رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تراثنا.. ضرورة لترسيخ الهوية المصرية

ستظل الهوية المصرية العريقة هى ما يميزنا عن بقية شعوب الأرض، ومن الضرورى أن تظل مصدر فخر لنا وأن نعمل على ترسيخها فى الأجيال الشابة والصغيرة، أى أجيال المستقبل، حتى تظل مصدر اعتزاز لهم وحتى لا تضيع ملامحها العريقة من شخصياتهم، وحتى تظل مترسخة فيهم مهما تعرضوا لأى وسائل قد تصدّر لهم معالم وأساليب حياة مجتمعات أخرى غريبة عنّا أو مختلفة فى أساسياتها وفى سلوكياتها وأخلاقياتها، وحتى يمكن للهوية المصرية أن تظل من ملامح الشخصية وفى عقل ووجدان وسلوكيات كل الشباب والصغار والأطفال.

فلقد فوجئنا فى العقدين الأخيرين ومنذ التسعينيات من القرن العشرين بمؤثرات خارجية كثيرة تحاول العبث بالشخصية المصرية وبمكوناتها الأساسية عميقة الجذور التى تكونت عبر آلاف السنين منذ العصور الفرعونية، حيث كانت مصر مهد الحضارة وأصل العلوم والفنون والفلك والهندسة وغيرها من المجالات التى عرفها المصريون القدماء قبل أى حضارة أخرى، بل سبقت مصر العالم فى تمكين المرأة واحترام مكانتها، فكان فى مصر ملكات حكمنّ الشعب المصرى وساهمنّ فى تاريخ تطور مصر القديمة قبل أى دولة أخرى، مثل الملكة «تى» وملكة الملوك «كليوباترا» و«حتشبسوت».

كما وجدنا محاولات عديدة فى السنوات الأخيرة لإثارة الفتنة بين المسلم والمسيحى، ومحاولات لبث العنف المفرط والتطرف والتشدد فى الهوية المصرية بغية تدمير معالمها وفقًا لمخططات خارجية خطيرة تآمرت مع الداخل بهدف تدمير المجتمع المصرى، وتأليب فئاته، وما زالت تحاول إلى يومنا هذا تأجيج الفتن وبث الشائعات وإشعال النفوس فى كل المناسبات، أو إثارة الغضب من أى صعوبات فى الحياة اليومية والتشكيك فى كل إنجاز يتم تحقيقه، وهذه المحاولات تحاول شد مصر إلى الخلف وطمس الهوية المصرية العريقة، ولم تلقَ نجاحًا حتى الآن، حيث ثار عليها الشعب المصرى فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.

ومن ناحية فوجئنا بوسائل اتصال ومواقع إنترنت ووسائل ترفيه تبث لنا سلوكيات غريبة بعيدة كل البُعد عن الأخلاق المصرية والهوية المصرية، فهى تبث لنا، باسم التحضر وحقوق الإنسان والحريات، سلوكيات منحرفة وغريبة ولا تعكس الطبيعة البشرية التى نعرفها التى نشأنا عليها، حيث إننا فى مجتمعنا المصرى نرى أن الزواج يتم بين امرأة ورجل، وهو الشكل الرسمى والمحترم للعلاقة بين الرجل والمرأة، إلا أن الأفلام التى تبثها الآن الشركات العالمية على «نتفليكس» وغيرها من المنصات الإعلامية والفضائيات تقدم العلاقات الشاذة، والعلاقات بين المثليين وكأنها سلوك طبيعى وعلاقة طبيعية، ونرى فى المسلسلات الأجنبية أن معظمها يروج لعلاقات المثليين وزواجهم وكأنه أمر طبيعى وعادى، ويتم وضعها فى الدراما والأفلام وحتى فى الأفلام الكرتونية التى تنتجها شركة «والت ديزنى» للأطفال.. وأرى أن هذا الخلط وهذه الفوضى وهذه العلاقات الشاذة، التى لا تتفق مع ديننا أو أخلاقياتنا، من الممكن أن تُحدث خللًا فى عقلية الأطفال والصغار إذا ما شاهدوها. 

ومن أجل التصدى وحماية الهوية المصرية من كل هذه المؤثرات الغريبة علينا، التى ظهرت وانتشرت فى السنوات الأخيرة وبشكل ملحوظ ومتصاعد، فإننا ينبغى أن نأخذ حذرنا حتى لا «تشوشر» على هويتنا وعلى عقلنا وفكرنا أو فكر الشباب والصغار، ولهذا فإننى أضع الاهتمام بالهوية المصرية كأولوية فى بيوتنا ومدارسنا وإعلامنا وجامعاتنا، وأن على المرأة المصرية رسالة مهمة وهى أن تكون فى الصفوف الأولى للحفاظ على الهوية المصرية، والوعى بأهمية ترسيخها فى عقل أبنائها، وغرس الاعتزاز بها فى داخل نفوسهم.

