رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما السبب وراء التأثير المحدود للضربات الصاروخية الروسية على أوكرانيا؟

ضربات جوية
ضربات جوية

أسفرت أعنف ضربات جوية تشنها روسيا على أوكرانيا منذ انطلاق الحرب عن مقتل 19 شخصًا على الأقل ودفعت آلاف الأوكرانيين إلى العودة لالتماس الحماية في الملاجئ وقطع التيار الكهربائي عن المئات من البلدات والقرى.

وندد الغرب بالضربات نظرا لكونها تعمدت إصابة أهداف مدنية، إلا أن الصقور في موسكو أشادوا بها واعتبروها نقطة تحول تظهر عزم روسيا على المضي فيما تسميه "عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا.

إلا أن محللين عسكريين غربيين يرون أن تكلفة الضربات كانت باهظة، إذ استنفدت مخزونات روسيا المتضائلة بالفعل من الصواريخ بعيدة المدى دون أن تصيب أي أهداف عسكرية رئيسية، كما أنه من المستبعد أن تغير مسار الحرب التي تمضي بشكل سيء بالنسبة لموسكو.

وكتب لورنس فريدمان الأستاذ الفخري لدراسات الحرب في كينجز كولدج لندن "تفتقر روسيا إلى الصواريخ اللازمة لشن هجمات من هذا القبيل بصورة متكررة، فمخزونها يتراجع بينما أعلن الأوكرانيون تحقيق نسبة نجاح عالية في اعتراض الكثير من تلك التي جرى إطلاقها بالفعل".

وأضاف "ومن ثم فهذا ليس جزءا من استراتيجية جديدة للانتصار في الحرب وإنما نوبة غضب من شخص يعاني اضطرابات نفسية".


كيف يتم تصوير الهجمات في روسيا؟

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الضربات هي رد على ما وصفها بالهجمات الإرهابية التي شنتها أوكرانيا، بما في ذلك تفجير أسفر يوم الأحد عن تدمير جسر يربط بين روسيا وشبه جزيرة القرم.

وشيدت روسيا الجسر بعد ضم شبه الجزيرة عام 2014.

ويطالب الصقور في روسيا بوتين منذ أسابيع بتصعيد الصراع، وأشاد كثيرون منهم بالهجمات التي شنتها روسيا يوم الإثنين الماضي.

وبعدما دعا مؤخرا إلى إقالة قادة عسكريين، قال رمضان قاديروف زعيم منطقة الشيشان الروسية والحليف الوثيق لبوتين إنه يدعم الاستراتيجية الجديدة بنسبة 100%.


هل روسيا قادرة على المواصلة بنفس الوتيرة؟
 

تقول أوكرانيا إن روسيا أطلقت 83 صاروخ كروز يوم الإثنين الماضي و28 صاروخًا أمس الثلاثاء، وإنها أسقطت ما لا يقل عن 43 صاروخًا منها يوم الإثنين و20 في اليوم اللاحق. 

فيما قالت موسكو يوم الإثنين الماضي إنها أطلقت أكثر من 70 صاروخا وإنها أصابت جميع أهدافها.

وأقر الجانبان بأن الهجوم كان واسع النطاق، ولم يسبق له مثيل منذ موجة الضربات الجوية الروسية في الليلة الأولى للحرب في فبراير.

وتقدر تكلفة صاروخ كروز الواحد من طراز كاليبر بأكثر من 6.5 مليون دولار، الأمر الذي يعني أن موسكو أطلقت صواريخ تقدر قيمتها بنصف مليار دولار يوم الإثنين وحده.

ولا يوجد لدى المحللين العسكريين الغربيين بيانات مؤكدة بشأن عدد الصواريخ التي لا تزال بحوزة روسيا، لكنهم يتحدثون منذ شهور عن أن المؤشرات توحي بأن المخزونات محدودة.

