رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شريف صالح: لا يشغلني الوسط الثقافي وحسابات ثعالب الحقل (حوار)

الكاتب المبدع شريف
الكاتب المبدع شريف صالح

للمبدع شريف صالح رحلة طويلة بدأت منذ ما يزيد عن العقود الثلاثة في السرد والكتب مناطحاً سرمدية الغربة لتصبح أكثر غرابة وتغريب فتتحول لأفكار تأملية ولكتابات دافقة تأبى الخمول وتناطح وهج الإبداع بالتجلي الجميل لتسفر عن أكثر من خمسة عشر عملاً إبداعي ما بين القصة والرواية والنقد والكتابة للأطفال، دكتور شريف صالح الحاصل على ليسانس دار العلوم في العام 1994 وعلى درجة الدكتوراة في فن المسرح والشاهد على الكثير من نبضات رموزه مثال دكتورة نهاد صليحة، دكتور شريف والمولود بمدينة دمياط وهو المزغرد بالفن والكاره للنوستالجيا.

«الدستور» التقت شريف صالح وكان هذا الحوار..

شريف صالح مع الكاتب الكويتي فهد إسماعيل

 

بعد ثلاثة عقود من الإبداع الروائي والقصصي والمسرحي، كيف ترى جدوى الكتابة؟

ـ هناك أشياء كثيرة تبدو لا جدوى منها. ما جدوى ما درسناه طالما لم يفدنا في عمل؟ ما جدوى تشجيع لاعبي الكرة من وراء الشاشة وهم لا يسمعوننا؟

الفيصل في كل ما نمارسه لاستهلاك الزمن.. هل يذهب بنا إلى العبودية أم الحرية؟ الكتابة فعل حرية لا يخضع لسؤال دراسات الجدوى. متعة مثل متعة نفخ بالونة وإطلاقها في الهواء.

لوحظ في الفترة الأخيرة ومن خلال تصريحاتك أن بداخلك مساحات غضب وسخط تجاه الحالة أو الوسط الثقافي.. ما السبب؟

ـ أنا أغضب للجمال دائمًا. ليس في الآونة الأخيرة فقط. لا يشغلني الوسط الثقافي أساسًا بمعنى التربيطات والشلل والجوائز وحسابات ثعالب الحقل. حتى لو علقت على ذلك عرضًا. غضبي الحقيقي عندما أشعر أن الجمال مهدد. جمال الخضرة واللون والموسيقى والكلمة والأرواح الطيبة.

صورة ل غلاف المجموعة القصصية دفتر النائم

تكتب الرواية والقصة والمسرح وكذلك لك الكثير من الرؤى النقدية، فكيف وأين تجد ملاذك؟

ـ لا أعرف. كل ما ذكرته يا صديقي.. يندرج تحت "فعل كتابة". أنا في حالة كتابة سواء ما ينشر في كتب أو مقالات او "بوستات".. الحالة تخلق مسارها وشكلها في نهاية الأمر. لا أخطط أن يكون النص قصة أو رواية. لا أملك هذه الإرادة. ملاذي في فعل الكتابة نفسه والنتيجة على الله.

عن معان السلوى والنشوة وخلاص الكاتب، هل ينتهي طموح الكاتب مع الانتهاء من كتابة نصه أم أن هناك معان أخرى للخلاص يراها شريف صالح؟

ـ طالما نشر النص ولم يعد لي سلطة تغييره تنتهي علاقتي به. نادرًا ما أعود إلى كتاب نشرته. الكتابة مثل وعد بالفهم والحب والحرية والمتعة. كأنها وهم ـ ولو مؤقت ـ بالخلاص. لكن قناعتي أن الخلاص الحقيقي يكمن في الحب.. الحب بكل الظلال الممكنة لمعناه.

