رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«معلومات الوزراء» يستعرض أسباب الموجة التضخمية التي يشهدها العالم

الموجة التضخمية
الموجة التضخمية

نشر مركزالمعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، النشرة الأسبوعية، اليوم الجمعة، تحت عنوان "الأزمة العالمية وغلاء الأسعار".

وقال المركز في نشرته: إنه "في خضم كل أزمة، يبحث الإنسان دومًا عن حلول للتغلب عليها. ذلك هو حال الإنسانية في مواجهة موجات التضخم الراهنة، التي تعصف بأقاليم العالم أجمع، بدرجات متفاوتة. واليوم، نلقي الضوء على باقة من هذه الحلول الجيدة، التي يمكن الاستفادة منها للتخفيف من وطأة ارتفاعات الأسعار".

وتابع: "فاجأت الزيادة الأخيرة في معدلات التضخم في جميع أنحاء العالم الكثيرين، فاعتبارًا من أوائل عام 2022، كان كل من التضخم العام (أسعار جميع السلع والخدمات) والتضخم الأساسي (باستثناء الغذاء والطاقة) أعلى بكثير من الهدف في معظم الاقتصادات المتقدمة والعديد من الأسواق الناشئة"، مشيرًا إلى أنه بالنظر إلى العوامل وراء هذا التضخم المرتفع، يلاحظ أنها ترجع إلى أسباب عديدة من بينها:

أولًا: اختناقات سلسلة التوريد؛ حيث كان للجائحة تأثيران منفصلان على سلاسل التوريد العالمية. في المرحلة المبكرة، أدت عمليات الإغلاق والقيود المفروضة على التنقل إلى اضطرابات شديدة في سلاسل التوريد المختلفة، مما تسبب في نقص الإمدادات على المدى القصير. وفي المرحلة اللاحقة من الوباء، ظهرت اختناقات مختلفة في سلسلة التوريد نتيجة للطلب الإجمالي القوي من الانتعاش الاقتصادي، والزيادة الحادة في الطلب النسبي على السلع المعمرة، والاكتناز والشراء بدافع الذعر.

ثانيًا: تحول في الطلب نحو السلع وبعيدًا عن الخدمات؛ حيث أحدث الوباء تحولًا مهمًا أوليًا فيما يشتريه المستهلكون، وارتفع الإنفاق على السلع بشكل كبير. وبالتالي، فإن الكثير من الارتفاع في التضخم على المدى القريب يعكس التضخم في السلع المعمرة (بما في ذلك السيارات المستعملة)، في حين أن تضخم الخدمات زاد بشكل معتدل فقط.

وقد تستمر هذه التحولات فقط خلال المرحلة النشطة للوباء، ولكن قد يستمر جزء على الأقل من التحول في الطلب نحو السلع والابتعاد عن الخدمات نظرًا للكيفية التي أعاد بها الوباء تشكيل المجتمع، حيث يتحول الناس إلى الكثير من العمل من المنزل؛ ما قد يؤدي إلى حدوث بعض التغييرات في أنماط الطلب تمامًا.

ثالثًا: التحفيز الكلي والتعافي بعد الجائحة: تم الإعلان على مستوى العالم عن تدابير مالية بقيمة 16.9 تريليون دولار لمكافحة الوباء، مع دعم أكبر نسبيًا في الاقتصادات المتقدمة. وثارت تحذيرات من أن الحافز المالي الكبير، إلى جانب الظروف النقدية السهلة، من شأنه أن يؤدي إلى تضخم مرتفع ومستمر من مجموعة تعرف باسم "الفريق المستمر".

رابعًا: صدمات إمدادات الطاقة والغذاء بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية: أدت الأزمة إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وهو ما سيعني حتمًا ارتفاع التضخم على مستوى العالم، حيث تعد كل من روسيا وأوكرانيا مصدرين للسلع الأساسية، وقد تسببت الاضطرابات الناجمة عن الحرب والعقوبات في ارتفاع الأسعار العالمية، خاصة بالنسبة للنفط والغاز الطبيعي. كما قفزت أسعار المواد الغذائية، حيث سجلت أسعار القمح مستويات قياسية- تمثل أوكرانيا وروسيا 30% من صادرات القمح العالمية. ستؤدي هذه التأثيرات إلى استمرار التضخم لفترة أطول مما كان متوقعًا في السابق. ومن المرجح أن يكون التأثير أكبر بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل والأسواق الناشئة، حيث يمثل الغذاء والطاقة حصة كبرى من الاستهلاك (تصل إلى 50% في إفريقيا).

