رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جنازة الديب الحارة.. وعرس الذئب الحي


بسنت حسن
عندما قتل أبو العلا عبد ربه، شهيد الصحافة والفكر والكلمة، شهيدنا وشهيد الوطن فرج فودة،  وتدخل من تدخل وتحدث عن (الافتئات على السلطة) وأن القاتل قتل (من يستحق أن يُقتل) ولكن القتل كان لابد وأن يكون مقننًا (أي بحكم المحكمة) لا بيد القاتل الذي أفتأت على سلطة القضاء وكان يجب أن يُحكم على فرج فودة بالقتل لأنه مرتد ومارق ويمس ثوابت الدين وصحيحه والمعلوم من الدين بالضرورة.
وبسبب ذلك الافتئات، وهو حقاً افتئاتاً - ليس من عبد ربه على السلطة -  بل ممن تدخلوا لصالح القاتل انذاك فخفف عليه الحكم ولم يُعدم من قتل شهيدنا وكانت عقوبته السجن.
وتمر الأيام ويحكم مصر في غفلة من الزمن جماعة من الارهابيين والقتلة اشتهرت اعلاميًا ودوليًا بجماعة (الإخوان المسلمين) الذين هم ليسوا اخوانًا بل عصابة وحركة انفصالية مسلحة تحكمها مصالح ورغبة في إحكام النفوذ والسيطرة والحكم مهما نفوا أو أنكروا ذلك، أما إسلامهم فهو شأن الإله ولن نكفر من يكفرنا فتلك شيمهم هم لا شيمنا.
وعندما أعتلى مندوب تلك الجماعة منصب رئاسة الجمهورية لمدة لم تزد عن العام منح قاتل (فرج فودة) عفوًا رئاسيًا فخرج القاتل ليقتل من جديد.
فقد انضم عبد ربه فور خروجه من السجن معفيًا عنه لتنظيم داعش، انضم لصفوفها في سوريا وقتل الأنفس من جديد حتى قُتل، فمصير القاتل هو القتل حتمًا ولو بعد حين ولنا في القصاص حياة، فالكأس دوار وتلك هي سنة الحياة وسيرورتها والأيام التي يداولها الله بين الناس.
فماذا نتعلم إذًا من قصة ودرس (عبدربه) القاتل؟
خلاصة تلك القصة شيئين غاية في الأهمية
أولهما، أن من يقتل مرةً يستطيع أن يقتل مرارًا، يموت شيء ما بداخل القاتل تجعله فعليًا ميتًا وإن ظل على قيد الحياة حتى يفقد حياته كما أزهق روح وحياة غيره
القاتل لا يتوقف عن القتل ما استطاع للقتل سبيلًا، من يقتل أول مرة يكون الأمر صعبًا عليه، فإن استطاع التغلب على تلك الصعوبة ومارس القتل بالفعل يصبح بعد ذلك الأمر عليه يسيرًا ويصبح قاتل محترف، قد احترف وأتقن جريمة القتل وصار متفوقًا فيها ومحترفًا لها ولا يتوقف عن القتل بعد أن ألفه وأدمنه واحترفه وأتقنه.
وعليكم الرجوع لأهل التخصص في ذلك الأمر من أجل فهمٍ وادراك أكبر لنفسية القاتل وما يتغير فيه بعد أن يمارس فعل القتل، لذلك كان حكم الإعدام  للقتلة في بلدنا وبلاد الغير ليس فقط للقصاص رغم ان القصاص حق، بل لأن القاتل يصير- وفي غالب الأحيان - كائن ميئوس في براءته من داء القتل.
