رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قضايا التعليم والحوار الوطنى

إن التعليم يعد الأساس والضمانة الحقيقية لإنجاز أهداف التنمية المستدامة، لأن التنمية الشاملة المستدامة لا تعتمد على رأس المال المادي فقط، بل إن الاحتياج الأكثر أهمية يتمثّل في وجود قوى عاملة مدرّبة ومؤهلة وقادرة على الإنتاج الأكثر والأجدر، هذه القوى هي رأس المال البشري الذي يتراكم من خلال التعليم.

لذا لا بد من توافر خطة للتعليم فى جميع مراحله منذ رياض الأطفال وحتى التخرج فى الجامعة، مع وجود ميزانية كافية لتمويل وتنفيذ الخطة.

وفى الندوة الخاصة بالتعليم قبل الجامعى، التى أقامتها أحزاب الحركة المدنية واستضافها الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى منذ أسبوعين، وتحدث فيها عدد من أساتذة التعليم وخبرائه، منهم الدكتورة إلهام عبدالحميد الأستاذ بجامعة القاهرة، والأستاذ محب عبود وكيل نقابة المعلمين المستقلة، والأستاذ طه أبوالفضل رئيس لجة التعليم المركزية بحزب المحافظين، والأستاذ عبدالحفيظ طايل مدير مركز الحق فى التعليم، والخبير التعليمى الدكتور كمال مغيث- أكد المتحدثون على عدد من النقاط الهامة حول معوقات العملية التعليمية، مع وضع الحلول والبدائل المطلوبة للنهوض بالتعليم فى بلدنا مصر.

أولًا- ضمان تعليم مجاني منصف وجيّد لجميع الفتيات والفتيان بالتعليم.. ضمان إتاحة فرص الحصول على نوعية جيدة من الرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم قبل الابتدائي لجميع الأطفال، وضمان تكافؤ فرص الحصول على التعليم التقني والمهني لجميع النساء والرجال.

القضاء على التفاوت بين الجنسين في التعليم، وضمان تكافؤ فرص الوصول إلى جميع مستويات التعليم والتدريب المهني للفئات الضعيفة، بمن في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة الذين يعيشون في ظل أوضاع هشة.

ضمان إلمام جميع الشباب ونسبة كبيرة من الكبار، رجالاً ونساء على حد سواء، بالقراءة والكتابة والحساب.

بناء المرافق التعليمية التي تراعي الفروق بين الجنسين، والإعاقة، والأطفال، ورفع مستوى المرافق التعليمية القائمة، وتهيئة بيئة تعليمية فعالة ومأمونة وخالية من العنف للجميع.

وجود مشروع وطنى يعمل على تنمية قيم الولاء والانتماء ويجمع كل الولاءات تحت مظلة تحقيق التناسق والتجانس بدلا من التنافر والتمييز الناتج عن الازدواجيات الموجودة فى التعليم الآن «تعليم دينى، وتعليم مدنى، وتعليم للفقراء، وتعليم للأغنياء، وتعليم حكومى، وتعليم خاص، وتعليم أجنبى».

ثانيًا- تطوير المناهج: كثير من الدراسات التحليلية لمناهج التاريخ والتربية الوطنية وحقوق الإنسان توصَّلَت إلى نتائج، أهمُّها أن التغيير الذى تم لم يكن كافيًا؛ لأنه لم يُعزِّز التسامح واحترام الأقليات والثقافات المختلفة، وهذا يتناقض مع التزامات مصر الدولية في مجال الحقِّ في التعليم، وأن تكون المناهج مُعبِّرةً عن الواقع والبيئة؛ حتى لا يشعر المتعلِّم بالاغتراب، وحتى تكون جاذبةً للمُتعلِّم، وأن تُسهمِ المناهج المُطوَّرة في بناء شخصية متكاملة، مستنيرة، مُبدِعة، مسئولة، لديها شغف ببناء مستقبل وطنها، ولديها مهارات القرن الحادي والعشرين.

ثالثًا- الميزانية: إن قضية الميزانية هي جوهر التطوير؛ ذلك أن أمل تطوير المعلِّمين، ورفع مكانة المعلم اجتماعيًّا ومادِّيًّا ومهنيًّا وثقافيًّا، والعمل على الاهتمام بالبنية التحتية، وإدخال التكنولوجيا في العملية التعليمية- كل تلك المشكلات لم ولن يتمَّ حَلُّها إلَّا من خلال رفع ما تنفقه الدولة على التعليم من الموازنة العامَّة، أو حتى الالتزام بما حدَّده الدستور، حيث يبلغ الإنفاق الموجَّه للتعليم في التقسيم الوظيفي للموازَنة العامَّة أقلَّ من الاستحقاق الدستوري البالغ 4% للتعليم قبل الجامعي، و2% للتعليم الجامعي، و1% للبحث العلمي. وتبلغ ميزانية التعليم الأساسى قبل الجامعى 2،2% من الناتج القومى الإجمالى، أى نصف الميزانية التى ينص عليها الدستور منذ 2014 والتى كان يجب أن تزداد تدريجيا إلى المعدل العالمى والذى يصل إلى 9% من الناتج القومى الإجمالى.

