رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معجم اللغة المصرية القديمة

قبل العرض بالمتحف البريطاني.. «الدستور» بين مخطوطات «قاموس شيخ الآثاريين»

قاموس أحمد باشا كمال
قاموس أحمد باشا كمال للغة الهيروغليفية

قرابة المائة عام مرت على وفاة عالم المصريات البارز أحمد باشا كمال، صاحب أول قاموس للغة الهيروغليفية، والذي سخر حياته في الدراسات الأثرية، وقضى سنوات طويلة من عمره في كتابة قاموس اللغة المصرية القديمة، ليتاح الآن بعد 99 عامًا من وفاته لأجيال جديدة للإطلاع والبحث.

received_1287469045335399

وقبل انطلاق المعرض الدولي الذي ينظمه المتحف البريطاني بلندن في الفترة 13 أكتوبر 2022 وحتى 19 فبراير 2023، بعنوان "الهيروغليفية مفتاح مصر القديمة" وعرضه خلاله صورًا من قاموس أحمد كمال باشا، والمحفوظ بالمكتبة، زارت “الدستور” مركز ترميم وحفظ المخطوطات بمكتبة الإسكندرية؛ لإلقاء الضوء على هذا التراث الفريد والذي سيعرض أيضًا  لأول مرة بمؤتمر الهيروغليفية في القرن الواحد والعشرين بمكتبة الإسكندرية.

received_8884736528218698

بداخل مركز الترميم بمكتبة الإسكندرية ألتقت الدستور الدكتور شريف عفيفي، رئيس قسم الصيانة والترميم، بمركز ترميم وحفظ المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، ليبدأ الحديث عن مجموعة أحمد باشا كمال، قائلًا إن قاموس اللغة المصرية القديمة، والتي على مشارف الانتهاء من ترميمها، أهدتها أسرته لمكتبة الإسكندرية، وهي مكونة من 18 مخطوطة من المخطوطات الأصلية بخط يديه، وقام بكتابتها في أوائل القرن العشرين حتى وفاته غي عام 1923.

received_617871446685697

وأوضح لـ"الدستور" أن مجموعة المخطوطات «القاموس» كانت في قسم الكتب النادرة بعد إهدائها للمكتبة، حيث تم تسجيلها ورقمنتها، ثم انتقلت لعملية الترميم منذ عام، لافتًا أن المجلد الواحد يضم ما بين 100إلى 150ورقة، ومتوسط المجموعة 2000 ورقة من المعلومات، في مجلدات مقسمة بشكل منهجي وعلمي.

received_849640719362286

وتابع أن القاموس يشمل مجموعة من المصطلحات، وتبويب للغة المصرية القديمة ومعجم وقاموس للغة الهيروغليفية “اللغة المصرية القديمة وترجمتها باللغات العربية والفرنسية”، مشيرًا إلى أن أحمد باشا كمال هو عالم من رواد علم المصريات، وأول عالم مصري يكتب في علم المصريات، وكان يجيد العديد من اللغات الفرنسية والتركية والإنجليزية والعربية وغيرها.

وأشار “عفيفي” إلى أن مجموعة المجموعة الأساسية للقاموس 22 مجلد أو مخطوطة، تم إهداء المكتبة 18 منها وهو العدد المتواجد مع الأسرة، لافتًا أن تلك المخطوطات لها قيمة للعلم، وقيمة أخرى كوعاء أثري، حيث تعود بعد ترميمها ليد الباحث وتحتاج منه مجهود للاطلاع والتصفح، ومهمتنا هي الحافظ على الأصولية والمتانة للوعاء الذي سيكون في أيادي المطلعين.

received_484307236929564

وأضاف أنه تم إهداء المكتبة جزء آخر “مخطوطة” من باحث الآثار والمؤرخ الكبير فرانسيس أمين، وهي نسخة “المسودة”، والتي تحمل عدة حروف، و بها دلالات تاريخية وزمنية تعطي إرشادات عن المجهود المبذول في القاموس، لافتًا أن في تلك النسخة كتب “كمال” على الغلاف الخاص بالأوراق، فضلًا عن الكتابة بخط يده وإصلاحات الكلمات وإعادة كتابتها مرة أخرى، وهو ما له أهمية للباحثين في علم اللغة المصرية القديمة، المخطوطات.

received_5417781145004332

أوراق وزارة المعارف

وتابع أن من خلال تلك النسخة استطعنا معرفة أنه استعان في القاموس بأوراق وزارة المعارف المصرية، حيث كان معها كراسة فارغة مطبوع عليها  العلامة المائية الحكومة المصرية باللغة الإنجليزية والهلال والثلاث نجوم، فضلًا عن تاريخ طباعة الكراسة في عام 1918، وهي  معلومات هامة للباحث والمطلع والزائر.

