رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المدينة الفاضلة أغلى من 20 جنيهًا

لما يكون فيه نقاش حوالين الدعم المجتمعي لمؤسسة خيرية (مستشفى مثلًا أو مؤسسة طعام وما شابه) وييجي واحد يستخدم تعبير "الشحاتة" لطلب الدعم أو الحث عليه، فـ فيه هنا مشكلة.
يجوز مشكلتك مع هذا الوصف تكون إنه يفتقد لـ اللياقة ويتسم بـ الجليطة (وهو كـ ذلك بـ الفعل في تقديري) إنما مش دي خالص مشكلتي هنا.
هذا التعبير كما أفهمه وهو "الشحاتة" له مدلول شخصي، فضلًا عن كونه سلبي، إنما إحنا هنا مش بـ نتكلم خالص على المستوى دا، ونبدأ الحكاية من أولها:
دلوقتي حضرتك إحنا في دولة، المواطن فيها غالبًا له دخل مادي ما، كثر أو قل، هذا الدخل يستخدمه المواطن في عدد من الاستحقاقات، والاستحقاقات دي أنواع.
النوع الأول والواضح والمباشر: هي إنفاقه المباشر على احتياجاته هو ومن يعولهم، بـ ياكل/ بـ يشرب/ بـ يلبس/ بـ يسكن/ إلخ إلخ، مش محتاج كلام، لكن فيه أنواع تانية زي الضرايب، والضرايب دي إجبارية مش اختيار لـ المواطن يدفعها أو لأ، ليه؟
علشان هو حتمًا وفرضًا بـ يستهلك منافع عامة، على الأقل الطرق والكباري وأسفلت الشارع والإنارة والرصيف وووووو، فـ هو ما ينفعش يقول مثلًا: أنا مش هـ أستخدم المنافع دي، ومش هـ أدفع ضرايب، عمليًا ما ينفعش.
لـ ذلك، هذا النوع (الضرايب) برضه واضح، حتى لو فيه خلاف حوالين مقداره وطرق التصرف فيه، لكن من حيث المبدأ هو ضروري وضروري يكون إجباري.
إنما برضه فيه أنواع تانية، يهمنا منها هنا "الدعم" أو "التبرع" الخيري، النوع دا بـ يلتبس على الناس الأمر بـ شأنه، لـ إنه،بـ طبيعته، ما ينفعش يكون إجباري زي الضرايب، لكن في نفس الوقت ما ينفعش يختفي بـ الكلية.
ليه ما ينفعش يبقى إجباري؟ لـ إنه لازم تكون بره السيطرة المباشرة لـ الدولة، حتى لا يرتبط ويشتبك مع ملفات أخرى، إحنا محتاجين رعاية خاصة بـ الموضوع الفلاني، فـ لازم يبقى له مسار خاص به، طب ليه ما ينفعش تختفي؟
لـ إنها لو اختفت بـ تخلق بؤر قابلة لـ الانفجار، وتعوق حركة المجتمع ومسيرته، أو تحرمه من إمكانيات كبرى (زي الإنفاق على نوع ما من التعليم، أو على فئة معينة من الدارسين والمفكرين وخلافه).
تخيل حضرتك الأمراض الصعبة، اللي تكلفة علاجها عالية وتبعاتها مدمرة، أو النقص الحاد في موارد منطقة ما أو فئة ما، أو الملمات الطارئة زي الكوارث الطبيعية، أو أو أو، تخيل لو كل دا اتساب لـ مصيره! 
الكلام دا المفروض بديهي، من أول ما بدأت الدولة الحديثة، ودا موجود حتى في أغنى الدول والمجتمعات، ومش من النهاردا، من زمااااااان: فيه الهلال الأحمر، والمواساة، ومعونة الشتا وسبيل أم عباس وغيره وغيره، بل إنه جامعة القاهرة ذات نفسها بدأت كدا: تبرع شخصي.
فيه أمور كتير ما ينفعش نحملها لـ الدولة، وما ينفعش نهملها تمامًا، فـ لازم تتساب شخصية، لكن لازم تفضل موجودة.