قدمت أكثر من عمل مسرحي بدولة الكويت فكيف كانت ردود الأفعال، وكيف ومتى كان كل هذا العشق لعالم المسرح؟

صورة للمختارات القصصية شعر غجري ل شريف صالح

ـ المسرح شكل ورؤية للعالم. أتذكر أنني في الثانوية قدمت اقتراحًا كي نقوم في المدرسة بتقديم مسرحية فرعونية عن "الفلاح الفصيح" وبدأت أكتب وانتقيت الزميلات والزملاء وأجرينا بروفات. وتلقينا وعدًا بأن يعرض العمل أمام المحافظ أحمد جويلي، لكن سرعان ما توقف المشروع لأنه لم يكن معنا شخص ناضج يدربنا ويخرج العمل. أذكر أيضًا أنني كتبت مسودة قصة قصيرة ونسيتها وحين عدت إليها بعد سنوات وجدتها أخذت شكل مونودراما اسمها "رقصة الديك" فازت بجائزة الشارقة للإبداع، بعدها تشجعت وكتبت أكثر من "مونودراما" لكن لم أنشرها. وكما ذكرت عرض لي في الكويت ثلاث مسرحيات وكان لها صدى طيب جدًا وفازت بجوائز.

لا أعرف هل لدي عشق للمسرح أم لا أعود إليه وأبتعد ولا أعتبر نفسي مسرحيًا محترفًا.

بعد قرابة عشرين عاما إقامة في دولة الكويت ما موقفك من المسارات السردية والمسرحية هناك؟ وماهي رؤيتك لماهية الثقافة المصرية في عيون وذائقة المتلقي الكويتي؟

غلاف رواية حارس الفيسبوك للملدع شريف صالح

ـ سؤال صعب الإحاطة به ويتطلب دراسات نقدية. بالتأكيد الكويت تميزت منذ الخمسينيات بنخبة ثقافية مبدعة ومؤثرة نذكر منها أسماء مثل الشاعر علي السبتي والروائي إسماعيل فهد إسماعيل، والروائية ليلى العثمان وصولًا لأجيال شابة مثل استبرق أحمد وباسمة العنزي وسعود السنعوسي وخالد النصر الله وميس العثمان وهدى الشوا وعائشة عدنان.. وفي المسرح هناك أسماء كثيرة من صقر الرشود وعبد العزيز السريع إلى خالد عبد اللطيف رمضان.. طبعا أكتفي بأمثلة تمر في بالي عفو الخاطر.. 

وبالتأكيد التواصل والتلاقح مع الإبداع المصري حاضر وعفوي سواء على مستوى الأشخاص أو عبر المؤسسات الحكومية والأهلية مثل المجلس الوطني للثقافة ومؤسسة البابطين الثقافية والسفارة المصرية ومؤسسة لوياك. 

وعن نفسي كنت محظوظًا جدًا بصداقة معظم هؤلاء الكتاب وآخر جائزة حصلت عليها كانت وصولي للقائمة القصيرة لجائزة الملتقى للقصة العربية والتي يشرف عليها الروائي طالب الرفاعي وتقدمها الكويت لكل كتاب القصة القصيرة في العالم العربي.

عن تلك اللحظة الوجودية الفاصلة ويحياها العالم من حروب وأوبئة ونسف لمفاهيم الحرية والهوية والعدل، كيف ترى مستقبل الفن ومسارات الكتابة؟

ـ لن ينقرض الفن بالتأكيد.. لأنه احتياج جمالي ضد القبح.. ضد الحروب والأوبئة والموت والفقد. يتغير وينتكس ويتراجع تحت عنف الاستهلاك لكنه يستعيد حضوره ويجدد صيغه دائمًا.