تحديات عملية الترميم

أوضح رئيس قسم الصيانة والترميم، أن هناك تحديات واجهتنا خلال العمل في القاموس، للحفاظ على الهوية والتاريخ والأصولية، ومن بين تلك التحديات عملية التجليد حيث أن مادة التجليد كانت مصابة بـ"عفن الجلد" وهو غير قابل للاسترجاع، وبه تلف شديد، لذلك كان التحدي هو عدم تغيره بالشكل الكامل، لوجود كلمات وتبويبات على الجلد الأصلي، وبخبرة العاملين في معامل الترميم بالمكتبة استطعنا الحفاظ على جزء كبير جدًا من الأصل فيما يخص الجلد والغلاف ومواد التجليد.

وتابع أن بخلاف الغلاف، كان تأثر حالة الورق بالحموضة العالية، والتصاق الأوراق ببعضها بمواد صناعية لاصقة قوية، لنعمل على إزالة جميع مسببات التلف، بالإضافة إلي الأخبار المستخدمة، والتي كانت أحبار ضعيفة، مما يجعلها معرضة للتلف إذا تمت أي معالجات كيميائية غير منضبطة أو أي تعامل خاطئ عليها، فهي مزيج بين الأحبار الكربونية والجافة، والحبر الشيني، باستخدام لونين الأزرق والأسود، فضلًا عن اختلاف سمك الكتابة، مما يدل على استخدام عدة أقلام مختلفة، فتم تجنب التعامل بأي مذيبات تؤثر على الحبر، والعمل بشكل جاف بمواد لا تؤثر علي حالة الأحبار التي لا تسمح بأي خطأ.

وأوضح ان مخطوطات القاموس عمل بها مجموعة من المتخصصين في الترميم، من حيث استكمال الأجزاء المحترقة أو الناقصة التي كان بها تأكل حشري، واستخدام ورق الترميم الموصي به عالميا، بالشكل الفردي صفحة صفحة بدون تفكيك وهو ما يزيد الأمر صعوبة، حيث كانت المخطوطات تحتاج إلى تعامل دقيق بسبب الإصابات الحشرية، والتلف والتمزق، فتم التعامل بحرفية ومهنية دون أن تفكيك كامل للمخطوطة والتعامل بشكل فردي بداخل الوعاء، وهو أمر ليس بسهل، ولكنها قضية مهمة للمهتمين بالتراث؛ نحافظ عليه لزمن أكبر ونجعله متاح بشكل جيد لأجيال مستقبلية.

وأكد أنه تم الانتهاء من 16جزء من المخطوطات بشكل تام، والعمل جاري في جزئين بنسبة 90% والجزء الخاص أكثر من 95%، حيث يتم العمل بدقة كبيرة، ومراجعة دقيقة بعد كل مرحلة، للتأكد من مطابقتها للمعايير، حيث أن عمليات الترميم حازمة لأن احتمالية الخطأ في حفظ التراث مكلفة جدًا.

وأوضح ان عملية الترميم طويلة ومكلفة، ويجب أن يكون الوعاء ذو أهمية عالية، وهنا يأتي إدراك مكتبة الإسكندرية، بأهمية هذه المجموعة، والتي هي النسخة الوحيدة بالعالم، جعلها تبدأ عملية الترميم عقب الفهرسة على الفور، وبرغم تواجد نسخة ديجيتال يمكن للباحثين الاطلاع عليها، ولكن هناك مستوى اعلى من البحث ليس العلم فقط، ولكن الوعاء نفسه كأثر، فتلك المخطوطات تحمل هوية “أحمد باشا كمال” الخاصة، وكتابته وانفعالاته، ونستطيع معرفة الكثير عن شخصيته بمجرد دراسة هذه المخطوطات.

ومن تفاصيل ترميم القاموس، ننتقل لحياة أحمد باشا كمال، المليئة بالأحداث والنشاط العلمي والأثري وعزيمته وارادته على تواجد لأبناء مصر بصمة في الدراسات الأثرية.

