رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إيران والولايات المتحدة في المونديال.. خلافات سياسية وجماعات مسلحة وورود بيضاء

مباراة إيران وأمريكا
مباراة إيران وأمريكا 1998

يلتقي المنتخب الإيراني نظيره الأمريكي، في التاسعة من مساء اليوم، ضمن لقاءات الجولة الثالثة لبطولة كأس العالم، قطر 2022.

وفي مواجهة هى الثالثة بين كلا المنتخبين في تاريخهما، فالاتحاد الأمريكي تأسس قبل 109 أعوام، وانضم للفيفا في العام ذاته أما نظيره الإيراني فتأسس قبل 102 عام، وانضم للاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) بعد 25 عامًا، لم يلتق الفريقين سوى في مرتين فقط.

العلاقات الأمريكية الإيرانية على المستوى السياسي اختلفت من إدارة لأخرى، فأحيانًا كانت العلاقات ودية وأخرى اتسمت بالمشاحنات والتهديدات والخلافات.

فالولايات المتحدة ساهمت بمساعدة انجلترا في تغيير النظام الإيراني 1953، وإعادة محمد رضا بهلوي، لحكم إيران، كما ساعدت في إنشاء جهاز المخابرات السرية" سافاك"، وعلى مدار عقود تمتعت إيران بدعم القوى الغربية حتى قيام الثورة الإسلامية في عام 1979.

وأُجبِر محمد رضا بهلوي، شاه إيران على الفرار من البلاد في مطلع ذلك العام، وبعد أشهر ونجاح الثورة تولى آية الله الخميني سدّة الحكم، والذي أظهر عدائه الصريح للولايات المتحدة بعد موافقة الأخيرة على استضافة شاه إيران "بهلوي" بعد أن غادر البلاد، مما أثار غضب بعض الطلاب الإيرانيين الذين هاجموا مقر السفارة الأمريكية واحتجزوا 52 موظفًا لو طالبوا بإعادة الشاه إلى البلاد، لتقطع أمريكا العلاقات مع طهران في أبريل 1980، واستمر احتجاز الرهائن لـ444 يومًا قبل الإفراج عنهم في يناير 1981.

يمكننا القول إن نجاح الثورة الإسلامية في إيران، والتي رفعت شعار "الموت لأمريكا" كان القشة التي قسمت ظهر البعير في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.

كأس العالم 1998:عندما أنهت 90 دقيقة خلافات 20 عامًا

أوقعت قرعة بطولة كأس العالم 1998 بفرنسا، المنتخبين الإيراني والأمريكي في المجموعة السادسة رفقة منتخبي ألمانيا ويوغوسلافيا.

خسرت إيران أولى مبارياتها ضد يوغوسلافيا بهدف نظيف، وهزمت الولايات المتحدة ضد ألمانيا بهدفين نظيفين.

وتحددت مباراة الفريقين في الجولة الثانية من البطولة.

في تلك الفترة كانت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران مازالت متوترة وتدهورت عقب الثورة الإيرانية وما أعقبها من تغيرات سياسية.

"إنها أم المباريات" هكذا علق آلان روثنبيرج، رئيس الاتحاد الأمريكي لكرة القدم، على مواجهة المنتخبين بعد إجراء القرعة.

«كان هناك تظاهر من بعض الإيرانيين الغاضبين من الحكومة قبل المباراة، عندما دخلنا إلى الملعب للإحماء، رأينا 1000 متظاهر بدأوا في إطلاق صيحات الاستهجان على اللاعبين، وكان من الصعب علينا فهم مايحدث» جلال الطالبي، لاعب منتخب إيران في ذلك الوقت.

قبل المباراة كانت الأجواء مشحونة بين البلدين، فهذه المواجهة كانت أول حدث يجمع البلدين منذ أزمة الرهائن الأمريكيين وانتقلت المشاحنات إلى كرة القدم والملاعب، وأثارت الاستنفار الأمني في فرنسا وكلتا البلدين.

«كان هناك قدر لا يصدق من الأمن حتى بالنسبة لعائلاتنا، الكثير من رجال الشرطة كانوا في ثياب مدنية» ستيف سامبسون، المدير الفني للولايات المتحدة آنذاك.

المباراة أقيمت يوم 21 يونيو 1998، على ستاد جيرلان في مدينة ليون، وفي إجراء لتهدئة الأجواء بين البلدين دخل لاعبو كلا المنتخبين ملعب المباراة وكل منهم يحمل باقة ورود بيضاء كمثال للسلام، والتقط الفريقين صورة جماعية.

