رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«عرين الأُسود».. «الدستور» تكشف أسرار أخطر «مجموعات المواجهة» فى الضفة الغربية

جريدة الدستور

ارتبط ارتفاع التوتر فى الضفة الغربية بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال الأسابيع الأخيرة باسم «عرين الأسود» باعتبارها المجموعة المسئولة عن أغلب عمليات إطلاق النار فى منطقة نابلس، ما زاد من الاهتمام العام بها، خاصة مع ظهور تأثيرها مؤخرًا أثناء التضامن مع سكان مخيم شعفاط للاجئين، الذى تعرض للإغلاق خلال الأسابيع الماضية، على يد القوات الإسرائيلية، ردًا على مقتل إحدى المجندات الإسرائيليات شمالى القدس.

ومع بحث الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إمكانية تنفيذ عملية عسكرية موسعة ضد المجموعة، ازداد اهتمام الشباب الفلسطينى بـ«عرين الأسود»، بعد تحولها -المجموعة - إلى نموذج ملهم، الأمر الذى يستدعى البحث فى نشأتها وطبيعتها التنظيمية، وتوجهاتها الفكرية، بالإضافة إلى النظر إلى مستقبلها المتوقع فى ضوء تاريخ المجموعات الفلسطينية الشبيهة التى ظهرت على مدار العقود الماضية.

الناشطون من عائلات فتحاوية والتنفيذ ببصمة من «حماس»

فى منطقتى نابلس وجنين، شمال الضفة الغربية، تنشط مجموعة «عرين الأسود»، التى تتكون بشكل أساسى من شباب فلسطينى فى العشرينات من العمر، ويحمل اسمها مفتاحًا لفهمها، إذ يعبر اسم «عرين الأسود» عن فلسفة هذه المجموعة من الشباب، التى تعتمد مبدأ العلانية فى التحركات والعمليات وتتعمد الظهور مثل الأسود فى الغابة.

وتتبنى المجموعة خطًا عريضًا للعمل يرفض التخفى وإدارة العمليات السرية، بل يتعمد بث التسجيلات والوجود فى أطراف نابلس، رغم التحذيرات والنصائح التى ترى ضرورة اختبائهم فى قلب المدينة القديمة.

وجاء اسم «عرين الأسود» بعد مزحة من الشاب محمد العزيزى، أحد أبناء مدينة نابلس، قبل مقتله فى يوليو الماضى، على يد القوات الإسرائيلية، وتبناها شباب المجموعة بعد ذلك، معلنين عن أن دخول القوات الإسرائيلية إلى مناطقهم، خاصة منطقة «قبر يوسف»، سيواجه بإطلاق النار، وذلك برفع شعار «اللى بيدخل القبر بنقبره».

وكان الظهور الأول للمجموعة فى مناسبات وطنية، مثل حفلات استقبال الأسرى المحرّرين من السجون الإسرائيلية وزفافهم، ومواكب جنازات الشهداء وغيرها، وبعدها بدأت المجموعة تدريجيًا فى القيام بمواجهات مع القوات الإسرائيلية، ازدادت عددًا وحدة مع الوقت، خاصة بعدما بدأ الجيش الإسرائيلى يستهدف عناصرها بشكل خاص.

لاحقًا، أعلن أفراد المجموعة عن أن أسلحتهم يجب أن تصوب ضد القوات الإسرائيلية فقط، وأنهم لن يطلقوا النار فى الهواء بعد ذلك فى مواكب استقبال الأسرى والمناسبات المختلفة، ثم ظهروا فى موكب استقبال أسير محرر، وهم يحملون أسلحتهم ويربطون فوهتها بقطعة قماش حمراء.

ورغم إعلان «عرين الأسود» عن أنها لا تنتمى إلى أى طرف سياسى معروف، لا إلى «فتح» ولا إلى «حماس»، إلا أن هناك من يربطها بالأخيرة، بسبب علاقتها بـ«مصعب أشتيه»، عضو حركة «حماس»، الذى تم اعتقاله مؤخرًا.

ويقول المراقبون إن البيانات التى تصدر عن المجموعة يمكن فيها تمييز بصمة «حماس»، كما أن مصدر تمويلها هو مصعب أشتيه، وإن كان الناشطون فى المجموعة يأتون تحديدًا من عائلات تتماهى مع حركة «فتح».

وتستخدم «عرين الأسود» أسلوبها الخاص فى العمليات ضد القوات الإسرائيلية، مع تعمد توثيق هذه العمليات بالفيديو، ومن بينها عملية إطلاق النار على مستوطنة «هار براخا»، الأمر الذى زاد من شهرتهم، خاصة مع اهتمامهم بوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، الأمر الذى قوبل بحماس من الشباب الفلسطينى، وزاد من الرغبة فى محاكاة أعمالهم.

