رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لبنان.. والقدوة من أم كلثوم وفيروز

يجمع العرب على حب لبنان كبلد عربي شقيق، صغير المساحة عظيم التأثير بعطائه في كل المجالات من الفن للأدب ومن الطب للتجارة ومن السياحة للمقاومة.
منذ سنوات ولبنان يعاني ويلات الانقسام الداخلي والتدخل الخارجي، تصارع على لبنان قوى خارجية كثيرة يعاونها أطراف داخلية متناحرة ومتناقضة في كل شيء، إلا في حب لبنان، هذا الحب يعبر عنه اللبنانيون في كل مناسبة، لكن دون ترجمة حقيقية على أرض الواقع، تنسى الأطراف المتناحرة أن تقدم حلولًا عملية لأزمة لبنان التي تفاقمت مؤخرًا فأصابت معظم مظاهر الحياة بالشلل. 
انتظرنا طويلًا أن يتحمل فنانو لبنان مسئولياتهم تجاه بلدهم، لا يهمني البحث عن أسباب الأزمة دون جدوى، فلن نطرح حلولًا ولا مبادرات للتصالح بين النخب اللبنانية، ولن ندعو الأطراف الخارجية بتحمل مسئولياتها تجاه لبنان أو الوفاء بالتزامات استمرت عقود وانقطعت فجأة، ما يهمنا هنا هو إنقاذ شعب لبنان من أزمات يومية لا ذنب له في تحملها، ولنا في مواقف السيدتين العظيمتين أم كلثوم وفيروز المثل والعبرة.
سيدة الغناء العربي اعتبرت أن نكسة 67 هى هزيمة شخصية لها، فأعلنت في البداية الاعتزال ولكن سرعان ما تراجعت عن قرارها وكما تراجع الزعيم جمال عبدالناصر عن التنحي وقرر خوض حرب الاستنزاف، قررت هى أيضًا خوض الحرب مع الجيش، فأعلنت عن تنظيم حفلات لدعم المجهود الحربي داخل مصر وخارجها ودعت زملاءها المطربين والشعراء والملحنين للمساهمة معها في دعم الجيش ورفعت شعار "الفن من أجل المجهود الحربي" وغنت أم كلثوم «إنا فدائيون» التي كان لها تأثير كبير على رفع الروح المعنوية للجنود وللشعب المصري من ورائهم.
بدأت أم كلثوم في إقامة حفلات دعم المجهود الحربي داخل مصر وكانت نتائجها مبهرة ماديًا ومعنويًا، فكانت ووفقًا لإحصاءات معلنة أعلى إيرادات لحفل أم كلثوم في ذلك الوقت لا يتعدى مبلغ 18 ألف جنيه، ولكن مع أول حفلة لصالح المجهود الحربي في مدينة دمنهور جمعت 80 ألف جنيه، وفى الإسكندرية بلغ إيراد حفلها إضافة إلى التبرعات 100 ألف جنيه و40 كيلوجرامًا من الذهب بقيمة 82 ألفًا، وفي حفل المنصورة حققت إيرادات 125 ألف جنيه وفي طنطا 284 ألف جنيه.
وحققت من حفلاتها الخارجية مبالغ خيالية بحسابات زمانها ففي باريس حققت إيرادات 212 ألف جنيه إسترليني، وأقامت حفلات أخرى في الكويت وأبوظبي ولبنان وباكستان وتونس والمغرب والخرطوم، ولم تحصد تلك الحفلات الأموال فقط، ولكنها كانت بمثابة حملات لدعم موقف مصر ومساندتها في مواجهة العدوان الصهيوني المدعوم غربيًا.
أما جارة القمر السيدة فيروز فلم تتوان أو تتأخر في دعم لبنان في أزماته رغم تعرض منزلها للقصف بصاروخ خلال أحداث الحرب الأهلية، وانقسمت لبنان شمالًا وجنوبًا، وبيروت إلى شرق وغرب، وقفت فيروز عام 1976على خشبة مسرح دمشق لتغني رائعتها «بحبك يا لبنان.. بحبك يا لبنان يا وطني بحبك بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك».
وقيل إن أصوات الرصاص لم تكن تتوقف في بيروت إلا حين تغني فيروز، وطافت حول العالم على الجاليات اللبنانية بتلك الأغاني في محاولة لوقف الحرب ودعم لبنان وغنت على مسرح الأوليمبيا بباريس عام 1979.
هكذا يكون دور الفنان وهكذا يوظف الفن في خدمة الأوطان، لذلك نسأل.. أين فنانو لبنان مما تعانيه بلدهم الآن؟