صورة ل غلاف أحد أعمال الكاتب الروائي والقاص والمسرحي شريف صالح

عرفت نهاد صليحة رائدة من القمم النقدية والجمالية في تاريخ المسرح المصري.. فليتك تحدثنا عن العلاقة بها وماذا كانت تمثل لك؟

ـ نهاد كانت أمي الروحية.. وامتدت علاقتي بها منذ التحاقي بالمعهد العالي للنقد الفني وحتى حصولي على الماجستير والدكتوراه. كانت الأم والمعلمة والسند والقدوة.. خلخلت وعيي ودفعتني لطرح الأسئلة والبعد عن اليقين وغيرت نظرتي للأستاذ الجامعي. حتى على المستوى الإنساني كان لها أفضال كثيرة على طيلة عشرين عامًا.

كيف ترى الحراك المسرحي كنص ورؤى جمالية سواء مصرياً أو عربيًا؟

ـ طيلة وجودي في الكويت تابعت تجارب عدة ومحترمة لمخرجين مثل سليمان البسام في المسرح التراجيدي ومحمد الحملي في الكوميدي.. وهناك فرقة الجيل الواعي التي أسسها المخرج حسين المسلم والفنان عصام الكاظمي وكذلك تجارب الفرق الأهلية العريقة هناك التي قدمت أسماء شابة ومبدعة مثل خالد أمين وفيصل العميري وأحلام حسن. ولا ننسى الحضور الراسخ للمعهد العالي للفنون المسرحية هناك ومسرح الشباب وأكاديمية لابا. لكن المأزق أن المسرح تراجع جدًا في ظل سطوة السوشيال ميديا، ووجود بدائل أخرى للترفيه والمعرفة.. أما المسرح المصري وبسبب ابتعادي لسنوات طويلة فليس لدي معرفة كافية تؤهلني لأي تقييم.

عن مفاهيم الجيل والمجايلة، لأي الأجيال ينتمي شريف صالح وهل انت مؤمن بهذه المقولات؟

صورة للكاتب شريف صالح أثناء تكريمه

ـ من منظور العمر وبدايات النشر أنتمي إلى جيل التسعينيات لكن أظن أنه مفهوم مطاط ولا يعني أي شيء. فكرة الجيل لا تنطلق من السن بل الرؤية الجمالية والفلسفية المتقاربة. وظني أن جيلي (بتقارب الميلاد) قدم تجارب جيدة لكنها غير مؤسسة على مرجعية مشتركة. والمجايلة المزعومة لا وجود لها. كانت لدينا جماعات انطلقت من أرضية مشتركة مثل أبولو، هذه يمكن تحليل القواسم بين أعضائها.. أما الكلام بالمطلق عن جيل الستينيات أو التسعينيات فلا معنى له.

رحلة طويلة بدأت منذ التسعينيات تعددت فيها الثمار والنتاجات الفنية والكتابية، كيف نرى حصاد الرحلة وهل أنت راض؟

ـ مفهوم الرضا مراوغ.. فكما تعلم لا يمكن لمبدع أن يرضى أبدًا.. إنه دائمًا يتوق للنص الذي لم يكتبه بعد. على صعيد آخر أظنني كنت محظوظًا بالجوائز والإصدارات والاهتمام النقدي إلى حد ما، وهذا يشكل مصدر رضا بالتأكيد.

عن الجوائز المصرية والعربية وآلياتها الملغزة.. حدثنا عن رؤيتك في المنح والحجب؟

ـ كنت محظوظًا بنيل جوائز وحكمت في بعضها. لكل جائزة توجهات مضمرة عدا عن الشروط المعلنة.. وكثيرًا لا نعثر على حيثيات حكم ولا دفاع المحكمين لتبريز عمل.. في المجمل نجاح أي جائزة في بقاء العمل مقروئًا ومرغوبًا لكن للأسف أعمال كثيرة نالت جوائز ثم ذهبت إلى النسيان. وهو ما يختزل الجوائز غالبًا باعتبارها "يانصيب" يذهب لأصحاب الحظ.

