رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما سيتركه «كوخافى»

عرفنا أنه تم اختيار «هرتسى هاليفى» رئيسًا لأركان الجيش الإسرائيلى، ومن المقرر أن يبدأ عمله فى أوائل العام الجديد ٢٠٢٣.. نعرف «هاليفى»، فقد كان رئيسًا للاستخبارات العسكرية فى ٢٠١٤، وتم تعيينه نائبًا لرئيس الأركان الحالى «أوفيف كوخافى» منذ عام.

مهم أن نعرف «هاليفى»، لكن الأهم هو أن نعرف ما تركه «كوخافى»، ما غيّره، وما طوّره، وما عدّله، فـ«هاليفى» بشكل أو بآخر لن يهدم المنظومة ويعيد بناءها، هو فى كل الأحوال سيكمل طريق «كوخافى».

عندما تولّى «كوخافى» منصبه فى ٢٠١٨، بدا للجميع أنه جاء بـ«استراتيجية جديدة» ورؤية مختلفة، ويومًا بعد يوم بدأت الاستراتيجية خاصته فى الظهور. 

فى الإعلام اهتموا بها وأسموها «خطة كوخافى»، وأحيانًا «رؤية كوخافى»، وعلى الرغم من أن لديه كاريزما فى الحديث من نوع خاص، فإن «كوخافى» كان كما يبدو يفضل البقاء بعيدًا عن عيون وسائل الإعلام، إلا فى حالات التصعيد والمواجهات، اختار أن يعمل بهدوء ويحرز نتائج ملموسة، دون ضجيج ودون «شو عسكرى»، باستثناء تصريحات نارية مقتضبة من حين لآخر.

الرؤية التى طوّرها «كوخافى» كانت للقتال بشكل عام، وفى مقابل لبنان وغزة بشكل خاص، والتى يمكن رصد ملامحها الأولية فى حفل توليه المنصب.

مع لبنان، كانت رؤية «كوخافى» واضحة، فهو صاحب تصريح «تدمير دولة لبنان فى المواجهة المقبلة مع إسرائيل»، وهو التصريح الذى يثير الجدل فى كل مرة يطلقه، فلم يطلق أحد قبله تصريحًا مثله، حتى لو يعلم الجميع أنه فعلًا فى الحرب المقبلة مع «حزب الله» ستقوم إسرائيل بتدمير لبنان.

هناك من وصف تصريحات «كوخافى» بأنها خطة الردع خاصته حيال «حزب الله»، وبعد مرور سنوات، لم يهاجم «حزب الله» إسرائيل رغم التهديدات المتنامية، والحقيقة أنه صعب الربط بشكل فعال بين تصريح «كوخافى» وردع «حزب الله»، إذ إن هناك عدة عوامل أخرى أسهمت فى منع الحرب، منها وضع «حزب الله» وعدم نيته فى تصعيد واسع المدى مع إسرائيل. 

مع غزة، كان لدى «كوخافى» رؤية أيضًا، رغم أنه كان من المفترض أن يُكمل كوخافى «خطة جدعون» التى وضعها رئيس الأركان السابق «جادى أيزنكوت»، إلا أن «كوخافى» بدا أنه سيتبع سياسة جديدة مختلفة عن سابقه، فعلى رأس سلم الأولويات التى صاغها «كوخافى» المساس بقدرات حركة «حماس» فى قطاع غزة منذ المراحل الأولى للعملية العسكرية، لتحقيق حسم واضح فى القطاع من دون احتلاله، رغم أنه ذات مرة قال: «يمكننا اجتياح غزة». 

«كوخافى» كان مسئولًا عن تغييرات ملموسة داخل الجيش الإسرائيلى، فرغم التوجه فيما عرف بخطة «تنوفا» التى تهدف إلى تقليص القوة البشرية مقابل تطوير التكنولوجيا والاستخبارات، فإنه فى الشهور الأخيرة اهتم على نحو خاص بتعزيز قدرات سلاح المشاة؛ حيث قرر زيادة تعداد القوات المعدة للهجوم البرى وتزويدها بأسلحة متطورة وتدعيمها بقوات خاصة، وشملت الخطة شراء وسائل قتالية حديثة وتوقف استخدام دبابات «ميركافا ٢»، وشراء أسلحة ووسائل رؤية ليلية فائقة التطور، وصواريخ موجهة وذخائر مختلفة، حيث كان الهدف هو توسيع «وحدة الأشباح» المكونة من جنود الكوماندوز، والمتخصصة بكشف العدو فى المناطق المأهولة والشجرية عبر تكنولوجيا سرية، حيث بدأت الوحدة مؤخرًا بتنفيذ عمليات خاصة على الحدود.

بدأ «كوخافى» حياته العسكرية فى لواء المظليين والتحق بكتيبة ٨٩٠، فى الثمانينيات، ثم تدرج بها ليصبح قائد سرية، ثم تدرج حتى وصل لنائب قائد لواء المظليين، وفى عام ١٩٩٨ عند إنهائه الدراسات العليا من جامعة هارفارد فى الولايات المتحدة، تم تعيينه قائدًا للقسم الشرقى من وحدة الاتصال بلبنان من العام ١٩٩٨ حتى ٢٠٠٠، وفى عام ٢٠٠٤ تولى منصب قائد فرقة غزة، حيث استمر فى منصبه حتى ٢٠٠٦، وفى عهده تم فك الارتباط عن غزة، وفى صيف عام ٢٠٠٦ أُسر الجندى جلعاد شاليط وشنت فرقته حملة على غزة سميت حينها «أمطار الصيف»، لكنها فشلت فتمت إقالته من منصبه. 

بشكل ما يمكننا فهم رؤية «كوخافى» إذا عدنا بالزمن للوراء، وفهمنا أى تجربة خاضها كوخافى فى حياته، والمناطق التى خدم فيها فى شبابه، هى ذات المناطق التى عاد إليها بعد أن أصبح رئيسًا للأركان، ونفذ فيها رؤيته، وبشكل ما يمكننا فهم ما الذى سيجده «هاليفى» عندما يدخل مكتب رئيس الأركان فى اليوم الأول.