رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللؤلؤ بين نوبات الهلع والتسويف

فى قلب المحارة ذات المظهر القشرى غير الجذاب توجد جوهرة رائعة، والمدهش أن اللؤلؤة مصنوعة من نفس مادة المحارة.. كل القواقع والمحار والأصداف وأشواك القنفد وبلح البحر والمرجان، كلها مصنوعة من كربونات الكالسيوم وهذا المركب متوافر فى قشرة الأرض وفى مياه البحار والأنهار، ففى كل عام تمتص المحيطات ما يقرب من ثلث انبعاثات ثانى أكسيد الكربون لدينا، مما يضيف كميات هائلة من الكربونات إلى الماء. والفرق الوحيد بين حبة اللؤلؤة الثمينة والمحار المتواضع هو طريقة ترتيب ذرات الكربونات والكالسيوم فى أشكال من طبقات سداسية.

وينشأ اللؤلؤ من دخول طفيلى دخيل أو حتى جزىء شارد من الرمل فى تهيج الوشاح، فإن الرخويات ستغطى الجانى فى الخلايا المنتجة للصدف لتشكيل ما يعرف باسم كيس اللؤلؤ. تغلف هذه الخلايا التهديد فى طبقات من البروتينات والأراجونيت حتى تمتص الشرنقة فى النهاية الغازى تمامًا- مما يؤدى إلى إذابة التهديد فى كرة براقة من الصدف، فإنتاج اللؤلؤ فى الكائنات الرخوية هو فى الأساس حيلة للدفاع عن نفسها. 

فالكائنات الحية تستخدم حيلًا عديدة للدفاع عن النفس عند تعرضها لما يهدد حياتها، والإنسان أيضًا يلجأ لحيل عديدة للدفاع عن نفسه فى حالات الخطر الحقيقى والمتخيل، فيصاب الإنسان بنوبات من الهلع أو قد يلجأ عقله الباطن إلى تسويف ما يجب عليه القيام به من أعمال حماية للجسم من التهديد بالتوتر والقلق. 

تشير الدراسات إلى أن ثُلث البشر تقريبًا يصابون بنوبة هلع واحدة على الأقل فى حياتهم. وفهم حالات الهلع ومظاهرها ضرورى لأنه الخطوة الأولى لمنع حدوثها، فنوبات الهلع لها من الأعراض ما يجعلها تتشابه مع النوبة القلبية أو السكتة الدماغية، 

تبدأ هذه الاستجابة من اللوزة الدماغية، وهى المنطقة- من الدماغ- المسئولة عن التعامل مع الخوف، فيزداد إفراز الأدرينالين الذى يسبب زيادة فى معدل ضربات القلب والتنفّس بهدف إيصال الدم والأكسجين إلى عضلات الذراعين والساقين. ويؤدى أيضًا إلى إيصال الأكسجين إلى الدماغ، فيصبح أكثر تيقظًا وأسرع استجابة للخطر. فتتسارع ضربات القلب وتحدث صعوبة فى التنفس ودوخةً وخَدَرًا فى اليدين والقدمين.

تبلغ نوبة الهلع ذروتها بعد ١٠ دقائق غالبًا، بعدها يفرز المخ هرمون «الأستيل كولين» والذى يؤدى لتخفيض معدل ضربات القلب ويُخمِد نوبة الهلع شيئًا فشيئًا. وقد لا تحدث نوبات الهلع بسبب وجود خطر حقيقى يهدد الجسم، لكنه تعود فى بعض الحالات إلى اضطرابات القلق والوسواس القهرى. وفهم الإنسان لهذه الحالة يجعله قادرًا على التغلب عليها عند المرور بها أو على الأقل عدم الاستسلام لتوابعها.

تتنوع حيل الإنسان الدفاعية لحماية نفسه وقد لا تكون كلها بوضوح نوبات الهلع، بل قد تمر إحداها دون أن يستطيع الإنسان أن ينتبه إلى أن ما يفعله حيلة دفاعية، كما يحدث عند قيامنا بتسويف وتأجيل تنفيذ الأعمال المطلوبة منا، نلجأ للتسويف كحيلة دفاعية نتيجة محاولة أجسادنا حمايتنا من عمل تراه تهديدًا لنا، فتتجنبه عن طريق فعل واجبات أقل إجهادًا، ونحن عادة ما نسوف المهمات التى تثير المشاعر السلبية، مثل الرهبة والنقص وانعدام الأمن. ولكن ما يحدث مع هذا التسويف أنه يجعل المهام التى نسوفها أكثر صعوبة ويجعلنا نشعر بالإجهاد أكثر أثناء أدائها. وعلى عكس ما يعتقد البعض بأن من يسوفون هم من لا يهتمون أو أنهم كسالى، يسوّف الكثير من الناس لأنهم يهتمون كثيرًا. فيقلل التسويف من قلقهم أو من مستوى التوتر، غالبًا ما يخبر المسوّفون عن خوفهم الشديد من الفشل، يؤجلون الأمور لأنهم يخشون ألا يرقى عملهم إلى معاييرهم العالية.

يحثنا الباحثون على التسامح مع أنفسنا وألا نزيد من المشاعر السيئة على كاهلنا، بل علينا أن نتبع بعض الاستراتيجيات البسيطة مثل: تقسيم المهمة إلى عناصر أصغر، أو كتابة يوميات حول سبب إجهادك، ومعالجة تلك المخاوف الأساسية. حاول إزالة مصادر الإلهاء القريبة التى تجعل من السهل الاندفاع إلى التسويف. 

تختلف آليات الكائنات الحية فى الدفاع عن نفسها، فإذا كان المحار ينتج اللؤلؤ، فإن القلق الإنسانى أنتج العشرات من لآلئ الأدب فى الشعر والقصة.