رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراه.. شارل بودلير النرجسي والعاكف على تأمل نفسه

شارل بودلير
شارل بودلير

شارل بودلير، الشاعر الناقد الفرنسي، والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1867، واحد من رواد قصيدة النثر والحداثة في أوربا خلال القرن التاسع عشر.

تمتع شارل بودلير بطابع سوداوي وكان شديد القلق، كما كان يحمل بداخله قناعة أن الإنسان يحمل بداخله الكثير من الطباع الفاسدة، بعكس ما قال به فلاسفة عصره، وبالرغم من هذا حاول أن يتصالح مع عصره.

ومن أشهر أعمال شارل بودلير ديوانه “أزهار الشر”، والصادر لأول مرة في العام 1857، والذي خلق حالة من الجدل في الأوساط الثقافية الأوروبية والغربية في عمومها، حتي أن الديوان ساقه إلي ساحات المحاكم، وتمت مصادرة الديوان، وعندما أعيدت طباعته، صدر في طبعة ناقصة بعدما حذف منها ما أثار الجدل والقلق.  

ــ شارل بودلير النرجسي العاكف علي تأمل نفسه

في تقديمه لديوان “أزهار الشر”، للشاعر الفرنسي شارل بودلير، يذهب مواطنه الفيلسوف جان بول سارتر، إلي أن شارل بودلير: "موقف بودلير الأصلي هو موقف العاكف علي نفسه يتأملها كنرسيس الأسطورة. فليس لديه شعور مباشر لا تخترقه نظرة مرهفة. نحن عندما نتأمل مثلا شجرة أو بيتا نستغرق في هذه الأشياء وننسي أنفسنا، أما شارل بودلير فأنه لا ينسي نفسه أبدا. فهو يتأمل نفسه عندما يتأمل الأشياء. وهو ينظر إلي نفسه ليري نفسه ينظر. إنه يتأمل شعوره بالبيت وبالشجرة لذا لا يراها إلا أشد ضألة  وأقل وقعا كما لو كان ينظر إليها ينظر إليها من خلال عدسة مصغرة. فلا تدل إحدهما علي الأخري كما يدل السهم علي الطريق أو الإشارة إلي الصفحة.

ويلفت “سارتر” إلي أن: فكر شارل بودلير لا يضيع أبدا في متاهاتها ولكن علي العكس يري أن المهمة المباشرة لها هي أن تعيد له شعوره بذاته. لقد كتب يقول: “ما يهم ما تستطيع أن تكون الحقيقة الموضوعة خارج نفسي إذا هي ساعدتني علي أن أعيش وأن أشعر إني موجود ومن أنا”.

وفي نفسه كان همه ألا يظهر الأشياء إلا من خلال جدار سميك من الشعور الإنساني عندما يقول في كتابه “الفن الفلسفي”: ما هو الفن الخالص في المفهوم الحديث، هو أن تخلق سحرا متلاحقا يحتوي الموضوع والعلة معا، والعالم الخارجي للفنان والفنان نفسه. بشكل يستطيع معه إلقاء محاضرة بعنوان “ضألة الحقيقة في العالم الخارجي”، ذرائع انعكاسات أطر الأشياء كلها لا قيمة لها مطلقا بذاتها، وليس لها من مهمة سوي أن تعطي الفنان فرصة تأمل نفسه وهو يراها.  

ويوضح جان بول سارتر أن: لــ شارل بودلير مسافة تفصله عن العالم هي ليست مسافتنا نحن، فبينه وبين الأشياء تتدخل دائما نصف شفافية لزجة قليلا، معطرة كثيرا كأنها ارتجاف هواء الصيف الحار وهذا الشعور المراقب والذي يشعر بأنه مراقب وهو يقوم بأعماله العادية، يفقد الإنسان عفويته كالطفل الذي يلعب في ظل مراقبة الكبار. هذه العفوية التي كرهها شارل بودلير بقدر ما ندم علي حرمانه منها. هو لا يملكها مطلقا، فكل شئ عنده مزيف لأنه مراقب، فأتفه نزوة وأقل رغبة تولد مراقبة ومحلولة الرموز.