رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«حلم جميل».. كوميديا الزيف الاجتماعى

 

 

عن رائعة تشارلى شابلن «أضواء المدينة» الذى أنتج ١٩٣١، قدم المسرح الكوميدى على خشبة مسرح السلام بشارع قصر العينى عرض «حلم جميل» للمخرج إسلام إمام ودراماتورج طارق رمضان، وبمشاركة بالكتابة من سلمى الطاهر وبطولة النجم سامح حسين والفنان الكبير عزت زين، والنجمة الصاعدة حنان عادل وفنانى المسرح الكوميدى والشباب.

فى إطار كوميدى يبسط العرض العلاقات بين الطبقات المتباينة اجتماعيًا فى ثنائيات ربما تبدو ساذجة فى عالمنا المعقد، لكن الكوميديا لا تعرف الوسط، الكوميديا تنشأ من المبالغة فى إظهار الصفات وأضدادها بالأساس، لتثير ضحكاتنا من عيوبنا وتحقق مرادها الأساسى بتحفيزنا على تغييرها. لذا فنحن أمام ثنائيات الخير والشر والغنى والفقير الكراهية والحب، النور والظلام، العمى والبصيرة، لكن العرض يتتبع رؤية الفيلم السابق الإشارة إليه والتى ربما تنتمى لفكر عصر مختلف، فوفقًا لرؤية هذا العصر الفقراء هم الأجمل والأكثر تضحية والأكثر سعادة فى مواجهة الأشرار مصاصى الدماء، وليت كان الأمر بتلك البساطة، فالحياة صارت أكثر تعقيدًا ومفهوم الطبقة الاجتماعية اختلف واختلط إلى حد بعيد، وربما يعتبر كتاب جلال أمين «ماذا حدث للمصريين» مرجعًا هامًا فى هذا الشأن.

يتناول عرض حلم جميل مظاهر الزيف الاجتماعى المتمثلة فى بعض من ينتمون للطبقة الثرية ويؤسسون الجمعيات الخيرية لدعم ومساعدة الفقراء، بينما هم يستغلونهم للظهور بصفة فاعل الخير فى المحافل والأخبار، ثم ما يلبثوا يتبرأون منهم، وتبدأ أحداث المسرحية فى أثناء حفل لجمعية خيرية حين يلتقى جميل، الشاب الفقير المتشرد بـ«حلم»، الفتاة الكفيفة التى جاءت من أجل أن تبيع الورد بالحفل، فتظنه أحد الأثرياء فى الحفل، ويخفى جميل عنها حقيقته حين يقع فى حبها، ويرغب فى مساعدتها لاستعادة البصر ويعرف أن تكلفة العملية ٢٠٠ جنيه، ويقرر أن يلجأ لأمين بيه أحد الأثرياء، الذى التقى به جميل وأنقذه من محاولة انتحار بائسة وظن أنه صديقه، فى حين أن أمين فى حقيقة الأمر يتعامل بتباسط وود مع الفقراء بدافع إحساسه بالذنب تجاههم فقط حين يشرب الخمر، لكن بمجرد أن يعود لوعيه يستعيد شخصيته المتعجرفة المتعالية، ينبذهم ويعمد إلى إهانتهم وطردهم من منزله.

يحاول جميل أن يجمع مبلغ العملية عبر العمل فى العديد من المهن الشاقة لمساعدة حلم، لكن يتبين له أن أجره الهزيل لن يصنع شيئًا، خاصة أن الوقت المتاح قبل سفر الطبيب الأجنبى الذى سيجرى العملية كان قد قارب على النفاد، لذا يتسلل جميل إلى فيلا أمين متخفيًا فى زى سفرجى ويقدم له الخمر وحين يضمن أنه سكر يطلب منه ٢٠٠ جنيه لمساعدة حلم. 

هل سيستجيب له أمين، هل ستستعيد حلم بصرها، ماذا سيحدث حين تستعيد بصرها وتكتشف أن جميل كان يخدعها وأنه لم يكن أحد الأثرياء كما جعلها تظن، لو أثارك الفضول لمعرفة إجابات تلك الأسئلة عليك أن تذهب بنفسك لتشاهد العرض.

العرض ممتع وبه الكثير من عناصر التشويق والمتعة بداية من حضور وخفة ظل الممثلين سواء نجوم العرض «سامح حسين- عزت زين- حنان عادل» أو الطاقات المميزة فى الممثلين الشباب، ومنهم الفتاة خفيفة الظل التى لعبت دور أم كانو والذى التضمه إيقاع مميز نحت كوميديا راقية ومتوازنة من المخرج إسلام إمام، وصولًا للغناء من كلمات طارق على والموسيقى والألحان لهشام جبر والاستعراضات لضياء شفيق، وكذلك ألوان الأزياء للراحلة نعيمة عجمى والديكورات المبهجة لحازم شبل، متضافرة مع إضاءة أبوبكر الشريف.

فى النهاية نتوجه بالتحية للفنان النجم سامح حسين على إخلاصه وانتمائه للمسرح وما يخصه به من وقت وجهد، ربما يبخل به العديد من زملائه، كذلك فإن سامح حسين ممثل واثق من ذاته، تتطور أدواته وتنضج بشكل كبير مع استمرار عمله على خشبة المسرح الذى هو ابنه بالأساس، وهو من الممثلين الذين يبرزون من حولهم ولا يستأثرون ببقعة الضوء بل على العكس يهيئون لزملائهم على الخشبة فرص الظهور، سواء كانوا من كبار أم صغار الفنانين.

ويظل فتح مسرح السلام التابع للمسرح الحديث بإدارة الفنان النجم محسن منصور بأريحية كبيرة لعرض حلم جميل، وهو عرض ليس من إنتاجه بل من إنتاج المسرح الكوميدى بإدارة الفنان ياسر الطوبجى، هو عاكس لسياسة جديدة قائمة على إتاحة المواقع الثقافية لا حجبها، ووعيًا مشكورًا من إدارة المسرح الحديث بأن المسارح هى بيوت للمسرح يجب أن تظل أبوابها مفتوحة لاستقبال زوارها من الجماهير كلما استطعنا لذلك سبيلًا.