رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يرويها صلاح عيسى.. حكاية جزار استغل «خط الصعيد» لترويج الحشيش

خط الصعيد والفرقة
خط الصعيد والفرقة التي قبضت عليه

خط الصعيد، اسم نشر الرعب والجريمة في النصف الأول من القرن العشرين في مصر، وتعددت حوله الحكايات حتى صار أسطورة تروى، ما بين متعاطف يبرر له جرائمه وكونه ضحية لظروفه، وبين من يراه مجرد مجرم من آلاف المجرمين، لكن الكاتب الصحفي صلاح عيسى يتناول زاوية أخرى من قصة خط الصعيد، ألا وهي “جمعية المنتفعين به”، وهنا لا نعني فقط الإقطاعيين والأثرياء الذين كانوا يقدمون له الخدمات ويحمون ظهره فقط، إنما أيضا من استغلوا اسمه وشهرته في تحقيق أغراضهم الإجرامية.

ــ قصة جزار استغل اسم “خط الصعيد” للترويج لبضاعته

يشير صلاح عيسى في كتابه “أفيون وبنادق” والصادر عن دار المحروسة للنشر، إلى أن الصحف كانت قد أعلنت عن مكافأة قدرها 1000 جنيه لمن يرشد عن مكان الخط. 

في لوكاندة “الشامي” حيث مقر محمد هلال قائد الفرقة المكلفة بالقبض على خط الصعيد، يدخل جزار ويطلب مقابلة محمد هلال، يسأله الأخير عن سبب المقابلة، فيجيبه بأنه مستعد للإرشاد عن خط الصعيد، وأردف أنه لا يطمع في الألف جنيه التي خصصتها الحكومة لمن يرشد عن خط الصعيد، لكنه طامع في صداقة الرجال لا أكثر ولا أقل.

قال الجزار إنه صديق خط الصعيد، ومسموح له بزيارته والتردد عليه، وسأله محمد هلال عن الوسيلة التي يمكن أن يقع بها خط الصعيد، فرد الجزار بأنه سيزور الخط في مخبئه وسيخطر الضابط تليفونيا أو تلغرافيا ليتخذ إجراءاته ويرسم خطته للإيقاع به. 

ويضيف صلاح عيسى: وفي كلمات متعثرة اقترح الجزار أن يزود بخطاب رسمي يمكنه من الحصول على مساعدات من رجال البوليس في بني سويف لتسهيل مهمته، فتمت الموافقة علي طلبه.

ــ الجزار ينقل المخدرات بخطاب رسمي

ويمضي صلاح عيسي موضحا: وفي اليوم التالي كان الجزار يقف في شرفة القطار المسافر إلى بني سويف وهو يحمل في جيبه خطابا من مديرية أسيوط إلى مديرية بني سويف، ولكافة الجهات الإدارية أن تقدم لحامله كل التسهيلات التي يطلبها، لأنه في مهمة تتعلق بالقبض على المجرم الفار خط الصعيد “محمد محمود منصور”، وصرفت له مديرية أسيوط استمارات سفر مجانية بالدرجة الثانية، وفرض المدير أن يقدم له منحة تحت الحساب من المصاريف، ولكنه رفض بشدة. 

وتحرك القطار بالجزار وحبس محمد هلال أفندي نفسه في لوكاندة الشامي، في انتظار المكالمة الموعودة التي ستنهي كل شيء، وعندما دق التليفون أخيرا، قال الجزار إنه زار “صاحبه” ــ خط الصعيد ــ في بيته، وفهم منه أنه سيغير مكانه إلى آخر، وسينقل من السكن، وقال إنه من غير المفيد زيارته الآن، لأنه سيرحل بين لحظة وأخرى، وفي المساء تقابل الضابط محمد هلال والجزار، وانتهى الاجتماع بالاتفاق على الانتظار ثلاثة أيام أخرى، يسافر خلالها الجزار إلى بني سويف، ويطمئن علي المقر الجديد لـ “خط الصعيد” قبل أن يبدأ الهجوم عليه.

ــ مفاجأة غير متوقعة من الجزار

ويتابع صلاح عيسى روايته عن الجزار الذي استغل اسم خط الصعيد في نقل المخدرات، وهو يحمل خطابا رسميا بتسهيل مهمته: وخلال الأسبوع التالي كان الجزار، ينتقل بين المديرية ذهابا وإيابا، باستمارات سفر رسمية، ومعه أوراق اعتماده كمندوب فوق العادة .

وفي الليلة السابعة، أعاد السفير التأكيد بأن خط الصعيد سيقع، وأنه سيسافر في الصباح إلى بني سويف لإعداد الترتيبات النهائية للخلاص منه، ثم انصرف تاركا تمنياته للبوليس، وتحياته للباشا المدير.

وفي الصباح استقل الجزار القطار في رحلته الأخيرة، وقبل أن يغادر القطار الرصيف خرج محمد هلال أفندي مسرعا من حجرة ناظر المحطة وهو يرتدي ملابس بلدية، وبرفقته أعوانه بنفس الملابس، وقفز في آخر عربات “الإكسبريس” وهي على حافة الرصيف. وتوقف القطار في محطة ديروط، ثم تحرك في اتجاه منفلوط، وبين المحطتين فوجئ الجزار بهلال أفندي أمام مقعده الفاخر بالدرجة الثانية.

وقبل أن يفيق من دهشته كان الضابط محمد هلال قد مد يده إلى “قفة” وضعها الجزار تحت مقعده، وكشف غطاؤها، فإذا به وجها لوجه أمام الخط. لم يكن الخط الذي أمامه بشرا، ولكن اسما مكتوبا على قماش. أما ما كان يحويه القماش فهو: حشيش. كان بالقفة أربع عبوات من الحشيش ماركة “الخط”. وأنكر السفير فوق العادة بالطبع أن الحشيش ملكه، وغضب لكرامته وثار للشك فيه، بينما أخذ هلال أفندي يضحك بشدة ومرارة.