رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صالح جودت: سنحكي لأولادنا وأحفادنا عن عصر غنت فيه أم كلثوم

صالح جودت
صالح جودت

“أهل الفن في المرآة”، باب أسبوعي ثابت كانت مجلة الكواكب تستكتب من خلاله الفنانين، لإبداء رأيهم في بعضهم البعض، فعلي شبيل المثال، كانت المجلة قد نشرت للموسيقار محمد عبد الوهاب، مقالا بعنوان “عبده الحامولي ومحمد عثمان.. أثرهما في الغناء العربي”، وغيرها من المقالات التي كتبها فنانون ومبدعون.

تحت عنوان “أم كلثوم”، نشرت مجلة الكواكب مقالا للشاعر صالح جودت الذي يستهله مشيرا إلي:"هذه السيدة من أحداث التاريخ الكبري كبناء الهرم، أو فتح الأندلس، أو ثورة 1919 وسوف نزهي علي أولادنا وأحفادنا حينما نروي لهم أننا عشنا في عصر غنت فيه أم كلثوم.

ويصف “جودت” صوت أم كلثوم بأنه: "في صوتها حلاوة جبارة، ولو أنك أرهفت سمعك إلي الراديو وهو يذيع أغنية لها، لأدركت من أسرار حلاوة صوتها سرا لا يفطن إليه الكثيرون، ذلك أن توقيع أوتارها الصوتية أحلي من توقيع أوتار الكمنجة. وهذه ظاهرة لا تجدها عند أحد من أهل الغناء إلا أم كلثوم.

وعن مكونات عبقرية شخصية أم كلثوم يضيف “جودت”: علي أن حلاوة صوتها ليست إلا جزءا محدودا من فنها الضخم، فنها الذي يتألف من عدة عناصر: من شخصية قوية تسيطر علي كل مجلس تكون فيه، وتجبر علي احترامها كل من فيه. ومن ذكاء لماح، لا تفلت منه الخطرة العابرة، ولا تفوته النكتة البارعة. ومن ثقافة واسعة في الفن والأدب والسياسة والحياة، اكتسبتها بغير مدرسة، ولكنها أضخم من ثقافة أية مدرسة.

ومن ذوق أنيق في اختيار الأغنية، ووزن كلماتها وبحرها ولحنها وموسيقاها بميزان شديد الحساسية، مع الإحساس بكل معني من معانيها، وعبقرية التعبير عنه بانفعالات الصوت والوجه معا، ومن وقفة علي المسرح، آمرة ناهية، تأمرك بالصمت، ثم بالإصغاء، ثم تسيح بك في أرفع الأجواء، وقد تغيب بك عن الوجود لحظات، ثم توقظك لتصرخ إعجابا "الله أكبر".

ــ حكاية الأمريكي الذي شغف بصوت أم كلثوم

ويذكر “جودت” واقعة يدلل بها علي حلاوة صوت أم كلثوم قائلا: "أذكر مرة أنني اصطحبت صديقا أمريكيا لا يفهم كلمة عربية واحدة، إلي حفلة لأم كلثوم، وكانت تغني "سلوا قلبي"، فلما قالت: فلم أر غير حكم الله حكما.. ولم أر دون باب الله بابا، همس لي صاحبي قائلا: "إني لست أفهم ما تقول ولكن يخيل لي أنها تناجي الله". فهل هناك روحانية في التعبير أبلغ مما أوحت به إلي هذا الأمريكي؟.

وأذكر مرة أخري، عندما غنت أم كلثوم "الآهات" لأول مرة، أن الستارة نزلت علي نهاية الأغنية، وهي ثابتة في مكانها خارج الستارة، والدموع تنهمر من عينيها، وهي في إغماءة لا لا تشعر بما حولها، ولا بأن الأغنية قد انتهت، ولا بأن الستارة قد أسدلت وراء ظهرها، وظلت في وقفتها دقائق طويلة والجمهور في جنون من التأثر والنشوة.

ــ أم كلثوم أحدثت فارقا في الغناء

ويختتم صالح جودت مقاله مشددا على أن أم كلثوم استحدثت أحداثا فاصلة في تاريخ الغناء، كان لصوتها، حينما غنت "إن كنت أسامح وأنسي الآسية" الفضل الأول في استساغة الناس للأنغام الغربية المستحدثة في الموسيقي الشرقية لأول مرة.

وكان لصوتها حينما غنت علي الأوركسترا لأول مرة في تاريخ الغناء الشرقي، الفضل الأول في إيمان الناس بالأوركسترا بدل التخت. وكان لصوتها، حينما ترنمت ببدائع شوقي وحافظ إبراهيم والخيام، الفضل الأول في تعريف رجل الشارع بالشعر الرفيع. وكان لصوتها، حينما غنت هذه القصائد "سلوا قلبي" و "الهمزية" و "نهج البردة"، الفضل الأول في بعث الروحانية في عصر طغت فيه الماديات.

301662461_3299837476970305_5848712893639411589_n
301662461_3299837476970305_5848712893639411589_n