فالقتل جريمة وداء إن مس الإنسان لن يستطيع الشفاء أو الفكاك أو التخلص من لعنته وبالتالي فإبقاء القاتل حيًا يعني احتمالية أكبر ومنحه مساحة أكبر لتكرار ذات الفعل وارتكاب نفس الجرم ولا يوجد ما هو أشد جرمًا من ازهاق الأرواح بشكل مجاني أو حتى لغرض ما في نفس القاتل يجعله قادرًا على ارتكاب ذلك الجرم مرارًا
وقصة عبد ربه، تحيلنا اليوم لقصة قاتل شهيدتنا (نيرة أشرف) الذي ينادي أصحاب القلوب الرحيمة وأصحاب المآرب وأنصار شيطنة الضحية وانتهاك شرفها والخوض في عرضها وهي بين يدي الله لعملها في مجال الموديلينج! فالجمال نقمة على الفتيات في بلادنا ودومًا ما تعاني كل بهيةٍ من الغبن البين، فنيرة بالنسبة لهؤلاء الظالمين آثمة وجريمتها هي الجمال والطموح للحلى والنجاح وحب الحياة.
وهؤلاء الأنصار على اختلاف نواياهم ومشاربهم يناصرون عن قصد أو عن غير قصد القاتل في جرمه وبالتالي يصبحون شركاء له في جريمته بشكل واع ومباشر أو حتى بشكل غير واع وغير مباشر.
أما من ينادوا بجمع دية لأهل نيرة، فهل سألتم نيرة إن كانت تقبل بمقايضة روحها وحياتها بالمال؟
هل كانت نيرة على استعداد للتضحية بعمرها وشبابها من أجل مال يذهب لأهلها؟
هل روح الإنسان - والروح من علم رب الناس وواهب الحياة والأرواح - لها ثمن ويمكن تثمينها ويمكن بيعها وشرائها أو تعويضها؟ وإن حدث كل ذلك ولم يعدم القاتل ولم يتحقق القصاص هل تضمنون عدم خروجه في يوم من الأيام بعفو ما أو لحسن السير والسلوك أو للعفو الصحي أو لأي سبب من الأسباب؟
فمن يستطيع اليوم فك حبل المشنقة من حول عنق القاتل وجمع ٥ ملايين لفدائه، بل وعرض سوري يعيش في تركيا ١٠ ملايين، فمن يعملون بالخارج يعملون ليجنوا ويربحوا المال.. فإذا كان لذلك السوري المغترب كل ذلك المال في تركيا فلماذا اغترب؟ وأليس فقراء بلاده ولاجئي سوريا أحق بالعشرة ملايين من القاتل المصري؟ أم أن القاتل المصري فطر قلب سوري في تركيا حبًا؟ وأخرين في اليونان؟ هل من يريد فداء القاتل يريد أن يقول لنا أن القاتل من أهله وعشيرته؟ ومن هؤلاء؟ من أنتم يا أهل وعشيرة القاتل في تركيا واليونان؟ أم أنكم تريدون طمأنة الشباب السلفي والأصولي في مصر وتحرضوهم على قتل فتيات مصر الجميلات من غير المحجبات؟ فمن سيقتل فتاة في مصر سنفديه بالملايين، المال لدينا وفير والدية حل وحلال، والجميلات غير المحجبات يستحقن القتل.. فالجميلة التي ترفض أن تصبح (قفة) وترفض الحجاب سيقتلها شاب أصولي وسنفديه بالملايين وسنشتري أرواح الفتيات وروح نيرة لصالح القاتل والقتلة، من لديه هذا المال الوفير يا سادة يستطيع إخراج القاتل بعد شهور أو سنين تحت أي عذر أو ذريعة أو تكئة.. ليقتل من جديد وليطمئن القاتل فيمارس القتل ولن يطاله مكروه فالمال متوفر والدية هي أحل الحلال.
