رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وتمضى الأيام والسنين

لا شك مع مجىء عام جديد يحدونا الأمل ويملأ قلوبنا التفاؤل في غد أفضل وعالم مختلف عما رأيناه في العام المنقضي 2022.
وبكل تأكيد من حقنا أن نحلم وأن نرجو، ولنا العبر الكثيرة ممن سبقونا أو سطروا لنا كلمات تستحق ليس فقط أن نقرأها بل أن نعيشها أيضا.. وفي هذ المقال نتحدث في ثلاث نقاط لنرى ونفهم كيف تمضي الأيام والسنين، وذلك ليس فقط بما مضى منها بل ما هو أيضا حاضر ومستقبل:
أولًا: خبرة النبي موسى والسنين، ثانيا: سلطان الله والزمن، ثالثا: نحن والزمان.
ونأتي إلى الشرح التفصيلي لهذه النقاط:
أولا- خبرة النبي موسى والسنين:
"أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً،
وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً،
وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ،
لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ
إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هَكَذَا،
عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ" اعداد [10و 12]. إنها ترنيمة قديمة له تحمل رقم 90 من سلسلة ترانيم متنوعة تحوي أخرى أيضا، ونرى في هذه الترنيمة على الزقل أمرين بصورة مبدئية:
1- يؤكد النبي موسى أن حياة الإنسان قصيرة، فهي في الغالب لا تزيد عن سبعين سنة، وقد تصل إلى ثمانين، ومهما كانت بركات الله للإنسان، ولكن الآلام لا تفارق الإنسان من أتعاب الجسد، والأمراض.
2- إن كان موسى قد عاش أكثر من ثمانين سنة؛ إذ عاش مئة وعشرين عامًا، فما هي إلا هبة من الله يهبها لبعض الناس؛ ليتمموا مقاصد إلهية سامية وعظيمة تقتضي امتداد العمر. 
إن كان موسى النبي قد بدأ خدمته وهو في الثمانين من عمره، وكانت رسالته شاقة، بسبب مشقات الرحلة في البرية وتذمر الشعب عليه، تلك الأمور التي لا يحتملها شاب قوي البنية. كيف يقول الآن: أيام سنيننا.. مع القوة فثمانون سنة"؟ لقد شعر كأن حياته قد انتهت بعد الثمانين لكن الله قدم سنوات خاصة له لأجل القيام بخدمة سامية ومتميزة فهو كليم الله الذي كان يتحدث معه على الدوام ويأخذ التعليمات الواضحة منه.
لكننا نجده يصف أيامه وبالطبع أيامنا كذلك بهذا الوصف الفريد من نوعه: "أيام سنيننا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة، وأفخرها تعب وبلية". فموسى يستعرض عمرا صعبا مليئا بالتجارب والآلام كما نحن أيضا عندما ننظر إلى ماضي حياتنا فنرى فيها ما لا نريده ولو أمكن لحزفناه من سيرتنا وسريرتنا فأقل ما يقال فيه إن: ما توقعناه ربحًا في حياتنا نجده تعبًا وخسارة، هذا عن الماضي، ومع كل التمسك بالأمل والتفاؤل لكن عندما يمضي العمر بنا فإذا بنا نصل إلى الشيخوخة.
وهناك نبي قديم اسمه إرميا؟ قام بلعن يوم مولده بسبب توالي النكبات قائلًا: "ملعون اليوم الذي وُلِدت فيهِ. اليوم الذي ولدتني فيه أمي لا يكن مباركًا" (إر 14:20) 
أيامنا هكذا قليلة للغاية، حتى تبدو كعشبٍ ابن ليلة، سرعان ما يظهر لتضربه الشمس، فيجف وييبس ويُجَّز. 

