رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بيليه.. ماسح الأحذية النحيف الذى كتب تاريخ البرازيل بدموع أبيه

بيليه
بيليه

«البرازيل وطني، إنها كل شيء بالنسبة لي والدولة التي جلبتني إلى هذا العالم، كانت دولة يافعة مغمورة أتذكر جدي وهما يوصلان الحطب كانا يملكان عربة وأحصنة امتطيت الأحصنة كثيرًا عندما كنت في العاشرة من عمري، لم أكن أعلم بوجود دول أخرى، اعتقد أن البرازيل أجمل دولة في العالم، بنينا أنفسنا من العدم ولم نملك من الدنيا إلا القليل، كنا فقراء ولكن قادرين على العمل كنت معروفا بابن دوندينهو، حلمي كان أن أصبح مثل أبي، اعتقدت أنه أفضل لاعب في العالم» بيليه.

غادر عالمنا الأسطورة البرازيلية إديسون أرانتيس دو ناسيمنتو، والشهير بـ«بيليه» عن عمر 82 عامًا وبعد صراع مع المرض أنهى حياته اليوم، ليرحل واحدًا من أهم وألمع من لعبوا كرة القدم، ويعتبره البعض الأبرز عبر التاريخ.

فمن هو بيليه؟ وكيف قادته دموع أبيه لاعتلاء عرش كرة القدم؟ هذا ما سنستعرضه في السطور الآتية.

المكان: مدينة باورو.

الزمان: 16 يوليو 1950.

الحدث: نهائي كأس العالم 1950

البرازيل تتقدم عن طريق فايشا في الدقيقة 74 وتحتاج فقط للتعادل من أجل نيل اللقب العالمي، ثم يسجل سيكافينو التعادل لأوروجواي في الدقيقة 66 ويضيف جيجيا الهدف الثاني بعد 13 دقيقة فقط.

يعود الطفل إديسون إلى منزله المتواضع الذي يسكن فيه مع والده ووالدته و شقيقه زيكا ناسيمنتو، وشقيقته ماريا لوسيا ناسيمنتو، ليرى والده يبكي، لأول مرة بيليه يرى والده يبكي، البرازيل خسرت كأس العالم! لا أحد يضحك الجميع يبكي. 

«كان الجميع صامتًا في الشوارع كانت مأساة حقيقية، لم أعرف ماذا أقول لأبي لأنه كان يبكي، قلت له انصت لا تقلق ولا تحزن، سأفوز بكأس العالم من أجلك» فيلم بيليه - إنتاج منصة نتفليكس.

 سأحقق كأس العالم من أجلك، هكذا أراد إديسون، الطفل الصغير أن يواسي أباه عن الخسارة الكبيرة، التي أفجعت البرازيل بأكملها، تلك البلاد الفقيرة التي كانت تعاني في ذلك الوقت من العنصرية ضد أي شخص لون بشرته ليس أبيضًا، وهو ما كان يقلص من فرص أي من أصحاب البشرة السمراء في النجاح.

لكن هذه لم تكن البداية الحقيقية لقصة بيليه مع كرة القدم، ولمعرفة القصة علينا العودة 10 سنوات قبل نهائي كأس العالم 1950.

المكان: بلدية تريس كاراكوس، جنوب ولاية ميناس جيرايس، البرازيل.

الزمان: 23 أكتوبر 1940.

الحدث: ميلاد طفل جديد لجواو راموس ناسيمنتو، ودونا سيليست.
أطلق جواو راموس اسم إديسون على مولوده، تيمنًا بالأمريكي توماس إديسون مخترع الكهرباء، وذلك بعدما وصل اختراعه إلى بلدتهم للتو.

«سميت إديسون بعد توماس إديسون لأن الكهرباء كانت وصلت للتو إلى بلدتي عندما ولدت» بيليه
 

«دودينهو» والد بيليه كان لاعب كرة قدم مغمور، وكان يكافح من أجل كسب عيشه وإطعام أسرته، لعب لأندية فلومينسي وأتلتيكو مونييرو، ولكنه تعرض لإصابة قوية أبعدته عن الملاعب وقطع بعدها ناديه راتبه ورفض تحمل مصاريف علاجه، لتنتقل المسئولية إلى إديسون الصغير، ليبدأ العمل من أجل عائلته.

« كانت هناك فترة في حياة أبي حين أصيب وتوقف النادي عن دفع أجره اعتقد بيليه أن عليه المساعدة في المنزل لذا اشتغل بوظيفة مسح الأحذية» ماريا لوسيا، شقيقة بيليه.

