رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فوضى الطلاق الشفهى

كما نعلم يوجد العديد من المشاكل فى إنشاء الزواج والعلاقة بين الجنسين مبناها على الرغبة فى الاحتكام لشرائع العصور الوسطى العتيقة التى قد تكون مناسبة لمجتمعات بسيطة ساذجة، فلكل عصر شريعة تناسبه، وقانون يُصِلح أموره، ونمط حياة يكفل له سعادة نابعة من سياق زمانى ومكانى. 

وغالبًا ما يلجأ الرجال لنمط الشرائع القديمة، خصوصًا فى مسألة الزواج الشفهى والعرفى غير المسجل، من أجل التحايل على قانون الدولة، أو السخط عليه، واحتقاره وتكفيره، أو، وهو الغالب، من أجل إخضاع الأنثى لعقد لا يكفل لها أى حقوق ويسهل التملص منه بأقل التكاليف وحتى يتسنى التحايل على حقوق المرأة فى التشريعات الحديثة التى راعت ظروف وتطورات العصر الحالى فلا يوجد قانون خالد، فالخلود للآلهة وحدها.

وترضى المرأة بهكذا علاقة من أجل مشاركة الرجل فى رفض القانون الحالى لمصلحة مادية كمعاش أو غيره أو رفض وتكفير لقانون الدولة الحديثة، أو تحت طمع فى شهوة، أو مال أو حب تتنازل من أجل نواله عن حقوقها التى تكفلها التشريعات والقوانين الحديثة.

وطبيعى ما كان عرفيًا شفهيًا يكون الخلاص منه مثله يسيرًا شفهيًا بكلمات نتمتمها دون إثبات قانونى حديث بنفس سبل وطرق فسخ العقود فى العصور الوسطى.. فقد نتفهم ذلك فى العصور البائدة، وأيضًا قد نتفهم دوافع وغرائز الرجال والنساء الراغبين فى هكذا علاقات بمسئوليات محدودة يسيرة.. ولكن بالطبع نرفض التحايل على قانون الدولة الحديثة والتلاعب به وإجحاف حقوق الطفل والمرأة بتلك الأشكال من الزواج.

وينبغى تقنين حل لتلك الظواهر ليكون القانون الحديث حيويًا ومتزامنًا مع حاجات الناس، ويمنعهم من تحايل بعضهم على بعض، أو تحايلهم واحتقارهم لنظام الدولة الحديثة.

كل ما سبق قد نفهمه على مضض، أما الذى لا نفهمه ولا نقبله فهو الاعتداد بما يسمى الطلاق الشفهى بأنواعه الكثيرة، من معلق على مرغوب، أو ممنوع، أو بالحلف بهدف التهديد، أو القسم الفاجر بالطلاق، وكل ما ينجم عن ذلك من مشاكل لا أول لها ولا آخر، فكيف نقبل تلك الصورة المناسبة لطبيعة عقود العصور الوسطى الأمية الشفوية البسيطة التى لها وعليها بعصر التوثيق الرقمى والإثبات الإلكترونى، لا سيما فى حالات الزواج الرسمية التى ذهب لها الزوجان بمحض إرادتهما لمكاتب توثيق الزواج فى الدولة الحديثة، سواء الشهر العقارى، أو مكتب مأذون المنطقة محل الزواج.

وما يحدث من ضجيج وفساد وإهانة للمرأة والأسرة والطفولة بسبب تلك العشوائية السخيفة فى زواج رسمى مسجل بشهود وتوثيق إلكترونى يفسخ بكلمة بذكر أحمق أو غاضب أو سفيه- لا يليق بنا ذلك فى القرن الواحد والعشرين.. إنه لامتهان للأسرة والطفولة والمرأة بل ونظام دولتنا الحديثة.

وقد سمعت شكوى بعض العقلاء من رجال الدين المتصدرين للفتوى بأن غالب الفتاوى التى تأتيهم حول الطلاق الشفهى والمحسوب منه وغير المحسوب، وأنه لابد من حل لذلك، لا سيما وهناك مذاهب دينية محترمة ترفض الطلاق دون إشهاد، كما أنه لا زواج دون إشهاد، ويمكن أن نضيف بندًا فى عقد الزواج الرسمى الحالى بأنه لا يفسخ العقد إلا بتوثيق وشهود وإجراءات تشبه إجراءات إنشاء العقد.

هذه الفوضى المشينة بمجتمعنا الحديث لابد للمشرع أن يتدخل ويخلص المجتمع من هذا النمط المستهتر للعلاقة بين الزوجين الذى يهدد الطفولة والأسرة والمجتمع.. وكما نتزوج رسميًا رجالًا ونساء يكون الطلاق كذلك، ولا عبرة بلغو الكلام، وسخف الحديث لفسخ ما تمت كتابته وتوثيقه والشهادة عليه.. ولا بد من تشريع ذلك حتى نكون حقًا أمة عصرية عاقلة، لا أمة سفيهة رجعية تضحك من جهلها وتخلفها الأمم.