رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طريق جرة

في الصحرا الكبيرة الواسعة، مفيش شوارع، مفيش طرق، مفيش يفط، مفيش حاجة تعرف بيها كوعك من بوعك، فـ لو حاجة ضاعت منك، أو لو إنت شخصيا ضعت، فـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كل سنة وإنت طيب، أشوفك أمس.
بس البني آدم مش بـ يغلب، والناس اللي عايشين في الصحرا ما عندهمش اختيار، لازم يلاقوا طريقة، لازم يبقى عندهم قدرات غير قدرات البشر التانيين، البني آدم، وبني أي حاجة تانية، بـ تتطور خواصه حسب البيئة المحيطة بيه، هي دي قوانين الطبيعة.
من بين سكان الصحرا، كان العدنانيين، من العدنايين كان فيه كنانة، من كنانة كان بني مدلج، دول اللي وصلوا قمة التطور قبل ظهور الإسلام، وبقوا مشهورين بـ معرفة الصحرا أكتر من غيرهم، وبقوا قادرين يقروا الأثر.
قراية الأثر مش بس يعرف اللي مشي مشي منين، إنما كمان يقدروا يعرفوا عدد اللي مشيوا، أوزانهم، أطوالهم، كل مواصفاتهم، فـ شوية شوية بقت الحكاية دي مش بس طبيعة، إنما مهنة، مهنة بـ يسموها القيافة، أو قص الأثر، أو معرفة الجرة.
الجرة إذن يا عزيزي هي حاجة أكبر من مجرد معرفة أثرك، الجرة يعني معرفة مصيرك، النبي محمد بن عبد الله استعان بـ واحد من بني مدلج اسمه مجزز الكناني، علشان يثبت نسبة ابنه بـ التبني، زيد بن حارثة، لـ والده الأصلي، ومن بعدها بقت الاستعانة بـ قصاصين الجرة عمل متبع بـ شكل روتيني.
على جنب: الجرة بـ ضم الجيم، مالهاش علاقة بـ الجرة مفتوحة الجيم، اللي بـ تتقال في مثل كنا فـ جرة وطلعنا لـ بره، بس دي حكاية تانية
اتنقلت قدرات بني مدلج لـ غيرهم، كتير من البدو بقوا شاطرين في قص الأثر، ومعرفة الجرة، فـ لما وصلنا عصرنا الحديث، بقى الاستعانة بـ البدو ثابت عند كافة أجهزة الأمن اللي بـ تشتغل في أماكن ليها علاقة بـ الصحرا، وياما ساعد القصاصين دول في كشف مصاير ما كانش ممكن تتكشف من غيرهم.
نسيب القصاصين، ونروح لـ حشرة من نوع خاص، هي ذبابة، بس مش أي ذبابة، دي ذبابة لونها أزرق، فـ سموها "الدبان الأزرق"، دي تسمية حقيقية مفيهاش أي مجاز.
الدبان الأزرق دا عنده قدرة إنه يكتشف الجثة المقتولة على بعد 3 كيلو متر، متخيل المسافة! 3 كيلو متر، يعني لو فيه جثة في ميدان التحرير، يقدر الدبان الأزرق يعرف دا من الزمالك مثلا.
اللي خلى الدبان الأزرق كدا، هو إن حياته وتكاثره مرهونين بـ الجثث، مش عايز أكتر في الكلام المقرف دا، إنما هي الكائنات كلها كدا، تطورها مرهون بـ بقاءها.
كان طبيعي إن اللي بـ يعرفوا الجرة يتتبعوا الدبان الأزرق، خصوصا في جرايم القتل، لـ إن وجود الذباب دا يعني بـ بساطة وجود بني آدمين هنا، بني آدمين ما بقوش على قيد الحياة، ومن خلال تتبع مسيرات الدبان الأزرق، يقدروا يعرفوا اللي اختفى، اختفى فين.
أظنك دلوقتي عرفت إحنا بـ نتكلم عن إيه؟ بـ نتكلم عن العبارة اللي سمعناها كتير في أفلام زمان، اللي دلوقتي استخدامها بقى أقل، إنما دايما المجرم كان يقول على سبيل التهديد: "هـ أخلي الدبان الأزرق ما يعرفلكش طريق جرة". يعني هـ أخفيك من الوجود، مش هـ يبان لك أي أثر.
يا ماما!