ومن هنا جاء حرصى على تلبية دعوة كريمة جاءتنى لحضور افتتاح معرض «تراثنا»، الذى حرصت على حضور افتتاحه، مساء أمس الأول، بمركز المنارة بالتجمع، وهو معرض رائع أدعو كل مصرية ومصرى لزيارته واصطحاب الأبناء معهم، وهذا المعرض الكبير يضم ١١١٨ عارضًا وعارضة من مختلف محافظات مصر، الذين يقدمون أعمالًا ومنتجات يدوية متميزة ودقيقة الصنع من التراث المصرى العريق والجميل، ويقام المعرض لما له من أهمية ثقافية واجتماعية وتسويقية تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويقيمه جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بوزارة الصناعة، وترأس الجهاز د. نيفين جامع، التى سعدتُ باللقاء بها، التى حرصت على أن يخرج هذا المعرض بمركز مصر للمعارض الدولية بأجمل صورة، وشاركت فى تصميم ديكور وتنظيم المعرض المهندسة القديرة رباب كامل.

وهذه هى الدورة الرابعة من معرض «تراثنا للحرف اليدوية والتراثية»، وهذا المعرض كما رأيته يعتبر فى تقديرى من أهم الفعاليات التى تؤكد اهتمام الدولة بالقطاع الحرفى لما له من أهمية اقتصادية فى توفير فرص عمل كثيفة للآلاف من الحرفيين والفنانين فى هذا القطاع من مختلف المحافظات، وتعتبر المرأة شريكًا أساسيًا فى المعرض، فقد سعدتُ بعد أن علمت من المسئول الإعلامى الشاب سامح جويدة أن ٦٩ فى المائة من إجمالى العارضين من النساء، وهذا فى تقديرى علامة على تطور دور المرأة المصرية بمشاركتها الإيجابية بهذه النسبة المتنامية التى تؤكد قدراتها الإبداعية ومساهمتها الفعالة فى العملية الإنتاجية، وأيضًا مساهمتها فى دخل أسرتها عن طريق أشغالها اليدوية.

ومما أسعدنى أيضًا، واتساقًا مع اهتمام القيادة السياسية بذوى القدرات الخاصة ومساعدتهم على الإنتاج واستغلال قدراتهم ومهاراتهم فى الإنتاج اليدوى والدخول فى سوق العمل فى مجال التراث والحرف اليدوية، باعتبارهم شركاء أساسيين فى نسيج الوطن- أننى وجدت ما يزيد على ١٠٠ عارض من ذوى الهمم والجمعيات الأهلية المعنية برعاية ذوى الهمم ومرضى السرطان من مختلف المحافظات، بالإضافة إلى المشروعات الخاصة بهم.

وأنا بدورى حرصت على زيارة الكثير من العارضات والعارضين لتشجيعهم ودعمهم لاستكمال مسيرتهم فى العمل بالحرف التراثية واليدوية، التى تعتبر من أهم عناصر الحفاظ على الهوية المصرية بتنوعها وبجمال وثراء إبداع محافظاتها.. وفى تقديرى أنه لا بد من بذل جهود من قِبل الدولة لعرض هذه المنتجات فى معارض دولية، وتشجيع تصديرها إلى الدول الأخرى؛ لما رأيته من دقة وتميز فى المنتجات المصنوعة يدويًا، فقد شاهدت مثلًا لوحات رائعة مصنوعة من الرمال من صنع الفنان د. أحمد وهبة، وأزياء جميلة مشغولة يدويًا من إنتاج نساء سيوة والواحات، واكسسوارات ومصنوعات جلدية وكلها متميزة. 

وأرى أنه من الضرورى أن تفتح الدولة مجالات للعارضات والعارضين للمشاركة فى المعارض الدولية، وأن تفتح لهم منافذ لبيع منتجاتهم طوال العام فى معارض دائمة يسهل الوصول إليها فى المدن الكبرى، لأنها من ناحية تعكس ثراءً وجمالًا فى الإنتاج المصرى، ومن ناحية أخرى تعكس أحد عناصر الهوية والثقافة المصرية العريقة التى سبقت كل الحضارات والدول فى صناعة النسيج والمشغولات اليدوية، وتسهم فى زيادة دخلهم وفى زيادة عددهم فى كل المحافظات، بل إن كبار مصممى الأزياء الفرنسيين يقدمون فى عروض الأزياء الباريسية هذا العام أزياء تستلهم الموضة الجديدة للنساء من التصميمات الفرعونية المصرية القديمة، فنراها فى عروض باريس فى الأزياء والاكسسوارات وغيرها من مستلزمات الأناقة للمرأة العصرية.

ونحن لدينا فى مصر، كما رأيت، مصممون ومصممات لمنتجات يدوية وتراثية بديعة يمكن لها أن تمثلنا فى الخارج لتعكس مهارة الإبداع المصرى الأصيل الذى كان أصل الحضارة والمنتجات اليدوية البديعة قبل العالم كله.