رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محورها التركيز على عمليات التدوير.. الاستدامة خطة لإنقاذ العالم

 التغيرات المناخية
التغيرات المناخية

الاستدامة خطة لإنقاذ العالم.. من تأليف جولين يوجال ولفنت قورناز، كتاب يتناول ظواهر التغيرات المناخية وأسبابها وروشتة علاجية لإنقاذ العالم كمكان صالح للعيش فيه للأجيال القادمة، محورها عمليات "التدوير"، لتفادي نفاد الموارد الطبيعية في البيئة.

 

ويذهب مؤلفا الكتاب إلي أنه لا حدود لاستخدام الموارد الطبيعية؛ لأن الطبيعة تتمتع بخاصية تجديد نفسها بنفسها، لذا فنحن يمكننا أن نأخذ الموارد من الطبيعة، فنستفيد منها وبعد عملية الاستهلاك نتخلص من مخلفاتها وما تبقى منها في الطبيعة مرة أخرى، ثم ستقوم الطبيعة بعد ذلك بالتعامل مع هذه المخلفات نظرًا لقدرتها على تجديد نفسها.

 

ــ التوسع أحادي الثقافة

إنها نعمة أن تكون فردًا في عصر العولمة، فإن أكبر مؤشر على التحضر هو وجود عادات استهلاك متشابهة والعيش بالطريقة ومستوى الرفاهية نفسيهما، لذا فإن ارتداءكم الأحذية والملابس نفسها في أي مكان في العالم، وحصولكم على الوجبات الغذائية السريعة من الماركات الشهيرة في أي مكان، وقدرتكم على القيام بجولات سياحة في أي مكان ترغبونه هو من نعم العولمة، وفي الوقت نفسه فإن التمسك بالمحلية يعني العجز عن التكيف مع هذا النظام، أي التخلف والرجعية.

 

تأثيرات الكيماويات على البيئة والكائنات الحية الأخرى ثانوية ولم تُثبت بعد، لذلك فإنه بفضل الكيمياء فإن العلم والتكنولوجيا يجعلان حياتنا أكثر سهولة في عصرنا الحالي.

 

باختصار، بعد مرحلة تسعينيات القرن العشرين، فإن النظام الاقتصادي الذي تطور في كنف الاستهلاك واصل انتشاره بسرعة مهولة، وكانت مسألة الحفاظ على البيئة التي تُعد عقبة في طريقه موضوعًا هامشيًّا للغاية.

 

ــ ما نتائج تلك الأخطاء وتأثيرها علينا؟
يلفت الكتاب إلي أن التأثيرات السلبية لتهميش موضوع البيئة بهدف تحقيق التنمية الاقتصادية، بدأت في الظهور حتى قبل انتهاء القرن العشرين، وتسببت في حدوث مشكلات سواء على صعيد الأنظمة العالمية أو الحياة الاجتماعية.

 

إن تلك الأساليب هي التي تسببت في المرحلة التي وصلنا إليها اليوم والتي توصف بـ"غير المستدامة"، لذا فإنه من الضروري الآن أن نستوعب خلفية ما حدث حتى نستطيع الانتقال لمرحلة "الاستدامة".

 

إن الاستدامة ترتكز على فهم علم السكان والتركيبة السكانية، مما يؤدي إلى الحفاظ على التوازن الذي يساعد على حدوث تآلف بين الكوكب والكائنات الحية التي تعيش عليه.

 

عدد السكان يستمر في التزايد بسرعة، وبالتالي فإن زيادة نشاط الإنسان على هذا الكوكب بتلك السرعة، يعني زيادة الطلب على المصادر الطبيعية.

 

إن عدد السكان الذي يقارب الـ7,8 مليار نسمة، شهد زيادة بين عامي 2015 حتى 2020 بما يُقدر بنحو 80 إلى 85 مليون نسمة كل عام.