وفي يوليو، أشار جوزيف ديمبسي ودوجلاس باري من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى أن روسيا تستخدم بشكل متزايد الصواريخ المضادة للسفن لضرب أهداف على الأرض.

وكتبا أن هذا "يشير إلى أن موسكو مضطرة لاستخدام صواريخ الكروز الهجومية البرية بشكل أكثر رويّة".

هل أوكرانيا قادرة على حماية نفسها؟
 

يقول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن تعزيز الدفاعات الجوية لبلاده يأتي على رأس أولوياته. وتعهد قادة غربيون من بينهم الرئيس الأمريكي جو بايدن بإمداد كييف بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي، إلا أن إرسالها سيستغرق وقتًا.

وتعتمد أوكرانيا حاليا على أنظمة دفاع جوي تعود للحقبة السوفيتية على غرار أنظمة إس-300 . 

وقبل عدة أشهر وعدت واشنطن بإمدادها بنظام ناسامز المتطور. وأعلنت أمس الثلاثاء أنها ستسرع عملية التسليم بعدما قالت في نهاية سبتمبر أيلول إن التسليم لن يتم قبل نحو شهرين. 

وقال مصدر بوزارة الدفاع الألمانية إن أوكرانيا تسلمت أيضا أمس الثلاثاء أول أربعة أنظمة دفاع جوي من طراز أيريس-تي التي سبق أن تعهدت بها برلين، مؤكدا ما ورد في تقرير لمجلة دير شبيجل.

من الناحية العملية، يقول خبراء عسكريون إن أوكرانيا، وهي ثاني أكبر دولة في أوروبا من حيث المساحة بعد روسيا نفسها، قد لا تكون قادرة على الدفاع عن كامل أراضيها من الهجمات على أهداف متفرقة ذات أولوية منخفضة.

وتم تصميم أنظمة الدفاع الجوي، مثل نظام صواريخ باتريوت الأمريكي، بشكل أساسي لحماية أهداف محددة ذات أولوية عالية. 

ويمكنها توفير حماية أوسع ولكن لمساحات صغيرة نسبيا، مثل نظام القبة الحديدية الإسرائيلي الذي يحمي دولة تعادل مساحتها خمسة في المئة من مساحة أوكرانيا.

وكتب مارك هرتلنج، وهو قائد سابق للقوات البرية الأمريكية في أوروبا، على تويتر "خلاصة القول، مثلما كان من الصعب منع (الرئيس العراقي الراحل) صدام (حسين) من إطلاق صواريخ سكود، ورغم رغبتنا الصادقة في مساعدة أوكرانيا، فإنه من الصعب التصدي لجميع جرائم الحرب التي يرتكبها بوتين والتي تشمل للأسف شن ضربات صاروخية على أهداف مدنية".

وفي الوقت نفسه، فإن هجمات الاثنين أظهرت أن أوكرانيا ليست عديمة الحيلة بالكامل. ورغم أنه يستحيل التحقق من ادعاء كييف بإسقاط أكثر من نصف الصواريخ، فإن روسيا لم تقصف أي أهداف ذات قيمة استراتيجية عليا مثل مباني القيادة في العاصمة، والتي من المرجح أنها تخضع لأعلى درجات الحماية.


وماذا بعد؟
 

لا تزال روسيا تواجه نفس المشكلات الاستراتيجية التي كانت تواجهها قبل هجمات الإثنين الماضي، حيث تتناثر قواتها المحبطة ضعيفة التجهيز على طول خطوط مواجهة تمتد لألف كيلومتر، كما أن خطوط الإمداد المترامية في مرمى نيران القوات الأوكرانية.

وسمحت قدرات روسيا في البداية، وعلى رأسها قوتها المدفعية الهائلة، بتدمير مدن والسيطرة عليها في الفترة من مايو إلى يوليو. 

إلا أنه منذ سبتمبر بدا واضحًا أن قواتها غير مجهزة للدفاع عن الأراضي التي احتلتها ضد وحدات أوكرانية متنقلة ومجهزة بشكل جيد.