رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القافلة تسير باحتمال أضعفها

"القافلة تسير باحتمال أضعفها"دي حكمة عربية هايلة، نابعة من خبرة حياتية ملموسة.
دلوقتي عندنا قافلة، والقافلة دي لازم تتحرك كـ وحدة واحدة، لكن أفراد هذه القافلة متفاوتين في السرعة وقوة التحمل وكفاءة السير، ولو كل واحد مشي حسب قدراته، الأسرع والأقوى والأكفأ هـ يسبق بـ مسافات وينعزل. الأبطأ والأضعف ومحدود الكفاءة هـ يتأخر بـ مسافات وينعزل، وفيه ناس هـ تبقى في النص، وناس وناس وناس، وتتشرذم القافلة ودا خطر.
نعمل إيه؟الأبطأ والأضعف ومحدود الكفاءةما يقدرش يتجاوز قدراته دي، ما يقدرش. لكن الأسرع والأقوى والأكفأيقدر يمشي بـ الراحة وعلى مهله، فـ تبقى القاعدة المذكورة أعلاه: "القافلة تسير باحتمال أضعفها"
عظيم، لكن هنا فيه مشكلة ضخمة، وهي إنه بعد شويةمعايير الضعف والبطء وعدم الكفاءة هـ تسود، بـ اعتبارها المسطرة اللي حاكمة الجميع، وتلاقي حتى الأقوياء السراع الأكفاء بـ يتنافسوا على مين فيهم ظبط نفسه أكتر على هذه المعايير، وبدال ما كنا مضطرين لـ السير وفقا لـ القدرات المحدودة، مضطرين اضطرارا، لأ، بقيت القدرات المحدودة دي هي "الصح"، هي "الأنسب"، هي "التمام".
بـ التالي، تصبح هذه المعايير الضعيفة محل تقدير وإجلال، بل إنه ما يتجاوزها يصبح محل سخرية، والكل ينفر منها وينفر الآخرين، مثلا: تقعد مع ناس المفروض إنهم بـ يعملوا إنتاج ذهني، فـ تلاقي تعبيرات منتشرة زي:"إحنا هـ ننظر؟"، "أحنا هـ نتفسلف؟"، على أساس إنه التنظير والفلسفة وما شابههاأمور عديمة الفاعلية قليلة القيمة، لا محل لها من الإعراب.
مش بـ أتكلم هنا عن التنظير والفلسفة تحديدا، ولا شايف إنه المفروض الناس تنظر دون إنتاج، إنما بـ أشاور على إهمال متعمد في كل ما يجعلك أقوى وأسرع وأكفأ، لـ إنه "بـ يعطلك"، ويبقى فيه إعلاء تام ومطلق لـ شأن العامة ومعاييرهم، وما يختارونه، وتبقى كل المسائل بـ تتقاس بـ الكيلو، ومستنيين الأضعف الأبطأ محدود الكفاءة يحدد لنا مسيرنا ومصيرنا.
طيب ودي فيها إيه!طالما حافظنا على القافلةيبقى تمام، مش مهم إيه اللي عنده قيمة واللي ما عندوش، المهم يحصل التناغم بين أفراد المجتمع، ولا إيه؟
آه صح، عندك حق، بس الكلام دالو كانت القافلة دي هي الوحيدة في الطريق، إنما فيه قوافل تانية سبقتك بـ زمان الزمن، لـ إنها خلقت مفاهيم أحدث لـ القافلة ذات نفسها، واشتغلت على عدم إهدار ما له قيمة.
بـ معنىإنه الأسرع والأقوى والأكفأ دابقى له مهمات مختلفة، بـ حيث تقدر تستغل قدراته، دون أن يكون مضطرا لـ مجاراة حركة القافلة البطيئة الضعيفة عديمة الكفاءة، زي مهمة استشكاف الطرق قدام، واختيار السكك اللي توفر مجهود ووقت، زي مهمة ضبط الحركة وتنظيمها، زي اختراع وسائل تتحرك بـ الجميع أسرعنركب عربية بدال جمل مثلا.
مهام كتير مش ممكن تحصلمن غير ما نحافظ على ما له قيمة.
من هنا، العالم اللي ربنا راضي عنه اخترع حاجات كتيرزي الجامعات والدرجات العلمية، زي الجوائز العالمية خصوصا نوبل، زي النشرات العلمية المحكمة، زي زي زي 
صحيح من يلمع في هذه المجالاتمش هـ يكوّن ثروة زي منتجي الأعمال الشعبية اللي بـ تراعي الأبطأ والأضعف ومحدود الكفاءة، لكنها بـ تخليه مش محتاج هذه الثروة، ومش مضطر لـ التنافس من أجلها، لـ إنه ماديا عايش كويس جدا، وفيه تقدير عام عالي لـ ما يفعلهحتى من الأضعف والأبطأ ومحدود الكفاءة ذاته.
أذكر إني اشتغلت مع مستشرق إيطاليدكتور في الجامعة، ولاحظت إنه الطلاينة بـ يقدروه جداولما يتكلم، يسمعوا بـ اهتمام، رغم إنهم بعيد جدا عن مجاله، اللي صحفي، واللي مهندس، واللي موظف بسيط، واللي واللي واللي
فـ سألته: هل الناس دول فاهمين هو بـ يعمل إيه؟قال لي: تفصيليا لأ، إنما هم فاهمين إنه طالما في الحتة دييبقى محل تقدير، لـ إنه "الحتة دي" محفوظة ومصانة، محدش بـ يوصل فيها سد خانة. 
مفيش مشروع ولا مؤسسة ولا شركة ولا ولامن غير منظر وفيلسوف ومراقب ومطور أداء، صحيح مش الشغل كله ماشي كدا، صحيح الشعبية والجماهيرية كمان محفوظين ومصانين، وليهم تقديرهم، إنما الاستغناء الكامل دا، الاستغناء التطوعي، الاستغناء المفتخر بـ نفسه عن كل ما له قيمة، انتصارا فقط لـ معايير الأبطأ والأضعف ومحدود الكفاءة، هـ يخلي القافلة كلها بين القوافل صفر ع الشمال، ينفع تكتب الرقم من غيره أصلا، ومفيش حاجة هـ تتأثر