تقول الدكتورة، عزة عزت، رئيس قسم البحوث والنشر مركز دراسات الخطوط مكتبه الإسكندرية، إن احمد باشا كمال، مؤسس المدرسة الوطنية في علم المصريات، وشيخ الآثاريين المصريين، ولد من اسرة عريقة، في 29 يونيو 1851 بالقاهرة، وترجع أصوله لجزيرة كريت، ولد وعاش وتعلم في المدارس المصرية العريقة، وتزوج من السيدة فاطمة خورشيد وأنجب 3 أبناء ذكور، و3 إناث.

وأوضحت أن ابنته الصغرى تزوجت من احد تلامذته محمود بك حمزة، وهو أول مصري عُين مديرًا للمتحف المصري بالقاهرة، وأبنته الوسطى كان لها دور كبير في كتابة قاموس اللغة الهيروغليفية، حيث كانت تجيد اللغة الفرنسية بطلاقة، وهي من شاركت  كتابة الترجمة الفرنسية والعربية بالقاموس.

وأضافت لـ"الدستور" أن احمد باشا كمال تعلم  في مدارس القاهرة، وأول مدرسة ألتحق بها كانت مدرسة المبتديان الابتدائية بالعباسية، ثم انتقل بعد اربع سنوات لمدرسة التجهيزية بالعباسية والتي كانت بمثابة المدارس الثانوية حينها، لينتقل بعد عامين لمدرسة اللسان المصري القديم والتحق بها لنبوغه وتفوقه خاصة في اللغة الفرنسية للالتحاق بتلك المدرسة، وهي مدرسة عريقة نشأت لتعليم اللغة المصرية القديمة، وعرفت باسم “بروجش"، نسبة للعام الألماني هاينريش بروجش وهو من كبار الآثاريين في العالم وهو صاحب فكرة إنشاء هذه المدرسة لتعليم الطلاب اللغة المصرية القديمة، وهذا الرجل كان له تأثير كبير في فكر وحياة أحمد باشا كمال سواء من الناحية العلمية أو العملية.

وتابعت أن “كمال” تعلم في المدرسة اللغات الحبشية والقبطية واللغات السامية، واللغات الحديثة، فضلا عن التاريخ والآثار المصرية القديمة، وهذا التنوع العلمي كان له آثر كبير في معرفته بالتاريخ المصري القديم وما جعله نابغة في تأليف معجم اللغة المصرية القديمة والذي يحتوي على العديد من اللغات، واستخداماتها.


لم يستطع أحمد باشا كمال الالتحاق بالوظائف التي كانت تتبع مصلحة الآثار، لاقتصارها في تلك الفترة على الأجانب فقط، التي كانت حكرا عليهم ولم يعطي فرصة للمصريين للعمل بمصلحة الآثار، لتعصب الأجانب وإهدار فرصة تواجد مصريين منافسين لهم في مجال الآثار، لذا عمل مدرس للغة الألمانية بالمدارس الأميرية في القاهرة والإسكندرية، ثم ترك التدريس وعمل كمترجم في أماكن مختلفة، أشهرها نظارة المعارف العمومية “وزارة المعارف” عمل بها لفترة.

أول أمين للمتحف المصري 


عقب فتح الخديوي إسماعيل فرص عمل للمصريين في مصلحة الاثار، التحق “كمال” بمصلحة الآثار وترقى إلى سكرتير ومترجم واستاذ للغات القديمة بالمتحف المصري، وهو أول أمين للمتحف المصري، وقام بتدريس الحضارة القديمة بالجامعة المصرية  مع بداية عمله في الآثار.

حصل على مجموعة كبيرة من الأوسمة والنياشين، حصل على الرتبة الثانية التي تمثل لقب بك، وقبل وفاته حصل على رتبة “ميرميران” من رتب البشاوية ومنحها له الملك فؤاد، وتوفي في 6 أغسطس 1923، عن عمر 75 عامًا قضاها في خدمة مصر وخدمة التاريخ المصري، واهترت لخبر وفاته مصر بأكملها، ونُشر خبر وفاته العديد من الصحف أشهرها حينها جريدة اللطائف المصورة، والتي ذكرت بخبر وفاته في العدد رقم 445 في أغسطس 1923، مدى تعرضه للظلم والقهر، بسبب عدم استطاعته الحصول على فرصته كأثري مصري بسبب تواجد الأجانب بشكل كبير خلال سنوات حياته.

