رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذات يناير (١)

لا يمكننا التسليم أن ما حدث في يناير 2011 كان فجائيا، أو كان وليد اللحظة، كما يكذب من يدعي أنه كان لديه تصور عما حدث، ولكننا بقراءة المشهد التاريخي الممتد على مدي خمسين عاما قبل الثورة. سوف نتأكد أنه كانت هناك إرهاصات ثورية، حتى ولو لم يكتب لها النجاح. 
وهو ما عززته الأحداث الجسيمة التي وقعت عام 1977. 
وهي الأحداث التي أقنعت الرئيس أنور السادات بأنه لا بديل عن الاتجاه ناحية اليمين. بعد اتهامه اليساريين بتدبيرها.
في 17 و18 يناير 1977 خرجت أول وآخر مظاهرة مصرية تعبر عن الجوع.
في اليوم الأول 17 يناير 1977 صدرت بعض القرارات الاقتصادية التي تتعلق برفع أسعار بعض السلع والتي من شأنها رفع الدعم عن بعض السلع الضرورية مثل السكر والزيت والوقود.
كانت مصر وقتها تتعرض لكارثة اقتصادية تمثلت في الديون الهائلة، وقلة الاستثمارات. وكانت حرب أكتوبر 1973 وما سبقها من عمليات إعداد الدولة للمعركة، مما جعل الدولة في حالة ركود اقتصادي.
كانت الدولة تفكر في إلغاء الدعم عن بعض السلع عن طريق رفع أسعارها.
ولأول مرة بدأ جهاز أمن الدولة بإعداد تقارير أسبوعية عن الموقف التمويني العام تشمل الخط البياني لأسعار جميع السلع المتداولة في الأسواق ومدي الوفرة في حجم المعروض منها.
في التشكيل الوزاري الجديد في أبريل 1975 برئاسة اللواء ممدوح سالم، وهو رجل أمن، استحدث الرئيس السادات فكرة المجموعة الاقتصادية ويرأسها الدكتور عبدالمنعم القيسوني، وهو اقتصادي لامع، حاول الرجل إصلاح الاقتصاد باللجوء إلى الاقتراض، ورفض البنك الدولي تقديم أي قرض دون أن تتخلص الدولة من فكرة دعم السلع الأساسية، كما رفضت الدول العربية البترولية أن تقدم أي قرض لمصر دون موافقة البنك الدولي. ولم تجد الوزارة أمامها سوي المغامرة باتخاذ مجموعة من القرارات الاقتصادية يوم 13 يناير 1977.
فلم تترك تلك القرارات سلعة واحدة تدخل في إطار الاحتياجات اليومية للمواطنين دون أن يرتفع سعرها بنسب تراوحت بين 20 و30 في المائة. 
كان أسلوب نشر تلك القرارات مثيرا لاستفزاز الجماهير التي كانت تعاني من ضحالة الدخل وقلة المرتبات، فضلا عن النقص الحاد في تلك السلع الأساسية ومن أهمها السكر والشاي والصابون.
وفي 18 يناير خرجت المظاهرات في أول الأمر من جامعة القاهرة وجامعة عين شمس، ومن مدينة حلوان حيث تتركز نسبة كبيرة من العمال العاملين في المناطق الصناعية بها، وسرعان ما شملت كل أنحاء الجمهورية. 
وقد أخطرت مديرية أمن القاهرة النائب العام بتقرير عبارة عن تسلسل حوادث يومي 18 و19 يناير 1977. 
كان المتظاهرون يرددون بعض الهتافات ومنها:
- بالطول بالعرض هنجيب السادات الأرض.
-  بالطول بالعرض هنجيب ممدوح الأرض 
- يا للي بتحكم باسم الدين انزل من عابدين.
- ناصر يا حرية... ناصر يا حرية.
وقد أجري مدير أمن القاهرة في ذلك الوقت اتصالا تليفونيا بوزير الداخلية اللواء سيد فهمي يخبره فيه بأن القاهرة تحترق وأخبره بأن أعمال الشغب والتخريب تتجاوز قدرات الشرطة. 
وفشل جهاز الشرطة بإمكانياته المتواضعة فى التعامل مع الأحداث.
وكانت تلك هي المرة الأولي منذ قيام ثورة يوليو 1952 التي تخرج فيها جماهير الشعب بكل هذا العنف.
كانت الشوارع الكبرى في القاهرة قد تحولت إلى خراب.
فقد دمر المتظاهرون واجهات المحلات الزجاجية وأتوبيسات النقل العام، مما تعذر نقل المواطنين إلى بيوتهم.
أما شارع الهرم الشهير بالملاهي الليلية في مصر، فقد تم تخريبه ونهب كل الملاهي الليلية وعلب الليل والمسارح الموجودة فيه، كما تم التعدي على رواد تلك الأماكن، والسيارات الخاصة، فضلا عن الاعتداء على ركاب السيارات الملاكي، كما حدث اعتداء على الممتلكات، واقتحام بعض البيوت.
كما اشتعلت النيران في دار أخبار اليوم في الليل. كما تم نهب عدد كبير من المحلات، وكان منظرا مألوفا أن تجد الناس وقد هاجموا أحد المحلات وبدأوا في نقل محتوياته وهم يجرون. 
وبذل رجال الشرطة جهودا مستميتة لمنع المظاهرات. 
وألغيت زيارة كان مقررا أن يقوم بها الرئيس اليوغوسلافي جوزيف بروز تيتو إلى الرئيس السادات في أسوان.
وكانت القطارات القادمة من أنحاء البلاد تنزل ركابها في محطة السكة الحديد في القاهرة، ولم يجد هؤلاء الركاب وسيلة مواصلات تنقلهم إلى الأماكن التي يريدون الذهاب إليها، وتجمع آلاف الركاب في المحطة، على الفور صدرت التعليمات بإحضار سيارات القوات المسلحة لنقل الركاب إلى ضواحي القاهرة.
كان الرئيس السادات وقتها يقضي الشتاء كعادته في مدينة أسوان.
كما بدأت الاتصالات بين اللواء سيد فهمي، وزير الداخلية، واللواء ممدوح سالم، رئيس الوزراء وقيادة القوات المسلحة. 
وفي صباح 19 يناير اتصل نائب رئيس الجمهورية الفريق حسني مبارك بوزير الدفاع الفريق أول محمد عبدالغني الجمسي، وطلب منه نزول القوات المسلحة إلى الشارع لقمع الانتفاضة وفرض النظام، وتأمين مدينة القاهرة ضد عمليات السلب والنهب التي اجتاحت المحلات غير أن وزير الدفاع رفض.. يتبع.