رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بروفايل .

«نجيب الريحانى».. كان يتقاضى أجره لبنًا وبيضًا فأضحى رائد المسرح الكوميدى

نجيب الريحانى
نجيب الريحانى

"الضاحك الباكي" هكذا لقبه الجمهور المصري، وفي الحقيقة لم يأت هذا اللقب من فراغ، بل نتج عن أصالة فنية تميز بها هذا العملاق الذي أثرى الحياة الفنية في مصر والوطن العربي بالعديد من الأعمال الخالدة التي تعبر عن الشخصية المصرية تعبيرًا حقيقيًا لا يهدف إلى التسلية أو التغييب، محطات كثيرة وتعاريج كبيرة مر بها الريحاني في حياته مما انعكس على فنه وإبداعه نعرج عليها في السطور التالية.

الميلاد 

في الحادي والعشرين من شهر يناير عام 1889 ولد نجيب إلياس ريحانة في منطقة باب الشعرية لوالد عراقي وأم مصرية، وكان والده يملك مصنعًا للجبس، ويعيش في رغد من العيش، ولما وصل نجيب السن القانونية لدخول المدرسة أدخله والده مدرسة الفرير الفرنسية.

الشيخ بحر
في المرحلة الابتدائية ظهرت مواهب نجيب الريحاني في حب الشعر والإلقاء مما دفع مدرس اللغة العربية الشيخ بحر إلى تبني موهبته وإمداده بالكتب، فكان لهذا الرجل أثر بليغ في حب الريحاني للغة العربية، والمعرفة بالمتنبي وغيره من شعراء العرب الكبار، ليس هذا فحسب بل قدمه أستاذه للتمثيل في الفرقة المدرسية ليقف الريحاني أمام المدرسين والطلاب ليعرض موهبته فصار بفضل الشيخ بحر هو رائد الفرقة المدرسية للتمثيل.

لم يكتف الريحاني بقراءة الشعر العربي بل ترك لرأسه العنان في قراءة أشعار ومؤلفات فيكتور هوجو وغيره من شعراء وأدباء الغرب.

وصية الأب القاسية
عاش الريحاني طفولة سعيدة في حوزة والد ميسور الحال وأم هانئة بأبنائها الثلاثة، لكن هذا النعيم لم يدم كثيرًا، مات الأب قبل أن يتم نجيب مرحلة البكالوريا، وليس موت الأب هو الذي قلب حياة نجيب الريحاني وإخوته رأسًا على عقب، بل الوصية التي تركها والدهم والتي توصي بأن كل ممتلكاته تؤول إلى بنت شقيقته مما يعني حرمان زوجته وأولاده من الميراث بحجة أن أبناءه ذكور ويستطيعون العمل والبحث عن لقمة العيش، مما دفع نجيب الريحاني للعمل بالبكالوريا في البنك الزراعي.

الريحاني والفن 
رغم عمله فى البنك الزراعى لم ينس الريحانى موهبته في التمثيل فكان يضج بالوظيفة الحكومية لكنه وجد بغيته في صديقه الموظف بالبنك الزراعي عزيز عيد الذي كان يهوى التمثيل مما دفعهما للبحث عن عمل في الفرق المسرحية فعملا في فرقة الأوبرا فقدما مشاهد ثانوية لا تذكر ورغم ذلك كانت تستوجب التفرغ فأهمل الريحاني عمله الحكومي فما كان من إدارة البنك إلا أن فصلته عن العمل، ليجد نفسه فى الشارع فينال أقساطًا من التوبيخ من قبل والدته التي كانت تريد أن يصبح ابنها موظفًا كبيرًا ولا تريد له أن يصبح ممثلًا، ذلك لأن المصريين في هذا الوقت كانوا يحتقرون مهنة التمثيل ويلقبون من يمتهنها بالمشخصاتي.

بعد فصل الريحاني وعزيز عيد من البنك بحجة الإهمال والتقصير قام عزيز عيد بتكوين فرقة مسرحية ضم إليها صديقه نجيب الريحاني لكنه كان يسند إليه أدوارًا ثانوية مما دفع الريحاني للانضمام إلى فرقة سليم عطا الله مقابل أربعة جنيهات في الشهر فظن الريحاني أن أموره قد استقرت وأثناء تقديمه لدور الإمبراطور في مسرحية شارلمان، وهتف الجمهور باسم الريحاني والتفوا من حوله بعد العرض مما أثار غيرة سليم عطا الله فقام بفصله، ليعود الريحاني مجددًا إلى توبيخ والدته ليعيش حياة الصعاليك.