الكاتي شريف صالح متحدثا بأحد الندوات

كيف ترى أشكال الكتابة والسرود العربية والمصرية ما بعد الربيع العربي؟

ـ بالتأكيد تترك الأحداث الكبرى أثرها على الإبداع. لا يمكن مثلا دراسة الروايات السورية في السنوات الماضية بمعزل عما جرى هناك. لا أعنى أن دور الروائي هو التاريخ ولا التوثيق.. ربما هو يحاول الفهم أو وضع مرآة مختلفة تبصرنا بحقيقة ما رأيناه وعانينا منه. عن نفسي مررت انطباعاتي عما جرى في روايتي "حارس الفيسبوك" وفي أكثر من مجموعة.. لكن لم أهتم برصد شامل وتخصيص نص يعبر عنه. لأنني أولًا لم أشارك في يناير ـ لا من بعيد ولا قريب ـ وكنت ممن تفرجوا عليها في "التلفزيون". ولأن الكتابة عن ظاهرة معينة قد تتطلب زمنًا طويلًا كي ندرك حقيقة ما جرى.

ماذا عن النقد التنظيري وتغطيات الصحف والمواقع لنصوصك متعددة الطرح؟

ـ النقد مظلوم. لأنه تقريبا عمل بلا أجر، ومعاناة بلا مقابل.. وفي ظل ثقافة تتوجس من النقد وتحاربه قدر الإمكان. أعتقد أن تجربتي حظيت باهتمام من نقاد وأساتذة أكن لهم كل الاحترام. وليس من عادتي أن أنشغل بأن يُكتب عني. حتى لو أرسلت كتابي محبة لناقد لا ألومه ولا أطارده، فهو حر في النقد مثلما أنا حر في الكتابة. كذلك لا يزعجني لو جاءت القراءة للنص سلبية. فربما تفتح لي أفقًا لما هو أفضل. النقد تعبير ديمقراطي. تعبير اختلاف، يستحق الاحترام، حتى لو كان صمتًا.

صورة لشريف صالح مع الكاتب الكبير الروائي إبراهيم عبد المجيد

في معترك ورؤى التغريب والغرابة ومن قبلهما الغربة، ماهو إحساس شريف صالح الآني قيما يخص علاقته بالأسفار والتنقل وفي اي السكك سترسو قافلتك؟

ـ مهما سافرت واغتربت تظل مصر في قلبي. أفكر في سفر طويل مجددًا.. مع ذلك أومن بمقولة البابا شنودة إن مصر ليست وطنا نسكن فيه بل وطن يسكننا. لذلك شعوري بالغربة والاغتراب ليس فظيعا. أما "التغريب" وهو مصطلح ملتبس فقد يعني غير المألوف أو الميل إلى الغرب بوصفه معيار الأشياء الصحيحة. ليس لدي عقدة الغرب ولا أشغل بالي بتقييمه أو ترجمته لي. وظني أن كل هذه المصطلحات: التغريب، والغرابة، والغربة.. تذوب بالمحبة.

أخيرا، كيف ترى جدوى وحصاد النوستالجيا/ الحنين_ وماذا بقى من مدينة الميلاد والنشأة _ دمياط؟

بورتريه للكاتب الروائي والمسرحي شريف صالح

ـ دمياط المدينة الأم، رغم أنني ابن قرية تتقاطع خطوطها ما بين دمياط والمنصورة والبحر المتوسط. لم تنقطع صلتي بدمياط ولا قريتي ولا البحر المتوسط ولا النيل ولا المنصورة.. يعبر "الحنين" عن انقطاع. بينما أنا أعيش روحي في اتصالها وامتدادها. أمشي في شوارع طفولتي.. أمشي في طفولتي ذاتها.. مثلما أمشي أحيانا الآن في شوارع الكويت، رغم أنني غادرتها جسديًا. لذلك، بمعنى ما، لا يوجد حنين أو شعور بانقطاع. هي رحلة إلى مجهول وعلينا أن نخوضها بشجاعة ونبل ما استطعنا إلى ذلك

 

صورة ل غلاف المجموعة القصصية بيضة على الشاطيء لشريف صالح