رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة.. والأسرة المصرية

نظمت العديد من الهيئات والمؤسسات، وكذلك بعض الجامعات العديد من الندوات فى إطار الاحتفال باليوم العالمى لمناهضة العنف ضد المرأة، وذلك من منطلق أن حماية المرأة يعد أساسًا لاستقرار المجتمع ودعم جهود التنمية المجتمعية الشاملة.. وقد أثيرت خلال تلك الندوات التى شارك فيها العديد من الأساتذة المتخصصين فى هذا المجال العديد من المداخلات والمناقشات حول مفهوم العنف وأنواعه وموقف الدولة المصرية منه خاصة فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى.
والواقع أن معظم تلك الندوات لم تخرج على ذات السياق الذى يثار كل عام فى ترسيخ أهمية دور المرأة فى المجتمع، وإنها الأساس فى العديد من منجزات التاريخ المصرى، وبالتالى فإن حمايتها من أى مظهر من مظاهر العنف ضرورة واجبة شرعًا وقانونًا.. إلا أننى أرى أن هذا العام وتلك الظروف الاقتصادية التى تمر بها البلاد يجعل هناك واجبات ضرورية أصبحت ملقاة على عاتق المرأة المصرية أكثر من أى وقت سابق،  وذلك لدورها المؤثر بالفعل على كيان الأسرة المصرية بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة.
نرى يوميًا تلك الافتتاحات والإنجازات التى تحققها الدولة المصرية والتى كان آخرها مدينة المنصورة الجديدة التى تمثل خطوة جديدة من خطوات إنشاء عدة مدن فى المحافظات المختلفة لمواجهة مشاكل الاختناقات السكانية وصعوبة سبل الحياة المعيشية، وذلك فى إطار استراتيجية وضعتها الدولة وتنفذها على الرغم من وجود تلك المتغيرات العالمية فى أسعار البناء والمواد الأساسية المستخدمة فى أعمال التطوير والتشييد.. وعلى الرغم من ذلك وفى الوقت الذى يظهر الاقتصاد المصرى صلابة حقيقية رغم كل الظروف المعاكسة ويحقق معدل نمو يتجاوز 4% هذا العام نرى تلك الزيادة السكانية الرهيبة والغريبة فى نفس الوقت تأتى لتلتهم كل شىء.
لقد أصبحت معدلات الزيادة السكانية فى مصر أكبر وأسرع من معدلات التنمية، حتى أن هناك تعدادًا غريبًا أعلن عنه منذ عدة أيام أننا ازددنا 250 ألف نسمة فى 56 يومًا فقط، وأن مصر أصبحت الأولى عربيًا والثالثة إفريقيًا والرابعة عشر ة عالميًا من حيث عدد السكان.إ
إن الانفجار السكانى فى مصر وصل إلى درجة كبيرة من الخطورة بحيث أصبح كل التزام من الدولة تجاه الشعب يمثل عبئًا مضاعفًا عليها، من المؤكد أنه سوف يترتب عليه يومًا ما عدم القدرة على تلبية احتياجات ورغبات الشعب.. ومن هنا فإننى أرى أن المرأة المصرية بما يتحقق لها حاليا بقدر المستطاع من مكتسبات ومكاسب لم تكن مطروحة لها أصلًا يجب عليها أن تتحمل مسئوليتها تجاه إسرتها أولًا ثم وطنها، وذلك من خلال الاستجابة لحملات التوعية الرامية إلى تحديد النسل والبعد عن الرواسب الثقافية الموروثة والسائدة فى التدين الشعبى السائد وتعاليم بعض رجال الدين خاصة السلفيين الذين يركزون على دور الأقدار فى توجيه سلوك المواطنين والتأكيد على نظريات العزوة والعصبيات فى الأسر والعائلات أو أن كثرتهم سوف تساعدهم على أعمال الزراعة أو المهن التى يمتهنها آباؤهم أيًا ما كانت بساطتها على الرغم من أن التطور التكنولوجى فى العديد من الصناعات قد قضى تمامًا على العديد من المهن اليدوية من خلال إنتاجية أسرع وأفضل.
ومن هنا فإن هناك دراسات تشير إلى أن سوق العمل سوف تستغنى خلال السنوات العشر القادمة على عدة ملايين من العمال، سواء فى مصر أو فى دول العالم الأخرى.
يجب أن تعلم الأم المصرية أن خطورة الزيادة السكانية لم تعد تقتصر فقط على التأثير السلبى فى مستوى المعيشة، بل إن هناك ما هو أخطر من ذلك، وهو التهام تلك الزيادة على مواردنا الطبيعية المحدودة.. ويكفى هنا أن نشير إلى أن حصة مصر من مياه النيل 55٫5مليار متر مكعب منذ عام 1959، ولا شك أن هذا التضاعف غير المحدود فى تعداد السكان سوف يسرع فى وصولنا إلى مرحلة الفقر المائى، وهو ما سبق أن حذر منه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى مرارًا تكرارًا.
هذا بالإضافة إلى العجز الذى سوف تعانى منه مؤسسات الدولة بالكامل، ومنها المؤسسات الصحية والتعليمية، حيث إن ما لدينا الآن لا يمثل سوى50% من احتياجات الأسرة المصرية صحيًا وتعليميًا، فما بالك بالزيادة المتوقعة أن تصل إلى 160 مليون نسمة فى غضون عام 2050.
نحن أمام قضية حياتية يجب عدم الاستهانة بها بل يجب أن نثيرها يوميًا وبكل الوسائل المتاحة، وأن تكون مطروحة للدراسة على موائد البحث والمناقشات والإعلام والأفلام.. كذلك يجب أن نعالج منظومات القيم السائدة المضادة للفكر العلمى والاستنارة الدينية، بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة تجاه المواد التعليمية التى تناهض أفكار التطور والرقى وهو الأمر الذى سوف يصل بنا فى مرحلة ليست بعيدة إلى تفاقم مشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية وأيضًا السياسية.
أعتقد أنه آن الأوان أيضًا لكى يتحرك البرلمان المصرى لدراسة إمكانية وضع ضوابط لحماية الدولة من خطر الزيادة السكانية، وألا نكتفى بندوات النصح والإرشاد التى أصبح تأثيرها محدودًا للغاية، فمازال هناك مواطن يؤمن بحتمية إنجاب الأبناء بكثرة لكى يباهى به من حوله، ثم يطالب الدولة بإطعامهم وتعليمهم وعلاجهم.
نعود مرة أخرى إلى احتفالنا بمناهضة العنف ضد المرأة، ونطالبها فى ذات الوقت بأن تسهم فى النهوض بالمجتمع والمساهمة فى تنميته واستقراره ونهضته من خلال أسرة صغيرة تتمتع بالقيم والمثل العليا والتعليم الإيجابى والصحة البدنية والنفسية السليمة تحت شعار «أسرة صغيرة تساوى حياة أفضل».. وتحيا مصر.