وبالتالي سيعيش بل ويعيش بالفعل بيننا الآن قتلة يسيرون في الطرقات ويأكلون أكلنا ويحتسون ماء نيلنا، ولا ضامن أو رادع لهؤلاء أن تعطشوا مرارًا لدماء  فتيات جدد، فقاتل نيرة قد تغذى على دمها وأساله على قارعة الطريق وعلى رؤوس الأشهاد واستطاع فعل ذلك بمنتهى السهولة والسرعة واليسر والأريحية والفجر وسدد لها الطعنات ولم يتوقف أو يكتفي بذلك فنحرها كما تذبح الخراف والبهائم وكما تذبح داعش شهدائنا وبعد جريمة نيرة رأينا بأعيننا سلسال من الدم لم يتوقف ومارس القتلة جرائمهم ضد فتيات البلاد.
فكم نيرة تريدون؟ خصوصًا وبعد أن صار لنيرة أخوات قتلن أيضًا وبدم بارد، كم شهيدة تريدون لها القتل؟ وكم روح تقبلون بإزهاقها؟ ألم تكتفون بمن قتلن مؤخرًا؟ ومن رماها جيرانها من الدور السادس؟ ومن أجبرت على ابتلاع حبوب الغلة؟ راجعوا الصحف والأخبار لتروا بأنفسكم كم الدماء والأرواح التي ازهقت من النساء في بلادنا ووادينا الطيب.
وكأن عصابة ريا وسكينة، قد عادت لتصفية وتعقب النساء في بلادنا ولكن على هيئة وأيادي ذكور سلفية أصولية مكبوتة، وكم من هؤلاء وللأسف في مجتمعنا المكبوت.
وبعد كل هذا الغبن وتلك الظلمة الحالكة أطل علينا (ديب) قبض روحه رب العباد وكان يحسب ألن يقدر عليه أحد، فأخذه العزيز الجبار أخذ عزيز مقتدر وسار في جنازة ذلك (الديب) (ذئب) آخر من نفس الفصيل، يريد العودة للأضواء مستغلاً جنازة صديقه المدافع دومًا عن اللصوص والقتلة والجواسيس، فتحولت الجنازة لعرس ابن العمدة الذي يظن أن بلادنا تكية أو وسية وأنه ينتمي للأسرة الحاكمة.
يموت هلباوي العصر فيطفح على سطح جنازته الموتور المشتاق ويسير في شوارعنا التي لم تكن أبدًا ممهدة أو تصلح للسير أو المسير طوال ثلاثين عام مضت، ويحتضن ويقبل أناس لم يفكر في لقائهم من قبل ولم يسير في شوارعنا من قبل ليرى هؤلاء الفقراء ممن سرق قوتهم وحاضرهم ومستقبلهم وكان يأنف من روائحهم الكريهة ويعافهم ولم يفكر يومًا في الالتقاء بهم أو دعوتهم لمؤتمراته بوصفهم هامش أو بعبارة أدق مجرد هاموش يطير في سماء لا يعرفها هو.
فقط كان يدعوا لمؤتمراته شباب الإخوان وأثريائهم ليقولوا له (اسمع منا ولا تسمع عنا) وكان يوجه الخطاب إلى السيد (حسين) كي يرد على سائليه هو بلزوجة لم نرى لها مثيل.. أين ذهبت اللزوجة وأين راح التعالي ولماذا الآن يقبل ويحتضن المشتاق هؤلاء المساكين؟
وصدق قول الفاجومي المعجون حقًا بطين هذه البلاد وشعبها عندما قالت أبيات إحدى قصائده الشهيرة 
- قل أعوذ مد بوزه
- الجبان ابن الجبانة 
- كل غدانا
- قام لقانا شعب طيب كل عشانا
وشعبنا الطيب بعد سنوات من الأزمات والخبرات والتراكم لن تنطلي عليه أساليب الذئاب ولن يسمح للذئب بأكل الخراف ولن ينسوا للديب دفاعه عن اللصوص والجواسيس ومن ذبح بنت النيل.. لن ينطلي عليهم كل ذلك ولن تنطلي عليهم الأحضان والقبل والدم الكذب فقط سيتذكرون الدماء الطاهرة التي بلا ذنب أريقت وقتلت.