تفاقم ارتفاع الأسعار بسبب الأزمة الأوكرانية يزيد من المخاطر العالمية

منذ أواخر عام 2021، هددت الضغوط التضخمية المتزايدة بإبطاء زخم الانتعاش الاقتصادي في عام 2022، وارتفعت المخاطر التصاعدية للتضخم في "منطقة اليورو" (Eurozone)، وتأثيره على النمو بشكل حاد في أعقاب اندلاع الأزمة الأوكرانية.

ومن المتوقع أن تؤدي الزيادات الكبيرة في أسعار السلع والطاقة، والضغوط المستمرة في سلسلة التوريد العالمية، إلى إطالة فترة التضخم المرتفع، ورغم  صعوبة التنبؤ بمسار الأزمة الروسية الأوكرانية وعواقبها، فإنَّ الصراع الذي طال أمده يمكن أن يعني ضمنًا ارتفاع التضخم المستمر، وحتى نتائج نمو أقل مما هو متوقع حاليًا.

وعليه، يمكن أن يؤدي ارتفاع التضخم، وانخفاض النمو إلى زيادة تقلبات السوق، وتحدي قدرة خدمة الدين مع ارتفاع تكاليف التمويل، وتجدر الإشارة إلى أنَّ عواقب الأزمة، والتحول إلى بيئة منخفضة النمو، ومرتفعة التضخم سيؤثران فعليًا على كل جانب من جوانب النشاط الاقتصادي وظروف التمويل.

في المقابل، قد لا تتضخم هذه التطورات فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى تجسيد مواطن ضعف الاستقرار المالي الموجودة مسبقًا، والتي تم تحديدها في الإصدارات السابقة من "تقرير الاستقرار المالي" (Financial Stability Review)، والصادر عن "البنك المركزي الأوروبي" (European Central Bank). وتتعلق هذه المخاوف المتزايدة بالقدرة على تحمل الديون في القطاعات غير المالية، أو إمكانية إجراء تصحيحات في كل من أسواق الأصول المالية، والأصول الملموسة.

أزمة الغذاء العالمية وأسبابها

أدت الأزمة الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. فقد شهدت أسعار السلع الزراعية العالمية ارتفاعًا مستمرًا منذ منتصف عام 2020 على خلفية التعافي من جائحة "كوفيد-19"، وارتفاع أسعار الأسمدة والطاقة، والتدهور العالمي لظروف الاقتصاد الكلي.

هذا، وقد أدت الأزمة الأوكرانية إلى تفاقم الوضع، ودفع أسعار السلع إلى أعلى، وقللت من توافر الغذاء في جميع أنحاء العالم. ووفقًا لـ"الأمم المتحدة" (United Nations)، ارتفعت  أسعار الغذاء العالمية في مايو 2022 بنسبة 30% تقريبًا مما كانت عليه قبل عام.

وتجدر الإشارة إلى أنَّ روسيا وأوكرانيا تنتجان نحو 30% من إمدادات الذرة والقمح في العالم، وأكثر من نصف إمدادات العالم من زيت عباد الشمس، وتُعدّ روسيا منتجًا ومصدرًا رئيسًا للأسمدة، مثل الأسمدة النيتروجينية، والتي تعدُّ أساسية لضمان إنتاج الأغذية الزراعية.

ووفقًا لبرنامج الغذاء العالمي التابع لـ"الأمم المتحدة"، يمكن أن يزداد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار 47 مليونًا في عام 2022، مع أعلى نمو في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وبالتالي، فإنَّ الأسواق الناشئة والدول النامية هي الأكثر معاناة من آثار الأزمة العالمية؛ حيث من المتوقع أن ينمو متوسط ​​التضخم أكثر في هذه الدول بنسبة 8.7%.

ماذا عن الأسباب وراء أزمة غلاء المعيشة العالمية؟

بلغ التضخم السنوي في بريطانيا أعلى مستوى له في 40 عامًا، حيث وصل إلى 9% في أبريل 2022، وفي الولايات المتحدة الأمريكية كان معدل التضخم السنوي في الشهر ذاته 8.3%، لكن ارتفاع التكاليف لا يمثل مشكلة فقط في الأجزاء الأكثر ثراءً من العالم، حيث من المقرر أن يصل التضخم العالمي السنوي إلى 6.7% هذا العام، وفقًا للأمم المتحدة. وبالنظر إلى العوامل وراء ذلك نجد أنها تتمثل في عدد من الأزمات والمشكلات العالمية وفي مقدمتها:

جائحة "كوفيد-19": مثَّل انتشار جائحة "كوفيد-19" صدمة اقتصادية كبيرة في ظل إغلاق الحدود والشركات والمصانع، ولكن من نواحٍ عدة، لم يبدأ التضخم في الظهور إلا عندما بدأ العالم في التعافي من تلك الصدمة الأولية. وكان جزء من هذا نتيجة لما يسميه الاقتصاديون "التأثيرات الأساسية"- أي لأن الأسعار كانت ثابتة أو حتى في انخفاض خلال أسوأ فترات الوباء، أصبح التضخم قصير الأجل أكثر وضوحًا، حيث بدأ من قاعدة منخفضة.