اكتشاف خبيئة المومياوات

اسهم بالعديد من البعثات والاستكشاف الأثرية أشهرها، اكتشاف خبيئة المومياوات بمنطقة الدير البحري، وهو من عثر على هذه الخبيئة، وبلغ عدد مؤلفاته 8 كتب من بينها مؤلف “الفوائد البهية في قواعد اللغة الهيروغليفية”،و يعتبر من أوائل الكتب التي تناولت اللغة المصرية القديمة وطريقة كتابتها، وقواعد اللغة الهيروغليفية والعربية.

ومن أهم مؤلفاته هو قاموس اللغة المصرية القديمة، الذي كتبه ويضم 22 مجلد، يعتبر عمل فريد من نوعه، كل مجلد يحمل حرفًا من حروف اللغة الهيروغليفية، قام بترجمة هذا القاموس، باللغة الفرنسية والعربية، بالإضافة إلى القبطية والعبرية، واليونانية، والأمهرية، والآشورية في بعض الكلمات، فضلًا عن استخدم مجموعة من اللغات والخطوط في تلك القاموس بجانب الهيروغليفية وهي: الهيراطيقية، والديموطيقية في بعض الإيضاحات في قائمة المفردات بالقاموس.

received_401759358647700


أكثر من 20عامًا في كتابة القاموس

وعن قاموس  اللغة المصرية القديمة ذكرت “عزت” أن أحمد باشا كمال حارب لطباعة القاموس، وبحسب رواية نجله “حسن كمال” أمضى ما يقرب من ثلث عمره في كتابته، وقال إن والده ظل 21 عامًا يكتب هذا القاموس، وبعد ما انتهي منه حاول ان يطبعه ليصل إلى العامة إلا أن اللجنة التي تم تشكيلها رفضت طباعة هذا القاموس، سواء من الجانب الفرنسي، او بعض الانجليز اللذين لم يبدو موافقة، وتوفي وهو حزين على هذا القاموس الذي ظل أكثر من عشرين عامًا في كتابته.


إهداء القاموس لمكتبة الإسكندرية

تابعت أن القاموس ظل منذ عام 1923 حتى2020 في منزل الأسرة يتنقل من ابن لأبن لحفيد، حتى تم اهدائه في 2020من الأسرة لمكتبة الإسكندرية  وقامت الأسرة بزيارة المكتبة ومشاهدة معمل ترميم المخطوطات، ومتحف المخطوطات، واهتمام المكتبة الشديد بالحفاظ على التراث، وقررت اهداء الأجزاء وهم 18جزءً للترميم والرقمنة والعرض المتحفي، والعمل العلمي والتحليل العلمي للقاموس.


قامت المكتبة برقمنة القاموس وترميمه، وسوف يتم تحديد موعد العام القادم 2023 لإقامة احتفالية للانتهاء من ترميم القاموس وإتاحته للجمهور والباحثين، ومؤتمر علمي عن نواحي القاموس والقيمة التعليمية له، وذلك بالتزامن مع مرور 100عام على رحيل أحمد باشا كمال، ليخرج  القاموس بعد 100عام للنور للاحتفال بهذا العمل.

وأشارت إلى أن عام 2022 يعرف بعام المصريات، نظرًا لمرور 200عام على فك رموز حجر رشيد، و100 عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ امون، أما عام 2023 هو الاحتفاء بمرور 100عام على رحيل هذا الرجل العظيم احمد باشا كمال.

received_843327217008584


عرض القاموس بالمتحف البريطاني

وعن عرض القاموس بالمتحف البريطاني، أوضحت أن المتحف البريطاني بلندن يقيم معرض بعنوان “الهيروغليفية مفتاح الحضارة القديمة” سيتم افتتاحه في 13 أكتوبر الجاري، حيث تعاون المتحف البريطاني مع مركز دراسات الخطوط بمكتبة الإسكندرية في أخذ بعض الصور من القاموس لتعريف الباحثين وعلماء المصريات في الخارج بهذه الشخصية الفريدة، ووجود القاموس بمكتبة الإسكندرية، والتي هي نافذة العالم على مصر ونافذة مصر على العالم، كما سيتم تدعيم صور القاموس بسيرة ذاتية عن أحمد باشا كمال، فضلًا عن محاضرة تعريفية بهذا العلامة في نوفمبر القادم في مؤتمر مصاحب للمعرض.