كما تعمد المجموعة إلى كسب تعاطف الجمهور الفلسطينى، عبر استغلال المناسبات المختلفة، ففى المولد النبوى خرجت عناصر «عرين الأسود» إلى الشوارع لتوزيع الحلويات على المارة، مع إظهار خلفيتهم الشعبية، ما يجعلهم مختلفين عن التنظيمات التى تفضل التحرك كأشباح، ما جعل كثيرين حتى من الذين لا يفكرون فى الانضمام إليهم يكنون لهم تقديرًا واحترامًا ويعربون عن التضامن معهم.

نموذج مُلهم لتمردها على الفصائل وغياب الفكر والتنظيم يهدد مستقبلها

سياسيًا، تحاول مجموعة «عرين الأسود» استغلال ملل الجمهور الفلسطينى لملء الفراغ السياسى فى المناطق التى تحكم السلطة الفلسطينية والسيطرة عليها فى الضفة الغربية، مع كسب تعاطف الفلسطينيين بشكل عام، حتى من لا يتفقون معهم، وتظهر إشارات كثيرة على اتساع التأييد للكتيبة فى أماكن مختلفة، وإن كانت لا توجد مؤشرات على تمددها تنظيميًا أو ظهور مقاتلين تابعين لها خارج نابلس.

وتحظى المجموعة بتأييد معنوى وتضامن كبير من الشباب الفلسطينى، تعاطفًا مع فكرة التمرد، خاصة بين الشباب المتحمس، الذين ينظرون بغضب إلى الفصائل المختلفة ويريدون تنفيذ عمليات دون الانتساب لأى منها، كما أن كون أغلب أعضاء المجموعة من شباب يمثل مصدر إلهام لكثيرين فى نفس أعمارهم، خاصة بعد رفضهم عروضًا من السلطة الفلسطينية لتسليم أسلحتهم والانخراط فى الأجهزة الأمنية، ونفيهم تقارير تحدثت عن أن بعضهم سلم نفسه للسلطة، وتأكيدهم أنها مجرد شائعات مغرضة.

وتعد «عرين الأسود» امتدادًا لظاهرة العمل الفردى شبه المنظم فى مجموعات، والتى بدأت تنتشر فى السنوات الأخيرة بين المجموعات الشبابية الفلسطينية، مع ظهور العديد من النماذج الملهمة والرموز لنشطاء من هذا النوع، على غرار أحمد جرار فى جنين، ورعد حازم وعاصم البرغوثى فى رام الله، وعدد آخر من النشطاء فى نابلس.

ويتحرك النشطاء من هذا النوع على قاعدة العمل الوطنى دون تأطير حزبى واضح، ويعبر عن شريحة واسعة من الجيل الشاب، الذى يرفض الوضع السياسى القائم، ويبحث عن رفض الاحتلال الإسرائيلى بطريقته.

وعن مستقبل المجموعة، يرى كثيرون أن المسألة مسألة وقت فقط قبل أن تظهر مجموعات أخرى تحاول محاكاة طريقة عمل «عرين الأسود»، استنادًا إلى التاريخ، الذى بيّن أن الظهور الأول للجماعات والكتائب يكون مدويًا، ثم يبدأ خفوته لاحقًا مع ظهور جماعة أخرى، أو مع تفكيكها بسبب الخلافات الداخلية.

وفى الماضى، ظهرت جماعة «الفهد الأسود»، التى كانت تعمل فى الضفة الغربية أثناء الانتفاضة الأولى، وكان أعضاؤها مسئولين عن عشرات العمليات ضد إسرائيل مع قتل فلسطينيين يشتبه فى تعاونهم معها، وبدأت الجماعة فى حينه من «جنين»، ثم اكتسبت شعبية كبيرة وانتشرت إلى أماكن أخرى بالضفة، إلى أن تفككت لاحقًا.

ويؤكد هؤلاء أن «عرين الأسود» لن يكتب لها البقاء لفترة طويلة إذا لم تتمكن من تشكيل قيادة مع خطة واضحة وجدول أعمال ورسم أيديولوجية وأهداف محددة، مع حقيقة أنها تضم عناصر مدعومين من تنظيمات فلسطينية مختلفة، من بينها «فتح» و«حماس» و«الجهاد»، أو ينتمون إليها، بينما لا ينتمى آخرون لأى تنظيم.

ويشيرون إلى أن الكتيبة إذا استمرت بالعمل بهذا الشكل ودون هوية واضحة وأهداف محددة، فسترتفع احتمالات الخلاف والنزاع بين النشطاء، خاصة بين أولئك الذين يأتون من «فتح» والذين يؤيدون «حماس» أو «الجهاد»، لأن كل اتجاه له تفكير ونمط عمل مختلف عن الآخر.