طاه، عند النقاش حول هذا الأمر (أي نقاش) فـ لا مجال لـ إقحام الشأن الشخصي في الموضوع، الموضوع مش خاص بي أنا كـ مؤمن المحمدي النفر، أو حضرتك كـ حسن أفندي عبدالمعطي، أو حضرتك كـ مدام تهاني المنشليني.
إحنا كـ أفراد، كل واحد حسب حياته وانحيازاته وعقائده ومقدرته، واحد يقول: أنا أصلًا عايز اللي يدعمني، معنديش طاقة لـ دعم أو تبرع، ماشي!
واحد يقول: تبرعي هـ يكون لـ من أعرفهم شخصيًا، ماشي!
واحد يقول: تبرعي لـ مصالح منطقتي، ماشي!
واحد يقول أنا هـ أدعم اهتماماتي الشخصية، ولـ ذلك هـ أتبرع لـ مكافحة العفن البني في البطاطس، أو رعاية القطط السيامي في القطب الجنوبي، واحد يقول، واحد يقول، واحد يقول، كله ماشي!
لكن مهما كان موقفك الشخصي أو ظروفك، دا ما يمنعكش وما يسلبكش الحق في "النقاش"، اللي هو بعيد تمامًا عنك وعني كـ إنسان.
مثلًا موضوع 57357، الأمر هنا ليس دعوة هنا لـ حضرتك شخصيًا إنك تتبرع، أو إنك تمتنع عن التبرع، ما أفهمه، إننا بـ نخوض نقاش مجتمعي حول ضوابط الدعم، وعندنا اتجاهين (كلاهما وجيه بـ المناسبة).
الأول: بـ يشوف إنه دعم مؤسسة ما مرهون بـ إطلاع المواطنين على سبل إدارته، وموافقتهم كمان على هذه السبل، إحنا مش عايزين نتبنى مؤسسة، من غير ما نعرف هي خدت القرار دا ليه، وبـ تعمل كدا إزاي، وبـ تصرف على إيه "تفصيليًا".
الاتجاه التاني (وهو ما أتبناه شخصيًا): بـ يشوف إنه لأ، تشجيع الدعم مرتبط بـ النتايج، أنا لا يعنيني إدارة المؤسسة حققت النتايج دي إزاي، إنما يعنيني بـ تحقق إيه، ودا بـ الطبع طبقًا لـ معايير واضحة عالمية، فـ لما أشوف إنه هذه المؤسسة تقدم خدمات، يصعب جدًا تقديم مثيلها أو قريب منها، بـ نفس مقدار ما يحصلوه من تبرعات، يبقى أنا ماليش فيه.
يجوز جدًا يكون فيه حاجة/ قرار/ تفصيلة، أنا شايفها غلط، أو شايف إنها لو كانت اتوفرت كنا عملنا بيها كيت وكيت وكيت، بس دا لـ إني مش فاهم الموضوع بـ يمشي إزاي.
يجوز جدًا القرار اللي أنا شايفه غلط دا ضروري لـ تحقيق ما ينجز، فـ علشان ما أدخلش نفسي وأدخلك وأدخل المؤسسة في ليلة غميقة من التفاصيل والاحتمالات، بـ أقول لـ نفسي: يعمل ما بداله، بس يحافظ على النتيجة الهايلة اللي بـ يحققها، لـ إني مش هـ اتبرع بـ عشرين جنيه فـ عايز أقيم بيها المدينة الفاضلة.
لأ، المدينة الفاضلة تكلفتها أعلى من كدا شوية. فـ الدعم مرهون بـ النتيجة.
وختامًا، حضرتك تقدر تتبنى أي اتجاه وهـ أشتري منك، لكن تاخدك الحماسة، فـ تبدأ في إهانة الفكرة كلها على بعضها.. وتعتبر إنه طلب دعم المؤسسة دي أو دوكهه هو نوع من "الشحاتة"، فـ دا مش بس عيب، إنما كمان دلالة على ......
ولا بلاش.