رابعًا- التعليم الفنى: يمكن للتعليم الفني أن يقدِّم دورًا رئيسيًّا في تأهيل عدد كبير من المتعلِّمين، من خلال تزويدهم بالمهارات والقدرات التي تسمح لهم بتلبية احتياجات سوق العمل. 

وبالرغم من أن التعليم الفني يمكن أن يكون قاطِرةً للتنمية، إلا أنه لا يزال يحتاج إلى إعادة هيكلته، وتطوير مناهجه بما يتَّفق مع المتغيِّرات المعاصرة؛ بهدف تكامُل السياسات والقوانين والتشريعات المنظِّمة له، أيضًا يحتاج هذا النوع من التعليم إلى:- 
- تحديث المباني والورش الموجودة بها، مع تحديث المناهج، وفتح الدراسة وما بعدها للالتحاق بمنشآت اقتصادية وصناعية، وأن يكون الالتحاق بها مجانيًّا ومُتاحًا لجميع الطلاب؛ لتدريبهم، وضمان أن يلتحقوا بالعمل بتلك المؤسَّسات.
- خلق آلية لتقييم مستوى الخرِّيجين على المستوى النظري والعملي، ولتحديد مدى اندماجهم في سوق العمل؛ ممَّا يُسهِم في رفع الاقتصاد المصري، وبالطبع توفير آليات الحماية من مخاطر الفقر والبطالة والهجرة الشرعية وغير الشرعية.
- تضييق الفجوة المعرفية والمهارية بين خرِّيجي مدارس التعليم الفني وأنواع المدارس الأخرى في التعليم العام؛ وذلك لتحقيق تكافؤ الفرص.

وتتمثَّل أبرز المشكلات التي تواجه التعليم الفني في ميزانية ضعيفة، حيث ُتمثِّل 10% من 
ميزانية التعليم.

خامسًا- المعلم: يكتمل ما نريده من التعليم بالمعلم الذى يقوم بنقل مناهج التربية والتعليم للتلاميذ والطلاب فى مراحل التعليم المختلفة، لذا لا بد من الحديث عن حقوق المعلم وعن تنفيذ ما جاء فى مواد الدستور بشأن المعلم فى المادة «22» التى تنص على: «المعلمون وأعضاء هيئة التدريس ومعاونوهم، الركيزة الأساسية للتعليم، تكفل الدولة تنمية كفاءتهم العلمية، ومهارتهم المهنية، ورعاية حقوقهم المادية والأدبية بما يضمن جودة التعليم وتحقيق أهدافه».

وتتلخص المطالب الخاصة بالمعلم فى عدة نقاط منها:-
• تدريب المُعلِّمين بشكلٍ دائم، لا سيَّما وأن التَّغيُّرات السريعة في عصر التكنولوجيا تتطلَّب أن يكون المعلِّمُ لديه مهارات القرن الحادي والعشرين، ويمكنه استخدام التكنولوجيا الحديثة، واستراتيجيات تدريس متنوِّعة تساعده على تنمية التفكير الناقد للمتعلِّمين، وأيضًا تنمية التفكير الإبداعي لديهم، مع الاهتمام بإعدادهم أكاديميًّا وتربويًّا وثقافيًّا.
• رفع مستوى المعلِّمين ماديًّا بزيادة مُرتَّباتهم؛ حتى يمكن للمُعلِّم أن يقوم بدوره وهو مُزوَّدٌ بقِيَمٍ علمية وأخلاقية؛ ممَّا يُسهِم في إعادة مكانة المعلِّم اجتماعيًّا، وعلاقته بالطلاب كما كانت في الماضي؛ علاقة قائمة على احترام المعلم وتقديره.

إن مستقبل مصر مرهونٌ بشكل أساسي بتغيير وتطوير التعليم، بمؤسَّساته، ومناهجه وأهدافه، بحيث يتحوَّل الإنسان المصري من فرد إلى مواطن، وهذا يحتاج لتنسيق ومناخ تربوي وتعليمي مستنير، يعتمد على الحوار والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
إن نشر ثقافة مشتركة تستند إلى المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات يجب أن يكون الهدف الأساسي من التعليم؛ ليشعر كلُّ المواطنين شعورًا مشترَكًا بأنهم جميعًا شُرَكاء في الوطن.