رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المهمة الصعبة لمحافظ البنك المركزى

مهمة محافظ البنك المركزى الجديد مهمة ثقيلة، عمل المحافظ يجمع بين المهارة الفنية والحس السياسى ويوازن بينهما بميزان الذهب، لا يمكن إعطاء أولوية لما هو سياسى على ما هو فنى، ولا ما هو فنى على ما هو سياسى.. أحد التحديات الصعبة أمام المحافظ الجديد حل مشاكل استيراد مستلزمات الإنتاج والقطاع الخاص بشكل عام.. من المفهوم طبعًا أن تقليل الاستيراد استراتيجية عامة لصانع القرار هدفها توفير العملة الصعبة ودعم المنتج المحلى كطريق لزيادة الصادرات فيما بعد.. هذه السياسة كانت تحتاج لمهارة فنية كبيرة لتنفيذها ولمرونة فى التعامل مع الاستراتيجية العامة دون تعنت أو استخدام للقوة فى غير محلها.. هناك فرق بين استيراد السلع الاستهلاكية واستيراد مستلزمات إنتاج السلع المصرية! منع استيراد مكونات الصناعة المصرية كان نوعًا من عدم المهارة وعدم التوفيق وأدى لتوقف عشرات الصناعات وارتفاع أصوات أصحابها بالشكاوى.. من المستحيل أن تمنع استيراد سلعة وتمنع أيضًا استيراد ما يلزم لإنتاجها فى مصر! لأن هذا سيؤدى لارتفاع أسعار وكساد وتسريح عمالة وعشرات الآثار السلبية التى تمحى أى فائدة حققها توفير الدولار.. فى وقت ما مثلًا تم منع استيراد السيارات وهذا قرار صائب لعدة اعتبارات، لكن الملفت أنه تم التضييق على استيراد قطع غيار السيارات أيضًا!! أنا كصاحب سيارة قديمة لن أسعى لتغييرها ما دامت قطع غيارها متوافرة، ولكن عندما يتم منع استيراد قطع الغيار أيضًا فستتعطل سيارتى تمامًا! لهذا يقال إن القرارات فى هذا المنصب الحساس يجب أن توزن بميزان الذهب.. ما يدعو إلى التفاؤل أن محافظ البنك المركزى الجديد يأتى إلى منصبه مسبوقًا بسمعة مهنية ممتازة وبمسيرة عمل تمتد إلى أربعين عامًا ارتبطت كلها بخبرات دولية وبنجاحات متتالية، حيث قضى الجزء الأول من حياته فى العمل فى فرع البنك العربى الإفريقى فى نيويورك عاصمة المال والأعمال فى العالم، وهو ما أتاح له اكتساب خبرة كبيرة مكنته من تطوير البنك الذى كان يعمل به وتحويله لواحد من أكبر البنوك المصرية خلال سنوات قليلة، حيث أدخل للسوق المصرية خدمات مصرفية لم تكن معروفة من قبل مثل حسابات المرتبات وغيرها من الأفكار التى كنا قد تأخرنا فى التعامل معها، ولا شك أن نجاحه فى إدارة كيان ضخم وحساس مثل الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية كان أحد عوامل تزكيته لهذا المنصب المهم لدى صناع القرار، فالمسئول فى مثل هذا المنصب المهم يكون فى بؤرة الضوء على مستويات متعددة ويقاس أداؤه بمقياس رفيع على مستويات مختلفة.. التفاؤل بالنجاحات التى حققها محافظ البنك المركزى وخبرته الكبيرة فى العمل المصرفى والإدارة وتفهمه عقلية المستثمر وكيفية إدارته مصلحة البلد، كل هذا لا ينفى أن المهمة صعبة، وأن ما يزيد من صعوبتها هو تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، فالتاريخ لا يعود للوراء، والتفاوض مع صندوق النقد مهمة صعبة لأنها تستدعى الموازنة بين العامل الاجتماعى والعامل الاقتصادى والعامل السياسى، لذلك تسمى «مفاوضات».. وبكل تأكيد علينا أن نحصل على أفضل شروط ممكنة ومناسبة لظروفنا، لكننا أيضًا لا نستطيع أن نغير الطريق بعد أن قطعنا أكثر من نصفه لنبدأ طريقًا جديدًا.. هذا نوع من العبث، لقد تعاونا مع الصندوق بعد ثلاثة أعوام انهار فيها الاقتصاد المصرى عقب ثورة يناير ٢٠١١، ونفذنا إجراءات صعبة بالفعل وحصدنا بعض النتائج الجيدة لولا الأزمة العالمية، ولكن ذلك لا يعنى أن نعود لنبدأ المشوار من أوله.. وهنا تظهر أهمية خبرة محافظ البنك فى التفاوض وإيجاد الحلول وتقديمها لصانع القرار، فى نفس الإطار تبدو الموازنة بين ثبات سعر الفائدة ومقاومة التضخم أمرًا صعبًا جدًا يحتاج لخبرة كبيرة، عدم زيادة سعر الفائدة يدفع الناس لتشغيل أموالهم فى السوق، ويضمن لرجال الأعمال الجادين قروضًا بنكية بفائدة مقبولة.. لكنه من زاوية أخرى قد يزيد التضخم أو ارتفاع الأسعار نتيجة وجود نقود فى أيدى الناس بدلًا من وجودها فى البنوك.. مهام صعبة نرجو من الله أن يعين المحافظ الجديد للبنك المركزى عليها، كما نرجو أيضًا من ملايين الخبراء الافتراضيين على «فيسبوك» أن يتركوا الرجل يعمل بدلًا من الإفتاء فيما لا علم لهم به، ولا شأن لهم فيه «من الناحية الفنية على الأقل» لكنها عادتنا ولن نشتريها.. أعاننا الله على أنفسنا.. وأعان أنفسنا علينا.. وهو دعاء لو استجاب له المولى سبحانه وتعالى لحلت كل مشاكلنا فى سنوات قليلة للغاية.. ولكن الله قادر على كل شىء.