رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المفكر النبيل.. الشيخ مصطفى عبد الرازق

المفكر النبيل.. لم أطلق عليه هذا الوصف وإنما الذي أطلقه هو الأديب العالمي صاحب نوبل نجيب محفوظ، وذلك في حواره الذى أجراه في مطلع القرن الحادي والعشرين عن بعض أساتذته الذين تأثر بهم وتعلم منهم، وكان الحديث عن الشيخ الدكتور الذى كان يعتبره أعظم شخصية دينية في زمنه، فقد كان عالماً عظيماً يقربك بروحه العظيمة وأدبه الجم من إشراق وحقيقة الدين.

الشيخ مصطفى عبدالرازق إلى اليمين وعلى يمينه شقيقه على عبدالرازق

هكذا كان أحد أكبر علماء الأزهر الشريف، الشيخ الدكتور مصطفى عبدالرازق، الذي ولد في عام 1885 م وانتقل إلى جوار ربه عام 1947 م، فعاش اثنين وستين عاماً ملأها كلها بالعلم والفكر والأدب والأخلاق الرفيعة وتعليم الناس، وتقلد خلالها العديد من المناصب، على رأسها أنه كان شيخاً للأزهر الشريف ووزيراً للأوقاف ثماني مرات.

لم يكن سهلاً في هذا الزمان أن يأتي شاب من صعيد مصر على قدمين ثابتتين ينهى دراسته في الأزهر الشريف ولا يكتفى بها، بل يذهب إلى "السوربون"، أكبر جامعات فرنسا، ليكمل دراسة الدكتوراه التي كان موضوعها "الإمام الشافعي أكبر مشرعي الإسلام".. كان تحدياً صعباً خلق منه شخصية غير عادية تختلف عن الكثير من أهل زمانه.  

لو تأملنا حياة الأديب العالمي نجيب محفوظ لوجدنا أن الدكتور مصطفى عبدالرازق من أهم الشخصيات التي أثرت في حياته، وذلك حسب شهادته هو، فقد كان أستاذا له في كلية الآداب يدرس مادة الفلسفة، والتي فتحت لصاحب نوبل آفاقا جديدة وعالما كبيرا من أبواب المعرفة.

كانت له طريقته الخاصة في التدريس، فكان يعطى لكل طالب نصاً يقرأه ويفهمه وينقده بعقله، ثم يفتح لهم باب بيته يأتون إليه يناقشونه في الأدب والفلسفة والفكر والحياة العامة، ويسمح لهم باستعارة الكتب من مكتبته الخاصة، فكان مثالاً للرجل الحكيم الذي كانت تحكى عنه الروايات القديمة.

الشيخ مصطفى عبد الرازق

كان مثالاً للحرية الموزونة والهدوء غير المفتعل، والكرم الحقيقي والإنسانية في أبهى صورها، والسماحة في أبهى معانيها، وكان مثالاً للوقار مع الروح الجذابة الحقيقية، كما كان جذاباً في صورته والزى الأزهري الذي كان يحافظ عليه ويعتز به طوال عمره، ولم يحدث أبداً أن خالف كلامه فعله.  

كل ما ذكرتُ هو ملخص لكلام الأديب الكبير نجيب محفوظ عن أستاذه الشيخ الدكتور مصطفى عبدالرازق، الذي ظل على علاقة به إلى أن توفاه الله، وحينما اتجه الأستاذ نجيب محفوظ من الفلسفة إلى الأدب ونشر بعض كتبه أهداها للشيخ الدكتور، فأهداه روايات: «كفاح طيبة، ورادوبيس، والقاهرة الجديدة»، وغيرها، مما أثار دهشة الشيخ الذى كان يظن أن محفوظ يسعى نحو استكمال دراسة الفلسفة وليس الأدب، لكنه كان يقرأ الروايات ويناقشه فيها بوعى الأديب الفنان، حتى إنه قال لأولاده إنه بكى وهو يقرأ إحدى روايات الأديب الكبير.  

وللحديث بقية عن المفكر النبيل.. الدكتور مصطفى عبدالرازق.