رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دور مصر فى العالم

الجولة الأخيرة للرئيس السيسى وما تلاها من زيارة وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف لمصر يستحق التوقف أمامها.. لقد بدأ الرئيس جولة سريعة فى أعقاب قمة جدة أو القمة «الأمريكية- العربية»، زار خلالها ثلاث دول غربية كبرى هى ألمانيا وفرنسا، وزار أيضًا جمهورية صربيا وهى وريثة يوغوسلافيا الاتحادية، الدولة التى شاركت مصر فى تأسيس حركة عدم الانحياز وجمع بين مؤسسها «جوزيف تيتو» ورؤساء مصر أوثق العلاقات الإنسانية والفكرية.. الفكرة أن عالم السياسة يختلف عن عالم العلاقات الإنسانية.. إذا لم يكن لدى السياسى ما يقوله فلن يستمع له أحد.. فى علاقات الدول لا يقابل رئيس دولة رئيسًا آخر إلا إذا كان فى الأمر مصلحة كبرى.. أو فائدة كبيرة.. أو إذا كان الكلام الذى يقوله الضيف لا يشبه ما هو متداول ومطروح فى سوق السياسة العالمية.. الفكرة أن العالم فى أزمة كبيرة.. بدأت سياسية وأسفرت عن معاناة اقتصادية كبيرة للكبير مثل الصغير والغنى مثل الفقير.. وإن كان الفقراء يعانون أكثر بطبيعة الحال.. لقد بدا أن أوروبا التى قادت العالم عقودًا طويلة فى الماضى قد تسرعت فى قراراتها ضد روسيا.. وأنها تدفع ثمن هذا التسرع فى شكل أزمة كبيرة فى الطاقة ليس من السهل حلها.. وتحالفت أزمات المناخ والتضخم لتضاعف من معاناة هذه القارة، التى كنا نظن أنها عبرت نحو الرفاهية منذ سنوات طويلة بلا عودة.. وأن خبرة سياسييها المتوارثة تكفل لها دائمًا أن تكون فى الجانب الرابح من العالم.. لكن الأزمة كانت لها ضروراتها وتداعياتها.. وبدا فجاة أن العالم مقسوم لمعسكرين أو ثلاثة معسكرات على وجه الدقة.. وأن هذه المعسكرات فى حاجة لمن يتوسط بينها وبين بعضها البعض أو يتحاور معها جميعًا وينقل وجهات نظرها لبعضها البعض نقلًا أمينًا إلى جانب رؤيته الخاصة للخروج من الأزمة.. إننا إزاء معسكر غربى ومعسكر يمكن وصفه تجاوزًا بالشرقى على مستوى السياسة.. وإزاء معسكر دول قادرة اقتصاديًا ودول تعانى أكثر من غيرها على مستوى الاقتصاد.. ومصر هى الرابط بين هذه المعسكرات كلها.. إننا لسنا مع الشرق ولا مع الغرب، بقدر ما نحن مع مبادئ القانون الدولى والسلام بين الدول وعدم الانحياز، الذى كنا من كبار دعاته منذ الخمسينيات.. ونحن أيضًا دولة فى حالة نمو.. تقابلنا أزمات ونتجاوزها بالتخطيط والعمل والتفكير المستقبلى، لكننا قريبون جدًا سياسيًا من تلك الدول التى تعانى، ومن ١٤دولة من دول العالم يهددها خطر المجاعة الوشيك إذا استمر الصراع أكثر من هذا.. ونحن قريبون من هذه الدول بمعنى أننا نعرف معاناتها ونحس بها.. والأهم أننا نستطيع أن نخبر الغرب بتداعيات الأزمة على السلام العالمى.. ماذا يمكن أن يحدث إذا اشتدت الأزمات على الفقراء أكثر من هذا ومعاناة الدول والشعوب الفقيرة من جرائها وانعكاساتها فى ظواهر مثل الهجرة غير الشرعية واللجوء والعنف.. وهى ملفات تعرفها مصر أكثر من غيرها وتتزاحم فيها التحليلات والمعلومات والرؤى لدى مؤسسات الدولة المصرية.. وهكذا فإن الوساطة والتفاوض والسعى لحل المشكلات الكبرى هى العناوين الكبرى لجولة الرئيس الأوروبية التى انطلق لها عقب ساعات من قمة «أمريكا والعرب» والتى كانت كلمة مصر بمحاورها الخمسة فيها علامات كبرى على سياسة واضحة وليست مجرد كلمة بروتوكولية لتمرير المناسبات.. على الهامش تبقى الخصائص الشخصية للرئيس والتفاصيل الخاصة بكل زيارة.. ففى ألمانيا كان المؤتمر الصحفى الخاص للرئيس مناسبة للحديث بصراحة عن فهم مصر حقوق الإنسان.. وتصميم الرئيس على عدم حصرها فى حق الدعوة للتظاهر والعنف باسم التعبير السياسى وفخره بإنجازات مصر فى مجال حقوق المرأة والحريات الدينية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية.. ولغة الصدق والرد التى استخدمها فى الرد على أحد الصحفيين بما يوحى بثقة مصر فى نفسها وفخرها بما قدمته وتقدمه، وعدم وجود أسرار يجب إخفاؤها أو تجنب الحديث عنها.. فى فرنسا بدا الطابع وديًا أكثر نتيجة العلاقة الشخصية مع الرئيس ماكرون وسابق الحوار حول عدد من القضايا المشتركة وذات الطابع الخلافى أيضًا مثل حقوق الإنسان.. وفى بلجراد عاصمة صربيا بدا أن ثمة برنامجًا لتكريم مصر التاريخية ورئيسها واستدعاء تاريخ العلاقات المشتركة والمعانى الكبيرة.. ليس فقط من خلال منح الدكتوراه الفخرية للرئيس السيسى والإشارة لجهوده فى تنمية مصر وتطوير التعليم فيها من ضمن حيثيات كثيرة ومشرفة لمنحه درجة الدكتوراه ولكن أيضًا من خلال زيارة الرئيسين الصربى والمصرى منزل الزعيم التاريخى جوزيف تيتو شريك جمال عبدالناصر فى حركة عدم الانحياز وصديقه الشخصى.. وكأنها رسالة أو عقد صداقة جديدة بين خليفة جوزيف تيتو وخليفة جمال عبدالناصر.. بشكل عام فإن الجولة الأوروبية مساحة إيجابية جديدة تضاف لمساحات التأثير السياسى المصرى الدولى والإقليمى، والتى دخلت لمساحات كبيرة وغير مسبوقة مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى والذى أدار هذه الملفات باحترافية كبيرة تجمع بين الوعى بقيمة مصر وبين الطابع العملى المطلوب فى العلاقات الدولية وإدارة التوازنات بين القوى الكبرى، وهو ما يستحق أن نفخر به ونحيى أنفسنا عليه.. والله ولى التوفيق.