رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

درع السماء

 

تحت هذا العنوان، أنتجت إدارة الشئون المعنوية لقواتنا المسلحة فيلمًا وثائقيًا، فى ٣٠ يونيو ٢٠١٧، تناولت فيه بطولات «قوات الدفاع الجوى». وتحت هذا العنوان، أيضًا، Sky Shield، وقعت ١٥ دولة أوروبية، أعضاء فى حلف شمال الأطلسى، الناتو، أمس الأول الخميس، على إعلان نوايا، لإقامة منظومة تسد ثغرات مظلة الحماية الجوية الحالية. 

مشروع إنشاء «درع السماء»، طرحه المستشار الألمانى أولاف شولتس، أواخر أغسطس الماضى، حين أعلن عن اعتزامه إنشاء نظام دفاعى جوى جديد مع جيرانه، وأكد أن إنشاء نظام مشترك سيكون مكسبًا أمنيًا لأوروبا بأكملها و«يحميها من تهديدات الجو والفضاء»، وقال إن دور المشروع هو تعزيز أنظمة المدفعية والدفاع الجوى الأوكرانية. والغريب، هو أن ألمانيا، التى ليست لديها، فى الوقت الراهن، منظومة صواريخ تكفى لتغطية سمائها، قامت، الثلاثاء الماضى، بإرسال أول نظام من بين أربعة أنظمة «إيريس- تى»، IRIS-T، إلى أوكرانيا، وتعتزم، طبقًا لتصريحات وزيرة دفاعها، إرسال الأنظمة الثلاثة الباقية خلال العام المقبل!

قائمة الدول، التى استجابت للمبادرة، وقامت بالتوقيع على إعلان نوايا «درع السماء» الأوروبى، ضمت ألمانيا، بريطانيا، سلوفاكيا، النرويج، لاتفيا، المجر، بلغاريا، بلجيكا، التشيك، فنلندا، ليتوانيا، هولندا، رومانيا، وسلوفينيا. ومن المفترض، أو المأمول، أو المرتقب، أن تدمج هذه الدرع منظومات صواريخ مختلفة قادرة على التصدى للطائرات الحربية والصواريخ متوسطة وطويلة المدى والطائرات بدون طيار. 

يدعو للفخر، إذن، أن يحدث ذلك، بعد أشهر من احتفال قوات الدفاع الجوى، «درع سماء» مصر، بالذكرى الثانية والخمسين لبناء «حائط الصواريخ»، الذى لم يكن مجرد تجميع جديد مبتكر للصواريخ والمدفعية المضادة للطائرات، بل كان نقطة تحول فى تاريخ الدفاع الجوى، وأسهم بدور كبير فى تحييد، أو شلّ، القوات الجوية الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر، ما سهّل عبور قواتنا إلى الضفة الشرقية لقناة السويس.

فى أول فبراير ١٩٦٨، صدر القرار الجمهورى رقم ١٩٩ بإنشاء قوات الدفاع الجوى، لتكون هى القوة الرابعة فى قواتنا المسلحة. وتحت ضغط هجمات العدو الجوية المتواصلة بأحدث الطائرات الأمريكية، قمنا فى ٣٠ يونيو ١٩٧٠ بإنشاء «حائط الصواريخ»، الذى جعل المعاهد الاستراتيجية العالمية، تطلق على الأسبوع التالى، الأسبوع الأول من يوليو ١٩٧٠، اسم «أسبوع تساقط الفانتوم»، بعد أن تمكنت قوات دفاعنا الجوى، من إسقاط عدة طائرات أمريكية «إسرائيلية» من هذا الطراز، الذى لم يكن قد سقط من قبل، ما أجبر الإسرائيليين على قبول مبادرة «روجرز»، لوقف إطلاق النار، اعتبارًا من صباح ٨ أغسطس ١٩٧٠، بينما بدأ رجال دفاعنا الجوى فى الإعداد والتجهيز لحرب التحرير واستعادة الأرض.

دخل «حائط الصواريخ» التاريخ، مرة أخرى، حين أفشل المحاولة الأمريكية الثانية، لاستخدام الطائرات بدون طيار، بعد نجاح التجربة جزئيًا فى حرب فيتنام. وأدى إلى تأجّل تسجيل أو تأريخ أول مشاركة حقيقية وفعّالة لهذه الطائرات، إلى يونيو ١٩٨٢ حين استخدمتها الولايات المتحدة، عبر وكلائها الإسرائيليين، فى معركة «سهل البقاع»، التى انتهت بتدمير معظم بطاريات الدفاع الجوى السورى.

.. وتبقى الإشارة إلى أن سماءنا تحميها، أيضًا، قواتنا الجوية، التى احتفلنا، أمس، بعيدها، وبالذكرى التاسعة والأربعين لمعركة المنصورة، إحدى أهم الملاحم البطولية لرجالها، وأطول معركة جوية عرفها التاريخ العسكرى الحديث، وهو الاحتفال الذى تزامن مع العيد التسعين لتأسيس سلاح الجو المصري. صحيح أن ٩٤ سنة ستمر، فى ٣٠ نوفمبر المقبل، على قرار أصدره الملك فؤاد، سنة ١٩٢٨، بإنشاء «القوات الجوية للجيش المصرى»، غير أن الميلاد الحقيقى لسلاح الجو المصرى، بدأ حين قام الطيارون المصريون، فى ٢٣ مايو ١٩٣٢، بقيادة أول ٥ طائرات من طراز «تايجرموث»، لمدة ٧ أيام، ولمسافة ٣٠٠٠ ميل من المملكة المتحدة حتى وصلوا إلى مطار ألماظة. وبغض النظر عن الفارق بين تاريخ التأسيس والميلاد الحقيقى، فما يعنينا، الآن، هو أن القوات الجوية المصرية شهدت تطورًا غير مسبوق، وباتت قادرة على ردع ومواجهة كل التحديات والتهديدات الحالية والناشئة.