رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حماية التعليم.. تلاميذ ومدرسين

ليس هناك أصعب من انكسار الزهرة فى الحقل الذى كان ينبغى أن تورق فيه، لكن هذا ما حدث مع الطفلة «بسملة» ذات الأعوام التسعة التى أدى بها ضرب مدرس إلى الموت فى المدرسة، حيث كان ينبغى أن تبدأ الآمال الكبرى لا أن تنتهى. 

أخطأت «بسملة»، تلميذة الصف الرابع الابتدائى، فى كتابة كلمة بالشكل الصحيح على سبورة الفصل، فنهض إليها مدرس اللغة العربية وانهال على رأسها ضربًا بالعصا أفضى إلى غيبوبة ونزيف حاد فى المخ ثم الوفاة يوم الأحد ٩ أكتوبر الجارى. أخطأت طفلة التاسعة فى كلمة، فقابل المدرس خطأ التعلم بخطأ إنسانى وأخلاقى وتربوى ومهنى.

وبعدها كفت الأصابع الصغيرة عن الإمساك بالطباشير الأبيض إلى الأبد. لم يغفر لها المدرس غلطة طفولة، مع أنه حتى عميد الأدب العربى طه حسين فى ذروة عطائه لم يكن منيعًا على الأخطاء اللغوية، وكانت بينه وبين الكاتب عبدالرحمن الشرقاوى سلسلة مقالات متبادلة حول صحة إحدى الكلمات.

وانتهى الجدال باعتذار من طه حسين واعتراف بأنه أخطأ! ولا أدعى أن المدرسة على أيامنا كانت جنة، لكن لم يحدث قط على مدى سنواتى المدرسية أن سمعت أو رأيت معلمًا يعتدى على تلميذ بهذه الدرجة، وكانت أشد حالات العقاب بالضرب تتم على راحة اليد المفتوحة وبشكل رمزى هين.. فارقت «بسملة» الحياة قبل أن تبدأها.

وقد سبق تلك الحادثة وفاة الطفلة «منة تامر» ذات الأعوام الثمانية بمدرسة فى ميت عقبة، وفى حينها أشارت تحريات أمن الجيزة إلى أن مدرس الفصل كان يلاحق التلميذة، وأنها خلال هروبها منه سقطت من الطابق الثالث فلاقت حتفها.

وإذا كان المعلمون يضربون التلاميذ، فمن الإنصاف أن نقول إن التلاميذ بدورهم يضربون المعلمين!! ونحن نسمع من وقت لآخر عن حوادث من هذا النوع!! ففى شهر أكتوبر الجارى اقتحم أحد الطلاب مدرسة أبوصوير الثانوية بالإسماعيلية وبصحبته رجل يحمل عصا غليظة وآخر معه سلاح أبيض.

وقام الثلاثة بضرب مدرس فتسببوا فى إصابته بكدمات وجروح أسفل ركبته اليسرى! ووصل الأمر حد أن مدرسة ٢٤ أكتوبر الإعدادية للغات فى الإسماعيلية حذرت طلابها فى منشور رسمى من جلب المطاوى والسكاكين والمفكات الحديدية إلى المدرسة!

أما عن الطفلة «بسملة»، فقد أصدر محافظ الدقهلية قرارًا بوقف المدرس عن العمل، كما أمرت النيابة بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، وأفادت وزارة التعليم، فى بيان لها، بأنها لن تقبل أى تجاوز من قِبل المعلم الذى يجب أن يكون بمثابة قدوة للطلاب. والحق أن بيانًا كهذا لم يعد كافيًا، لأن المطلوب أن تصدر الوزارة بيانًا قاطعًا واضحًا يجرم الضرب فى المدارس ويضع عقوبة الفصل على الفور جزاء ذلك، كما ينبغى التشدد مع الطلاب الذين يعتدون على المدرسين بأى شكل كان. إننا فى أمس الحاجة إلى حماية التعليم.. التلاميذ والمدرسين.. لأن التعليم قضية أمن قومى، وقد يحتاج التعليم إلى تعديل المناهج لتصبح أسهل وأكثر فائدة، ولكن إلى أن نقوم بذلك فيجب على الأقل أن نوقف الضرب، وأن نجرمه بقانون، سواء أكان ضرب التلاميذ المعلمين، أو ضرب المعلمين التلاميذ الصغار. هناك أيضًا المدارس التى تتساقط أسوارها لغياب الصيانة مما أفضى إلى موت التلاميذ، كما حدث أول أيام العام الدراسى مع انهيار سور خرسانى بمدرسة المعتمدية أدى إلى مصرع الطفلة ملك محمد. نحن بحاجة إلى حماية التعليم بكل جوانبه: المعانى والمبانى، الجدران والإنسان. هذا طموحنا.