بجوار عمله كماسح للأحذية، ظل بيليه يداعب كرة القدم في شوارع مدينته، ومع أصدقائه ليعبر عن نفسه مثله مثل أغلب أقرانه، وفي تلك الأحيان كان والده يراقب تطور موهبته وكان أول من آمن بها.

سانتوس ومونديال 1958.. أسمر نحيف قاد البرازيل إلى المونديال

وصل بيليه مع والده إلى نادي سانتوس في 1956، وظهر في اختبارات الناشئين ومن يومه الأول أظهر شخصيته وقدرته في لعب كرة القدم ليصبح واحدًا من أبرز اللاعبين في الفريق ويستدعى لكأس العالم 1958.

«كان عمري 16 سنة ولكني كنت أقول أنني لاعب كرة قدم محترف وبعد وقت قصير استدعيت للمشاركة في كأس العالم 58» بيليه. 
 
اختيار بيليه في قائمة المونديال كان محل الانتقادات من الجميع، خاصة الصحافة التي كانت تراه صغيرًا على اللعب ومازال لا يملك الخبرة الكافية.

ويحكي بيليه عن اختياره لمونديال 1958: «الصحفيين قالوا إني صغير على اللعب ولا أملك الخبرة الكافية لكن أبي قال لي لا تقلق يابني وثق بنفسك، في الملعب جميعكم سيان».

عند وصول المنتخب البرازيلي إلى السويد التف بعض الأطفال حول بيليه، وبدأوا يلمسون وجهه وينظرون إلى أيديهم ليروا ما إذا كان اللون الأسمر سينتقل إليهم أم لا؟  

في مونديال 1958، تصدرت البرازيل المجموعة الرابعة بـ5 نقاط على حساب الاتحاد السوفييتي وانجلترا والنمسا، وكان بيليه بديلًا.

وفي الدور ربع النهائي، التقت البرازيل بويلز وفازت بهدف دون رد سجله الشاب بيليه، ثم تفجرت موهبته في الدور نصف النهائي وسجل 3 أهداف في انتصار البرازيل على فرنسا بخمسة أهداف مقابل هدفين.

وعاد وسجل هدفين في المباراة النهائية لتنتصر البرازيل بـ5 أهداف لهدفين على السويد وتحقق كأس العالم.

«كان حلمًا، أمرًا مذهلًا لم أنم في تلك الليلة، أردت أن أعرف ما أذا كان الناس في البرازيل وأسرتي بالذات سمعوا المباريات على المذياع» بيليه.

قبل المونديال، حتى زملاء بيليه لم يكن لديهم الثقة الكافية في موهبته وقدرته على قيادة المنتخب في البطولة العالمية.

«لم تكن البرازيل أمة تشتهر بكرة القدم آنذاك، ولم نكن مرشحين للفوز بالبطولة، رأيت طفلًأ نحيفًا لم يكن يشعر بالضغط الناجم عن استدعائه لكأس العالم، وكان واثقًا جدًا» زاجالو، أسطورة البرازيل وزميل بيليه.

بيليه كان ظاهرة العالم بأسره في تلك الفترة، فبين عامي 1957 و 1961 سجل 355 هدفًا، وقاد بلاده لتحقيق كأس العالم، وكان يعامل في البرازيل على أنه كنز قومي لا يجب المساس به، ورفضت إدارة سانتوس العديد من المحاولات لرحيله.

وعاد بيليه في مونديال 1962 وكرر فوز منتخب بلاده بالبطولة، وحقق حلم أبيه للمرة الثانية على التوالي، بعدما شارك في مباراتين فقط بدور المجموعات وسجل هدفًا وصنع الآخر.

مونديال 1966.. إصابة لعينة 

قاد بيليه قائمة البرازيل في كأس العالم 1966، وكانت الآمال معقودة عليه بشكل كبير، والأنظار جميعها مسلطة عليه دون غيره لدرجة أن زملائه كانوا يشيرون إليه عندما تتجه إليهم الجماهير ليصرفوهم عنهم، بل إن البعض اعتبره رمزًا لتحرير البرازيل من العنصرية التي سادتها من قبل.

بيليه كان يفكر في تحقيق كأس العالم 1966 واعتزال كرة القدم في سن الـ26، ولكنه شارك في 3 مباريات فقط قبل أن يتعرض لإصابة قوية في مباراة البرتغال بدور المجموعات ويترك على إثرها البطولة.

الجماهير البرازيلية قبل كأس العالم كان لديهم قدر كبير من الثقة في لاعبيهم وفي بيليه، بشكل وصل إلى الغرور، الذي أصاب بيليه نفسه بالضيق، ووضع ضغطًا على اللاعبين.