مع انخفاض الطلب والقيود المفروضة على السفر، انقلبت سلاسل التوريد رأسًا على عقب، وعندما خرجت البلدان من الإغلاق، غالبًا ما كانت هناك زيادة في الطلب أدت إلى ارتفاع الأسعار خاصة للخدمات، مثل السياحة.

الأزمة الروسية الأوكرانية: أثرت الأزمة بشكل خاص على الطاقة والغذاء، وكلاهما قطاعان رئيسان يرتفع فيهما التضخم. وفي ظل العقوبات المفروضة على موسكو، المصدر الرئيس للطاقة، ارتفعت أسعار الطاقة للعديد من الأسر.

وفي الوقت نفسه، غالبًا ما يُشار إلى أوكرانيا ومنطقة البحر الأسود الأوسع نطاقًا باسم "سلة خبز" أوروبا بسبب إنتاجها من القمح والذرة والسلع الزراعية الأخرى. ومع فقدان جزء كبير من هذا الإنتاج بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية وتقترب الآن من مستويات قياسية.

تباطؤ الاقتصاد الصيني: لسنوات عدة، كانت الصين عاملًا رئيسًا وراء النمو الاقتصادي العالمي. لكن المشكلات الاقتصادية للبلاد والخروج المطول من سياسة "الوباء الصفري" تُسهم في مشكلة التضخم العالمي. وكانت الصين قد مارست ضغوطًا على الأسعار العالمية من خلال فرض قيود التصدير على السلع الدولية الرئيسة، بما في ذلك الأسمدة والصلب. واتخذت الصين هذه الإجراءات وسط مخاوف بشأن ارتفاع الأسعار في الداخل، لكن في ظل الاقتصاد الكبير وكونها مستهلكًا للسلع الدولية، فكان لذلك تأثيرات كبيرة على السوق العالمية.

التغير المناخي: يُنظر بشكل متزايد إلى الأحداث المناخية التي لا يمكن التنبؤ بها، مثل حالات الجفاف التي تلحق الضرر بالمحاصيل والعواصف التي تقلب طرق التجارة، على أنها عامل رئيس في ارتفاع تكلفة المعيشة. ففي الهند، على سبيل المثال، استجابت الحكومة لموجة حر قاسية أدت إلى ضغوط على الملايين من خلال حظر صادرات القمح. ورغم أنها تمثل ما يقرب من ثلث إمدادات القمح في العالم، وسبق أن تعهدت بالمساعدة في "إطعام العالم" وسط أزمة الغذاء المستمرة، لكن بعد ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير متوقع في موجة الحر التي أوضح العلماء أنها تفاقمت جراء التغير المناخي العالمي، تم حظر هذه الصادرات.

كذلك عانت البرازيل، وهي مصدر رئيس آخر للأغذية، من الجفاف العام الماضي الذي أصاب صناعتها الزراعية، وبلغ معدل التضخم في البلاد أكثر من 12% في أبريل الماضي. وفي الوقت نفسه، فإن الجهود المبذولة للانتقال إلى الاقتصاد الأخضر تضع مزيدًا من الضغط على أسعار السلع مثل، الليثيوم المستخدم في البطاريات والنحاس في الأسلاك وشرائح الكمبيوتر.

التضخم يقود التضخم: يجادل بعض الاقتصاديين بأن التضخم نفسه يمكن أن يؤدي إلى مزيد من التضخم إذا بدأ العمال والشركات في توقع ذلك والمطالبة برواتب أعلى أو تحديد أسعار أعلى للسلع- مما يخلق، نبوءة تحقق ذاتها. وفي الواقع هناك طرق أخرى يمكن أن يؤدي بها التضخم في بلد ما إلى تضخم في بلد آخر. فقد أدى التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ارتفاع قيمة الدولار، حيث توقع المستثمرون ارتفاع أسعار الفائدة.

في الوقت نفسه، وجدت العديد من البلدان أن عملتها أقل قيمة بكثير مما كانت عليه قبل عام أو عامين. ففي تركيا، حيث انخفضت قيمة الليرة، ما يعني أن الواردات تكلف مبالغ ضخمة من المال (التضخم السنوي في تركيا يقترب من 70%). كما ستضرب الزيادات في أسعار الفائدة البلدان المثقلة بالفعل بالديون، مما يجعل من الصعب عليها التخفيف من التضخم.

معدل التضخم
معدل التضخم
التضخم
التضخم
التضخم العالمي
التضخم العالمي
الازمة العالمية والاسعار
الازمة العالمية والاسعار
الازمة الروسية الاوكرانية
الازمة الروسية الاوكرانية