رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رؤية مختلفة حول صلاة مهرجان القاهرة

قبل أيام تداول البعض صورة لعدد محدود جدًا من الأشخاص الذين فرشوا «الحصر» أمام مدخل المسرح الكبير بدار الأوبرا لصلاة الجمعة التى وافقت أيام مهرجان القاهرة السينمائى، وهى الصورة التى لا أعرف لماذا انفعل منها، أو تفاعل معها، مدير مهرجان القاهرة السينمائى الشاب الذى لا أعرفه شخصيًا، لكننى أعرف من متابعتى له ومن أصدقاء مشتركين، أنه شخص لطيف ومجامل، يجيد التعامل مع المواقف الصعبة، يحب عمله ويركز فيه، إلى جانب عمله كمخرج سينمائى موهوب، وكان أجدر به أن يقرأ ما خلف تداول تلك الصورة بكثافة فى لحظات معدودة، والنظر ولو قليلًا إلى عناصرها.

وغالبية الظن أن تداول مثل هذه الصور يتم توظيفها على نطاق واسع لاتهام أى معترض عليها بأنه «عدو الدين» الآثم قلبه، وتقوم بنشرها وإعادة النشر بعض اللجان الإلكترونية التى أصبحت معروفة ومكشوفة للجميع.. وهذا بالضبط هو ما حدث بالفعل، فقد تسابق فى نشرها الكثيرون، بنفس التعليق، ونفس الصيغة تقريبًا، وكان الأولى بالعزيز أمير رمسيس، مدير المهرجان، تجاهل الصورة تمامًا، والتعامل معها كأن لم تكن، خصوصًا أنها من أقل هذه النوعية من الصور ضررًا أو خطورة، فهى على الأقل لا تغلق طريقًا إلى مستشفى، ولا تقف فى طريق قطار، أو ما نعرفه من صور مشابهة ومتداولة وموجودة بالفعل.. وهناك من المبررات ما يجعلنى أقول إن تجاهلها وتجاهل من صورها وتداولها كان أمرًا واجبًا.. فهى أولًا لم تعطل عمله فى المهرجان، فالوقت لم يكن وقت عمل أو نشاط، ما يسمح لمن يريد أن يفعل ما يريد خارج القاعات، وهناك من يقفون للتصوير، أو تبادل الحديث مع الأصدقاء، أو التطفل على من يصادفون من ممثلين وممثلات، وكلها أمور اعتيادية ولا تستحق الالتفات إليها.

والأهم من ذلك أنه من الواضح تمامًا أن تجمع هؤلاء فى هذه المساحة رغم وجود المسجد على بعد أمتار قليلة لم يكن إلا من أجل الصورة وحدها، فقط لا غير، لا لهدف الصلاة، ولا لأى شىء آخر، فالمسجد قريب، وقريب جدًا كمان.. لذا كان تجاهلهم، أو تركهم لما جاءوا من أجله أجدى وأنفع، لكن ما حدث أن البعض من محبى الفن السابع وقعوا فى فخ «الدبة التى قتلت صاحبها»، فكان أن التقط الصورة، وتداولها أولًا المتطرفون من الطرف النقيض من جمهور المهرجان، مع تعليقات لا أظن أننى أبالغ إن قلت إنها أيضًا تعليقات عصبية ومتطرفة، وتضر أكثر مما تنفع، بل إنى أتصور أن محبى السينما الذين تداولوا الصورة تداولوها «عن جهل» بعناصرها ومكوناتها، والهدف من ورائها، فلا مشكلة نهائيًا فى تصورى من اصطفاف بضعة أشخاص فى أى مكان لا يعطل عملًا، ولا يمثل خطورة على أحد، خصوصًا أن عددهم لا يزيد على أصابع اليدين كما لاحظت من الصورة المتداولة. ولعل تداول «المتطرفين» من محبى السينما لها وتعليقاتهم المستهجنة هو ما دفع أمير إلى التفاعل مع الصورة، والتعليق عليها، فكان للجان ما أرادت، وجاءت الصورة بثمرتها التى انتظروها، فبدأت موسم الهجوم عليه، وعلى المهرجان، وعلى «الكل كليلة».

هذه الواقعة ذكرتنى بما كتبته هنا قبل عدة أشهر، تحت عنوان «جمعة غير مقبولة.. يغضب منها الله ورسوله»، وكنت قد اضطرتنى الظروف إلى المرور بشارع العزيز بالله، بمنطقة حلمية الزيتون، ولسوء الحظ تزامن ذلك مع بدايات التجهيز لصلاة الجمعة بالمسجد الذى يقع بالقرب من نهاية الشارع، فكان من نصيبى التوقف وسط حالة من التكدس المرورى غير المتوقع.. دقائق ثقيلة مرت حتى وصلتُ إلى المساحة الموجود بها المسجد، لأجد فى مواجهتى صفًا من البراميل الضخمة المدعومة بكتل خشبية تصل ما بينها لقطع الطريق، وفرش أرضية الشارع بالحصر الخضراء بطول مائتى متر أو يزيد، استعدادًا لاستقبال السادة المصلين، القادمين أملًا فى رحمة الله، وإرضاء رسوله، وقلت يومها إننى أذكر أن ذلك المسجد ملحق بمستشفى، أو العكس، وإن هذا المستشفى يستقبل عشرات المرضى كل ساعة، فأسأل نفسى: «ماذا يفعل هؤلاء المرضى؟ وماذا يفعل ذووهم فى تلك اللحظة؟».

نفس المشهد رأيته بعينى، وتعرضت له قبلها بما يقرب من شهرين فى ذروة انتشار «فيروس كورونا»، واضطررت إلى التوقف لما يقرب من نصف الساعة بالقرب من جامع «الكخيا» فى وسط البلد، حيث افترش المصلون الشارع، وأغلقوا الطريق على كل عابر ساقه حظه للمرور به فى ساعة الصلاة، يومها أخذت أراقب السلامات المتبادلة عقب الصلاة، والبحث عن فرد يرتدى «الكمامة» وسط ذلك الحشد، أو يغسل يديه بعد الانتهاء من السلامات والقبلات، ثم أخذت أفكر بينى وبين نفسى «كم واحد منهم يمكن أن ينتقل إليه الفيروس اللعين من عابرٍ لا يعرف عنه أى شىء، وشدَّ على يديه عقب الصلاة ثم عاد إلى منزله لينقله معه إلى أهله وأفراد أسرته؟».

هنا أجد أنه من المهم أن أشد على يد الأصدقاء من المنشغلين بالعمل العام، فى مهرجان القاهرة السينمائى وغيره، والتأكيد عليهم، مرة واثنتين وعشرة، لا تنشغلوا باللجان الإلكترونية، ولا تلتفتوا إليهم، وليكن لنا عملنا، وإصرارنا على الإنجاز، مهما كانت المعوقات، ومهما كانت محاولات الطرف الآخر، فلن يرضوا عنكم أيًا كانت الأحوال، ولن تتوقف محاولاتهم لإفساد أى فرحة تحتاجها بلادنا فى مثل هذه الأوقات الصعبة، والأهم من ذلك كله، فمثل تلك الحوادث تؤكد لنا أن هؤلاء، أصلًا، لا تشغلهم سلامة أهلهم وذويهم، ولا يبتغون من فعلهم هذا رضا الله ورسوله عنهم، وعن أفعالهم المسيئة لدينه، فهل تظن أنهم سوف ينشغلون برضا أحد غير مموليهم، ومن يجيدون تحريكهم عن بعد؟!