ثانيا- سلطان الله والزمن:
الله «ملك الدهور الذي لا يَفنَى» كما سطر فيلسوف المسيحية بولس (1تي 1: 17) فكما ذكر النبي موسى: «منذ الأزل إلى الأبد أنت الله» (مز 90: 2). وعند الله الأزلي الأبدي غير المحدود لا يوجد زمن لا ماضٍ ولا مستقبل. فالماضي كله حاضر لا يغيب، والمستقبل كله حاضر الآن كما ذكر كاتب قديما: «وكل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أَمرنا» (عب 4: 13).
الله هو خالق الزمن والمهيمن عليه فهو فوق الزمن كما ذكر موسى النبي في ذات المزمور (الترنيمة السابق الاشارة إليها) «لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عَبَرَ، وكهزيع من الليل» (مز 90: 4) 
ونقرأ في الكتاب المقدس سفر الأعمال «الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه» (أع 1: 7) ويقول أحد تلاميذ السيد المسيح: «إن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيوم واحد» (2بط 3: 8). وهو صانع الأحداث والمُمسك بخيوط الكون كله كما ذكر فيلسوف المسيحية: «ما يُرَى وما لا يُرَى» (كو 1: 16).
مع الخليقة جاء الزمن والأبعاد، ومن هنا ارتبط الزمن والمسافات بالإنسان.
وبداية الزمن عند الإنسان هى ظهور هذا الكون. وأقصى ما سجَّله العلماء من الزمن الماضي هو- في أدق التقديرات- حوالي 17 بليون سنة عندما حدث الانفجار الكبير الذي تولَّدت عنه بلايين المجرَّات من النجوم (أو الشموس) والكواكب التي تدور حولها والأقمار التي تدور حول الكواكب.
ويُقدِّر العلماء عمر كوكب الأرض التي نعيش عليها بحوالي 4.6 بليون سنة، والتي انفصلت أصلاً ككرة نارية عن الشمس، مركز المجموعة الشمسية، واحتاج سطحها عدة ملايين من السنين لكي يبرد ويصير صالحاً للحياة (ولا يزال باطنها ملتهباً، تخرج حممه من فوهات البراكين عند نشاطها والذي يصعب التنبؤ به).
والله خلق النورين العظيمين؛ الشمس والقمر، وكيف أن بهما رتب الله المواقيت، أي الزمن بوجود ليل ونهار بدوران الأرض حول نفسها مرة كل يوم، وفصول السنة بدوران الأرض حول الشمس مرة كل سنة، عندما تبتعد الشمس ونورها، يأتي الليل على الأرض، فالله يسمح بالليل حتى يهدأ الإنسان وينام.

ثالثا- نحن والزمان:

الإِنْسَانُ يَخْرُجُ إِلَى عَمَلِهِ، وَإِلَى شُغْلِهِ إِلَى الْمَسَاءِ.
في النهار، أي في نور الشمس يخرج الإنسان، ويعمل كل أعماله حتى المساء، أي في نهاية اليوم كما قال السيد المسيح محفزا على السير في النور كأسلوب حياة تعرف هدفها وتتحرك باستقامة نحوه "سيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام" (يو12: 35).
والزمن ضبط حياة الإنسان وسائر الأحياء، نباتاً وحيواناً، وحدَّد فترات نشاطها: «صنع القمر للمواقيت، الشمس تعرف مغربها. تجعل ظلمةً فيصير ليلٌ. فيه يدبُّ كل حيوان الوَعْر. الأشبال تُزمجِر لتخطف ولتلتمس من الله طعامها. تُشرق الشمس فتجتمع وفي مآويها تَربِض. الإنسان يخرج إلى عمله وإلى شغله إلى المساء» (مز 104: 19-23).
والأرض بدورانها حول محورها صنعت اليوم بساعاته الأربع والعشرين، ونهاره وليله. ونتج عن ميل محور الأرض عند دورانها حول الشمس الفصول الأربعة، وهو ما ذكر في ترنيمة أخرى لشخص يدعى اساف قائلا: «أنت نصبت كل تخوم الأرض. الصيف والشتاء أنت خلقتهما» (مز 74: 17). وبدوران الأرض حول الشمس كان العام بأيامه الثلاثمائة وخمسة وستين.
الله رافق مسيرة الإنسان بعد أن خلق له الزمن. فهيَّأ له الأرض بمائها وهوائها ونباتها وحيوانها لتكون الموقع المناسب لوجوده. وهو جَبَل الإنسان حُرّاً مُريداً لكي يحيا معه بإرادته، وبدخول الإنسان دائرة الزمن، عرف الماضي والحاضر والمستقبل. وبتتابُع الأحداث وتراكُم الخبرات كان التاريخ الذي ينتسب إلى الزمن.
فهل لنا أن نعيش الزمان بخيره وجماله بلاعبث بما أعطانا الله من عطية غالية، حيث يمكننا قتل الزمن والسير حسب ما نرى بلا رقيب أو حسيب وكأننا نملك الزمن أو الزمان الحاضر مع أننا فقط وكلاء عليه من قبل الله، لذا فالواجب أن نستثمر الزمن أفضل استثمار وأن نستمتع به دون أن نحيد عن النور الأعظم "شخص الله العظيم". 
أخيرا.. 
يا ليتنا ننال قبسا من نور الله سبحانه وتعالى، وأن ننال عطرا من حضوره ونشيد ترنما بسبحه، فما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط، فلنسجل اليوم سيرة حياة مشرقة تبعث الأمل في كل من يراها أو يقرأها، فالله سيد التاريخ بجملته، ولنرى خبرة النبي موسى ونتفحصها بعين الاعتبار بل لتشرق حياتنا وتتجسد فيها بحق روعة الله ونور ميلاد السيد المسيح.