مصنع سكر نجع حمادي 
في 1910 أغلقت كل الأبواب في وجه نجيب الريحاني فعاود البحث عن وظيفة حكومية تضمن له حياة مستقرة  فالتحق بالعمل في مصنع سكر نجع حمادي وبعد سبعة أشهر تم فصله بعد فضيحة مدوية  ليعود إلى أمه بخيبة أمل كبيرة نتج عنها أن والدته طردته من البيت فعاش حياة المشردين يقضي نهاره في المقهى وليله على كوبري قصر النيل، في هذه الأثناء عمل مترجمًا لفرقة أحمد الشامي وكان يحصل على راتبه لبنًا وبيضًا وبعد شهور من المعاناة أرسلت شركة السكر خطابًا إلى بيت الريحاني تخبره بامكانية عودته إلى العمل وبالفعل عاد الريحاني ليقضي عامين من العمل الجاد فنال ثقة رؤساءه ووصل راتبه إلى أربعة عشر جنيهًا فرضيت عنه والدته لكن الرياح تأتي أحيانًا بما لا تشتهي السفن.

فرقة جورج أبيض

وفي عام 1912 أثناء إجازته بالقاهرة علم الريحاني من صديقه عزيز عيد أن جورج أبيض أسس فرقة مسرحية فنازعته نفسه للالتحاق بها، موليًا ظهره لنصائح والدته والتحق بالفرقة التي كانت تقدم مسرحية ميلودراما بعنوان صلاح الدين الأيوبي، وكان جورج أبيض يقدم دور ريتشارد قلب الأسد وأسند دور ملك النمسا للريحاني الذي وضع لحية مبعثرة على وجهه ولما ظهر على خشبة المسرح ضحك الجمهور وانتهى العرض بفصل الريحاني ليجد نفسه شريدًا طريدًا للمرة الثالثة.

من الابيه دي روز إلى رينسانس 
 

في 1916 التحق الريحاني بفرقة الابيه دي روز مع صديقه استيفان روستي وكان يقدم شخصيات خيال الظل ثم قدم شخصية كشكش بيه التي كتبها وأخرجها وكان في كل أسبوعين يقدم مسرحية جديدة تحمل عنوان كشكش بيه، وهو عمدة ريفي ساذج، فذاعت شهرة الريحاني وزاد أجره، مما دفعه لتأسيس فرقته الخاصة على مسرح الرينسانس فى بولاق فنال إعجاب الجمهور. 

فرقة علي الكسار 

في هذه الأثناء ظهرت فرقة علي الكسار التي التف الجمهور حولها لتنافس مسرح الريحاني  وكان علي الكسار يقدم شخصية عثمان الرجل النوبي البسيط على غرار كشكش بيه مما جعل الريحاني يخشى هبوط أسهمه فضم إلى فرقته الملحن السكندري الشاب سيد درويش ليضيف ألحانًا وأغاني إلى مسرحياته.

كما ضم إلى فرقته بديع خيري الذي كتب مع الريحاني مسرحياته، وكان بديع خيري مؤلفًا وشاعرًا بارعًا استطاع أن ينقل معاناة الشعب المصري إلى خشبة المسرح كما أن ظهور طه حسين وتوفيق الحكيم كان له أثر كبير في حياة الريحاني الفنية لأنهما وبرغم اطلاعهما على الثقافات الغربية، كان لهما رأي مهم في أن يقدم الفنان المصري مسرحيات مصرية تحكي حال المواطن المصري والعربي دون التركيز المطلق على المسرحيات الأجنبية المعربة. 

مر الريحاني بمعضلات كثيرة في الثلاثينيات بعد ظهور يوسف وهبي الذي درس الإخراج والتمثيل في إيطاليا وقدم الميلودراما على خشبة المسرح فالتف الجمهور من حوله، مما دفع الريحاني لتقديم عروضه بمشاركة زوجته بديعة مصابني في البرازيل.

السينما 
قدم الريحاني للسينما عشرة أفلام، وقال الريحاني إنه لا يحب السينما لكنه اضطر لدخولها لأنها غول ابتلع المسرح، ورغم أن الريحاني لم يقدم سوى هذا العدد القليل في السينما إلا أنه نجح في نقش اسمه بحروف من نور في عالم الشاشة الصغيرة وما زال الجمهور يذكر له سلامة في خير ولعبة الست وغزل البنات الذي رحل في الثامن من يونيو عام 1949 عن عمر 60 عامًا بمرض التيفود قبل أن يتم تصويره.