رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالوهاب: ولدت كبيرًا لم أتدرج فى مراتب الشهرة فى خطوات وئيدة

محمد عبد الوهاب
محمد عبد الوهاب

"أنا غاوي سياسة"، عنوان المقال الذي كتبه موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، ونشر في مجلة الكواكب بتاريخ 28 أكتوبر من العام 1952. 

وفيه يستهل بنبذة عن حياته فيقول: "ولدت موسيقارًا ومطربًا، ولدت "كبيرًا"، لم أتدرج في مراتب الشهرة في خطوات وئيدة، ولكنني ظهرت عام 1924، وكنت في عام 1925 جليس وصديق الكبراء من رجال السياسة في ذلك الحين.

وعن علاقته بالشاعر أحمد شوقي يضيف: "كنت أمضي الوقت مع أمير الشعراء أحمد شوقي في "صولت" ويحف بنا أصحاب النفوذ والسطوة ورجال السياسة والأدب. وكان المرحومان الشيخ عبدالعزيز البشري وسليمان فوزي فرسي رهان في حلبتنا، فتعلمت الكثير من هذه المجالس.

ــ عبدالوهاب في مجالس السياسة والأدب

وعن أثر هذه المجالس يوضح: تعلمت أن أتكلم بحذر وهدوء، وأن أقفل فمي فيما لا أتقنه وأعرفه جيدًا، حتى لا يظهر عجزي أو جهلي بالموضوع المطروح على بساط المناقشة والبحث.

ولما كانت مجالسي كلها تضم الساسة والأحوال السياسية، فقد رأيت أن يكون مكاني بين هؤلاء القوم بارزًا ملحوظًا، وذلك بأن "أفهم" في السياسة وأن أطالع في السياسة وأدرس فنون السياسة، وتطورت نفسيتي، فأصبحت "غاويًا" للسياسة وأصبحت آرائي في شتي ضروبها ذات طابع خاص وميول خاصة وأنصت الكل إلى هذه الآراء، وتحول الإنصات ــ في معظم الأحيان ــ إلى إعجاب وتقدير.

ــ ظهرت على مسرح الغناء في وقت عصيب

ويلفت عبدالوهاب إلى: ولقد ظهرت على مسرح الغناء في وقت عصيب، عصيب بالنسبة لأولئك الذين يضحون بكل شيء في سبيل الاحتفاظ بكرامتهم، وكنت أحد هؤلاء الذين يفضلون الموت جوعًا مع الكرامة التامة على الموت من التخمة مع ازدراء الناس.

وكنت أجلس مع الكبراء والعظماء، وكنت أشعر- وكان هذا الشعور مسيطرًا عليّ بشكل خطير- أن هؤلاء الكبراء ينظرون إلى الفن نظرة ازدراء وتحقير فماذا كنت أفعل؟

رأيت أن أظل دائمًا في حالة طوارئ؛، حالة الدفاع عن كرامتي كفنان، وماذا أملك من الأسلحة سوى الكبرياء. لهذا كنت أدخل إلى مجالس هؤلاء الكبراء وقد "نفشت" نفسي، متعاليًا عليهم، متغاضيًا عنهم . وكنت في الوقت نفسه أظهر الود والالتفات والرعاية لمن يكونون في المجلس من البسطاء ورقيقي الحال.

وظللت هكذا، كلما دخلت مجلسًا يضم كبراء وبسطاء اندمجت مع البسطاء، متجاهلًا الكبراء، حتى يظهروا لي احترامًا يليق بفنان وإنسان يشعر أنه ليس بأقل منهم مركزًا وفهمًا. وإنني أذكر - لا على سبيل التفاخر - أن هذه المعاملة التي كنت أعامل بها هؤلاء النفر من المتعالين المتعاظمين قد أجدت في توفير الاحترام للفنانين من أهل الموسيقى والطرب.

ــ كرامة "تختي" من كرامتي

وحدث في مستهل حياتي الفنية، أن دعيت لإحياء حفل في منزل كبير، فصحبت أفراد التخت إلى منزل هذا الكبير، وجلس حولي أعضاء التخت، وحان موعد ــ فتح البوفيه ــ وتقدم صاحب الحفل نحوي وقال لي: "اتفضل البوفيه يا أستاذ"، وكنت متثاقلًا، فتحركت ببطء ولكن أفراد تختي - وقتذاك - كانوا من ذوي الهمم والنشاط، فتحركوا بسرعة نحو البوفيه، وإذا بيد صاحب الحفل تمتد إلى الطريق وإذا به يقول بصلف وكبرياء: "لا .. الأستاذ بس"، وكنت قد وقفت، فتحركت نحو الباب لا نحو البوفيه، إلى الطريق، ورفضت إحياء الحفلة ذودًا عن كرامة أفراد التخت لأنهم قطعة مني، وكرامتهم من كرامتي.

ولقد حاول عبثًا صاحب الحفل، أن يعتذر ولكن كيف أغني في بيت رجل يشعر أنه "يكارمني" إذا ما دعاني إلى الجلوس مع ضيوفه الأكرمين؟ ومن يومها وأصحاب الحفلات يعرفون أن المطرب وأعوانه الموسيقيين وحدة لا انفصام لها.