 

وبهذا المعدل فإن عدد السكان سيزيد نحو 2 مليار نسمة عام 2050 ليصل إلى 9,7 مليار نسمة، وسيصبح 11 مليار نسمة تقريبًا في نهاية هذا القرن. 

 

النمو السكاني والنمو الاقتصادي يتسببان في زيادة التأثيرات السلبية للأنشطة الإنسانية على البيئة، ومع زيادة مستوى الدخل والطلب الاستهلاكي تزداد البصمة البيئية بشكل كبير في كل من الأنظمة البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

 

ــ ما هو التأثير؟ وما هي المرحلة التي سنطل إليها إذا استمرت البشرية في طلب المزيد؟ 
وحول هذه الأسئلة يتابع مؤلفا الكتاب: ترتكز رؤية "مركز ستوكهولم للمرونة"، على دراسة الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية بهدف إتاحة الفرصة للقيام بالأنشطة البشرية دون إعاقة النظام البيئي، والمساعدة على تطور البشرية بالتوازن مع الحفاظ على المحيط البيئي وتحقيق الاستدامة.

 

وفي إطار جهود تنفيذ رؤيته يُجري المركز تنفيذ العديد من البحوث والدراسات في مختلف المجالات ذات الصلة، وفي هذا الإطار نشر عام 2015 دراسة بعنوان "تراجيديا عصر البشرية: التسارع العظيم".

 

في هذه الدراسة يتم تحليل التيارات الاجتماعية والاقتصادية خلال الفترة من عام 1750 حتى 2010، من حيث أنظمة كوكب الأرض في دول الـ (OECD) والدول المتقدمة والنامية.

 

تؤكد الدراسة أن كل المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية في زيادة سريعة ونمو بياني واضحين، وهذه المؤشرات تشمل حصيلة الناتج القومي، واحتياج الطاقة، واستخدام المياه، وعدد السدود، والتَمَدْيُن، وزيادة وسائل النقل، والاتصالات السلكية، واستخدام السماد الزراعي، واستخدام الأوراق، والبنية التحتية للاتصالات السلكية، والسياحة الدولية، والنقل والمواصلات.

 

من أكثر الاستنتاجات العلمية الظاهرة في التيار الاجتماعي - الاقتصادي، هي أن النشاط الاقتصادي يتزايد مع تزايد النشاط البشري، وبطبيعة الحال فإن هذه نتيجة منطقية للفكرة التي تم تبنيها وفقًا للنظام العالمي المبني على النمو الاقتصادي والتي ترتكز على أساس أننا يجب أن نستهلك مهما حدث.

 

من جانب آخر، فإنه على الرغم من أن أسرع نمو سكاني بعد خمسينيات القرن العشرين كان في البلدان النامية، فإن الناتج المحلي الإجمالي والقيم المرتكزة على الاستهلاك كانت خاضعة لتأثيرات النمو في دول (OECD)، مما يدل على أن الدول التي تضيف قيمة اقتصادية هي الدول الغنية والمتقدمة وليست الدول التي تشهد نموًّا سكانيًّا كبيرًا.

 

مما سبق يتضح لنا أن النمو لا يشمل الجميع على أساس فردي، أي أنه لا ينعكس على الجميع بشكل متساوٍ (سنتحدث عن هذا الموضوع بمؤشرات أخرى خلال السطور القادمة).

 

أما عن مؤشرات النظام العالمي فهي تستمر في الزيادة منذ الثورة الصناعية حتى يومنا هذا (ما عدا تركيز الميثان في الغلاف الجوي الذي انخفض في آخر عشر سنين، وفقدان الأوزون في طبقة الستراتوسفير بالغلاف الجوي)، ومن اللافت تأثير هذا النظام على زيادة الغازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري (ثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النتروز، والميثان)، وتحمض المحيطات، وتربية الأحياء المائية (مزارع الأسماك)، والصيد البحري، وزيادة النيتروجين الساحلي، وفقدان الغابات والأراضي، ونقص المحيط الحيوي العالمي.

