلته إلى فلسطين. فتمزّق قلبه حزناً على ما آلت إليه حال تلك البلاد المقدّسة، بسبب المنازعات الدينيّة واستفحال شأن تلك الهرطقة الآريوسيّة الجهنّمية. وأتى أورشليم وبيت لحم، وعفر وجهه بتراب المهد الكريم واللحد المقدّس. لكنّه وجد التقوى قليلة في تلك الأماكن المقدّسة، ورأى أن المتاجرة بالدين، والركض وراء المغانم، وتأليف الأحزاب، وتنمية الأحقاد، هي البواعث التي يتراكض وراءها الأهالي هناك، فحزن.

وتابع: وسعى كثيراً في أورشليم لإعادة الآريوسيّن والمنشقّين إلى احترام وطاعة القديس كيرلّس البطريرك، فذهبت أتعابه أدراج الرياح. فترك فلسطين وعاد إلى بلاده، وفي سنة 381، إلتأم في مدينة القسطنطينيّة المجمع المسكوني الثاني، برئاسة القديس ملاتيوس بطريرك أنطاكية، للنظر في تعليم مقدونيوس. وكان على كرسي القسطنطينيّة إذ ذاك القديس غريغوريوس النزينزي. وحضر غريغوريوس نيصص أيضاً. فالتقى الصديقان وتعانقا، وكان أجلال آباء المجمع لهما فائقاً حدّ الوصف. فثبت المجمع القديس غريغوريوس النزينزي على الكرسي القسطنطينيّ، ومنح ذلك الكرسي حق التقدّم على سائر الكراسي البطريركيّة الشرقيّة، وحرم مقدونيوس والقائلين قوله، واختار بعض الآباء، ومنهم غريغوريوس وغريغوريوس، ليكونوا حجةً للإيمان الكاثوليكي، حتى أن من قال قولهم تعتبره الكنيسة من إتباع الإيمان القويم المقدّس.

مختتمًا: وفي غضون ذلك مات القديس ملاتيوس. فرثاه غريغوريوس نيصص أمام آباء المجمع بخطاب رائع، لا يزال آيةً في عالم الفصاحة والبلاغة. واختار المجمع رئيساً جديداً له القديس غريغوريوس النزينزي الثاولوغس، وكان صديقه غريغوريوس نيصص من أكبر الباعثين على ذلك، وعاش من بعد ذلك بضع سنوات أيضاً، وهو يغذّي شعبه بالتعاليم الصحيحة، ولاسيّما بالمثل الجميل والكتابات الرائعة.