«كنت أتحدث مع بعض أصدقائي أن المشجعين البرازيليين يعتقدون أننا فزنا بالبطولة بالفعل، حتى أننا تلقينا رايات في الفندق مكتوب عليها أبطال العالم للمرة الثالثة للتوقيع عليها لايعجبني ذلك ويضع ضغطًا علينا، علينا جعل الأمور تسير بالشكل الصحيح في كرة القدم إما تخسر أو تنتصر في الملعب» بيليه.


فازت البرازيل على بلغاريا في المباراة الأولى، ثم تلقت هزيمة قاسية أمام المجر في الجولة الثانية بثلاثة أهداف لهدف، واختتمت مبارياتها بالخسارة أيضًا بنفس النتيجة ليودع بيليه ورفاقه المونديال.

في بطولة ظهرت عليها علامات الخشونة والندية، وكذلك اتسمت أغلب الفرق بالطابع الدفاعي.

العنف ضد بيليه أثار غضب الجميع بل وصل الأمر إلى غضب رئيس الجمهورية نفسه، جواو هافيلانج، والذي قال في جزء من فيلم "بيليه": «أعتقد أن معايير التحكيم يرثى لها، ونتيجة لهاذا التحكيم المؤسف تم إخضاعنا لمستويات جديدة من العنف في كل مباراة».

مونديال 1970.. الرقصة الأخيرة 

بعد إصابته أمام البرتغال، كان بيليه ينوي اعتزال كرة القدم بشكل نهائي، خاصة أنه تعرض لعنف مبالغ في بالبطولة، لدرجة أن قائمة البرازيل كان بها 8 لاعبين مصابين في 3 مباريات فقط.

«لا أنوي المشاركة في كأس اعالم مجددًا لأنني لست محظوظًا هذه ثاني مرة أشارك في البطولة وألعب مباراتين فقط ثم أتعرض للإصابة» 

تصريح بيليه هز كيان البرازيل بأكملها، فكان الجميع لا يريد منه الاعتزال، حتى زملائه في الفريق شعروا بالإحباط بعد تصريحه وكانوا ينتظرون رجوعه عما يدور برأسه.

«لقد زلزل ذلك التصريح الأمة كلها واللاعبين أيضًا، لماذا سيعتزل بيليه اللعب مع المنتخب بينما هو في سن يسمح له لعب كأسي عالم أو 3 أخرى» جاريزينهو.

ووقع بيليه تحت ضغط كبير قبل المشاركة في مونديال 1970 بسبب الانتقادات التي طالته في تلك الفترة، والاعتقاد أنه لم يعد في نفس مستواه السابق.

«كانت وسائل الإعلام تقول أنني فات أواني ولم أعد في مستوى جيد، كنت تحت ضغوطات هائلة كأس العالم تلك كانت مهمة للبلاد، ولكن في تلك اللحظة لم أرد أن أكون بيليه لم يعجبني الأمر لم أرده، دعوت الله، أرجوك ساعدني هذه  آخر كأس عالم أشارك فيها» بيليه.

وبالفعل عاد بيليه للمشاركة مع البرازيل في كأس العالم 1970، وسجل هدفًا وصنع آخر في انتصار البرزايل برباعية على تشيكوسلوفاكيا، ثم صنع هدف الفوز لزميله جاريزينهو على حساب انجلترا، ثم هدفين في انتصار بلاده على رومانيا لتتأهل البرازيل للأدوار الإقصائية.

والتقت البرازيل مع بيرو في الدور ربع النهائي وفازت بأربعة أهداف لهدفين دون مساهمة من بيليه.

ثم صنع هدفًا في الفوز بثلاثة أهداف لهدف على أوروجواي في نصف النهائي.

وسجل هدفًا وصنع إثنين في الانتصار الكبير بأربعة أهداف لهدف في النهائي على حساب إيطاليا، ليحقق المونديال للمرة الثالثة له ولبلاده وينهي مسيرته الدولية بأفضل شكل ممكن.

بيليه على مستوى الأندية حقق لقب الدوري البرازيلي 6 مرات مع سانتوس من 1961، وحتى 1965، ثم في عام 1968، وحقق لقب كأس إنتركونتينتال مرتين، وكوبا ليبارتادوريس مرتين أيضًا.

« لم أؤمن قط بوجود أفضل لاعب في العالم، لكي تكون كذلك عليك أن تكون أفضل لاعب في كل مركز وهذا أمر صعب» هكذا كان بيليه يرى تصنيفات الأفضل في التاريخ، وأفضل اللاعبين في العالم.