«كانت هناك شائعات كثيرة واعتقاد أن المنتخب الأمريكي هدفًا للجماعات المتطرفة، وانتشرت العديد من أفراد الأمن حول معسكر تدريبهم؛ لهذا اتخذ فيفا كل الإجراءات المطلوبة لإقامة المباراة، لأنه كانت هناك شائعات حول جماعة مناهضة للحكومة الإيرانية أرادت استغلال الموقف» مهرداد مسعودي، المسئول الإعلامي لدى فيفا، في مونديال 1980 في حديث لـ«Fifa Tv».

الصورة الجماعية للمنتخبين

الأجواء في ملعب المباراة توترت بعدما تسربت أنباء عن وجود مجموعة من الأشخاص بجوار المشجعين الإيرانيين يدعمون منظمة مجاهدي خلق، وهي جماعة معارضة للنظام الإيراني آنذاك، وكانت على قائمة الإرهاب الأمريكية، وأيضًا كانت على قائمة وزارة الخارجية للجماعات الإرهابية الأجنبية.

«كان لدينا 150 رجل شرطة مسلحين، وهو أمر لم يكن مسبوقًا في مباراة لكأس العالم، قُلت أننا بحاجة إلى هؤلاء الرجالة وإحاطة هذه المجموعة من الجماهير لمنعهم من اقتحام الملعب»، مهرداد مسعودي.

وقبل نهاية الشوط الأول تقدم حميد إستيلي لمنتخب إيران في الدقيقة 40، ثم عاد مهدي مهديفيكيا وأضاف الهدف الثاني في الدقيقة 84، قبل أن يقلص بريان ماكبيرد النتيجة لمنتخب أمريكا في الدقيقة 87.

المنتخب الأمريكي، الذي كان في التصنيف الـ11 عالميًا في ذلك الوقت، قدم واحدة من أسوأ مبارياته تاريخيًا، أمام منتخب إيران، صاحب التصنيف الـ42 في ذلك الوقت.

كلا المنتخبين ودعا البطولة بعد انتهاء دور المجموعات، فاحتل منتخب إيران المركز الثالث بالمجموعة بـ3 نقاط بعد الخسارة من ألمانيا، وجاء منتخب الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الأخير بدون نقاط بعد خسارته الـ3 مباريات.

واستقال سامبسون من منصبه بعد تلك المباراة التي اعتبرت هزيمة مخزية للمنتخب الأمريكي، الذي قدم واحدة من أسوأ مبارياته.

«أتذكر تلك المباراة كما لو كانت الأمس؛ أعتقد أن الإيرانيين جعلوا الأمر كله متعلقًا بالسياسة، مهمة المنتخب هي استخدام كل الفرص المتاحة له لتحفيز فريقه، أعتقد أنني سأفعل ذلك بشكل مختلف لو عاد بي الزمن، كان يمكنني تحفيز الفريق أكثر من وجهة نظر سياسية»، ستيف سامبسون.

المباراة رغم الأجواء المشحونة قبل بدايتها إلا أنها كانت سببًا في تهدئة العلاقات الأمريكية الإيرانية.

«فعلنا في 90 دقيقة ما لم تفعله السياسة في 20 عامًا» جيف أجوس، مدافع المنتخب الأمريكي في تلك المباراة

قناة CNN الأمريكية كشفت أن لاعبي المنتخب الإيراني تلقوا تهديدات قبل مباراة الليلة، بتعرض عائلاتهم للتعذيب والسجن إذا لم يتصرفوا "بشكل صحيح".

خاصة أنه تم استدعاء اللاعبين للقاء أعضاء الحرس الثوري الإيراني في قطر بعد رفضهم غناء النشيد الوطني في مباراة انجلترا بالجولة الأولى.

أشارت القناة إلى أن عائلات اللاعبين ستواجه عنفًا وتعذيبًا في حال استمرار رفضهم غناء النشيد أو احتجاجهم ضد الحكومة الإيرانية.

والآن بعد 24 عامًا من مباراة الفريقين في مونديال 1998، وفي ظل استمرار المشاحنات والخلافات السياسية بين النظامين الأمريكي والإيراني، والتي وصلت إلى الخلاف على المحادثات النووية؛ ومحاولة التوصل لاتفاق على "المشروع النووي الإيراني" وما آلت إليه المحادثات من خلاف صريح بينهما، هل تعيد كرة القدم الكرّة وتنهي الخلاف الأمريكي الإيراني؟