 

بعبارة أخرى، فإن النموذج القائم على النمو الاقتصادي يسبب زيادة تتجاوز المعدلات الاعتيادية، وبهذا الشكل تتعطل الفوائد الكثيرة والمتنوعة للبيئة الطبيعية والأنظمة البيئية الصحية للبشر، وهي ما يُطلق عليه "خدمات النظام البيئي".

 

يقدم الكتاب أدلة واضحة على أن مرحلة ما بعد خمسينيات القرن الماضي شهدت تغيرات تجاوزت فترة "الهولوسين" أي الفترة التي تطورت فيها حالة ونظام الكون بطريقة طبيعية، وأن تلك المرحلة دخلت فترة جديدة تُسمى "الأنثروبوسين" والتي تم خلالها تغيير أنظمة ووظائف الكون بسبب الأنشطة البشرية.

 

ــ التغير المناخي والاحتباس الحراري

ويشدد الكتاب علي: إن الحفاظ على درجة الاحتباس الحراري في حدود 1,5 درجة مئوية خلال القرن الجاري، يُعد إحدى القضايا المهمة في خدمات النظام البيئي، وبصفة عامة هو أحد أهم الموضوعات في عصرنا الحالي، ووفقًا للدراسات العملية فإن الحفاظ على العالم وبقاءه على الوضع الذي نعرفه مرتبط بهذه الدرجة المئوية.

 

في عام 1988، قام برنامج الأمم المتحدة للبيئة بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بتشكيل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، بهدف تقييم خطورة الاحتباس الحراري الناجم عن الأنشطة البشرية وإجراء الدراسات الخاصة بالاحتباس الحراري، بمشاركة علماء من جميع أنحاء العالم.

 

وخلال الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر (COP21) الخاص بالأطراف المشاركة في "اتفاقية باريس الإطارية" بشأن تغيُّر المناخ الموقع عليها عام 2015، تم تكليف هيئة (IPCC) بدراسة سيناريوهات ارتفاع درجة الاحتباس الحراري من 1,5 إلى درجتين مئويتين.

تقرير اللجنة المنشور في أكتوبر 2018 استعرض الأخطار المتوقع حدوثها في حالة وصول درجة الاحتباس الحراري إلى 2 درجة مئوية مقارنة مع 1,5 درجة مئوية.

 

خلص التقرير إلى أن ارتفاع النصف درجة مئوية سيتسبب في اختلافات كبيرة في درجة حرارة البر والمحيطات، ودرجة الحرارة القصوى في الأماكن المكتظة بالسكان، والتبخر العالي، ونقص هطول الأمطار، والفيضانات، وارتفاع مستوى مياه البحر، وانخفاض التنوع البيولوجي والأخطار المتعلقة بالمناخ، ولهذا السبب تم الاتفاق على أن الهدف الأساسي هو البقاء في مستوى 1,5 درجة مئوية.

 

مع الأسف، فإن احتمالية عدم تعرض العالم لارتفاع درجة الحرارة منعدمة، فنتيجة للأنشطة البشرية ارتفعت حرارة العالم حوالي درجة مئوية واحدة منذ بداية الثورة الصناعية، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فستصل درجة الحرارة إلى 1,5 درجة مئوية بين عامي 2030 و2052.

 

الدراسات العلمية، وفي مقدمتها تقرير هيئة (IPCC) الأممية المعنية بالمناخ، تؤكد أنه لا يزال لدينا متسع من الوقت حتى عام 2030 لإبقاء درجة الاحتباس الحراري لعالمنا في نطاق 1,5 درجة مئوية، من خلال العمل بوعي كافٍ واتخاذ الترتيبات اللازمة في النظام البيئي الحالي.

 

لهذا السبب نحن لا نقول تغير المناخ، لأننا نرى منذ سنوات عديدة أن هذا الموضوع يتم تداوله على أنه تغير طبيعي في نظام الكون، وإنما نقول "أزمة المناخ" لأن وقتنا ضاق بشدة ويجب علينا التحرك بسرعة.