رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن الشوكة والسكينة وبرامج الست أمينة!

في الثلث الأخير من شهر رمضان سنة ١٩٩٧، دعاني صديقي النقيب إيهاب إلي تناول الإفطار معه في منزل العائلة بمصر الجديدة، لبيت الدعوة وذهبت وصلينا المغرب جماعة خلف والده المحترم أنا وصديقي وأخوه ووالدته، إنقضت الصلاه علي خير واتخذنا أماكننا علي ترابيزة السفرة " وكانت للأمانة ذاخرة بكل أنواع الطعام وصنوفه" كعادة أصحاب المنزل الكريم في تكريم رواد بيتهم وزواره وضيوفه، كان عدد الأطباق كبير ولكنها متراصّة بعناية فائقة وذوق ينم عن الاهتمام الكامل بالتفاصيل لإظهار المائدة بمظهر جميل، نظرة خاطفة ألقيتها علي طبق بعينه كانت كفيلة بإلهائي عن الإلتفات إلي ماحوته بقية الأطباق وإثنائي عن مجرد التفكير في تناول مابها من الأطعمة التي قضت السيدة العظيمة والدة صديقي يومها بكامله في إعدادها وهي صائمة من أجل إكرام صاحب إبنها الذي سيحل ضيفاً علي بيتها! 
كان في الطبق عدد من المناديل البيضاء، و في كل منديل وضعت شوكة وسكينة ! 
"دي ورطة إيه دي ياربي اللي وقعت فيها أنا ومعدتي المسكينة"؟! 
سكينة إيه بس اللي همسكها، وشوكة إيه اللي هاكل بيها؟ يااخواننا ده أنا جدي الكبير كان عمدة، ومالناش إحنا في المسائل دي، إحنا بنسمي الله ونشمر دراعاتنا وناكل بإيدينا، أي نعم عندنا في البوفيه بتاع بيتنا ييجي خمسين شوكة وزيهم سكاكين، لكن دول محطوطين في الادراج منظر، لاعمرنا استخدمناهم ولا قربنا منهم، هذا ما أخذت أحدث به نفسي بعد أن رأيت رصة الشوّك والسكاكين، لم يطُل الحديث كثيراً، قطعه صوت والدة صديقي التي تسائلت في دهشة، هو حسين مابياكلش ليه؟ ماتشوف يا إيهاب... 
قال صديقي المهاب إيهاب مابتاكلش ليه ياابن الحلال، إنت هتعمل فيها مكسوف؟ ده إنت حتي مابتتكسفش! 
قالت الأم الفاضلة، يمكن الأكل مش عاجبه؟! 
قلت مش عاجبني إزاي بس وأنا لسه ما كلتش؟ 
قال الوالد المحترم، ياجماعة هو مش حابب ياكل بالشوكة ودي حلها سهل، إحنا كمان هنسيب الشوّك وهناكل بإيدينا ... 
عندها تخلت الأم عن دبلوماسيتها وقالت بلهجة حازمة، لاء يا حسن إحنا مش هناكل بإيدينا وهو اللي هياكل بالشوكة والسكينة ودي حاجة مش صعبة، إتفضلوا إنتوا افطروا بالهنا ومالكوش دعوة بينا. وأخذت السيدة العظيمة تعلمني كيفية الإمساك بالشوكة وطريقة استخدام السكينة، لم يمض وقت طويل " تقريباً ربع ساعة" وبقيت محترف، باكل بالشوكة والسكينة وكأني إيمانويل الأول ملك البرتغال إبن الدوقة انفانتا اللي اخترعت موضوع الأكل بالشوكة والسكينة! 
لازلت أذكر الموقف بكل تفاصيله رغم مرور ربع قرن علي حدوثه، ٢٥ سنة بحالهم عزمت خلالهم واتعزمت عشرات، بل مئات المرات ولازلت أذكره في كل مرة وفي كل عزومة و في كل مناسبة كنت بفتكر الست العظيمة "ماما نونة" التي كان لها الفضل الأول في إتقاني لإتكيت تناول الطعام وأصوله، بما في ذلك الوضعية الصحيحة لترك الأدوات علي المائدة أثناء التوقف المؤقت عن الطعام أو بعد الإنتهاء منه، قصدت أن أروي تلك الواقعة 
(بعد استئذان صديق عمري اللواء إيهاب) "والتي لا أري فيها بالمناسبة أي انتقاص لشخصي" رويتها تماماً كما حدثت لأوجه من خلالها رسالة إلي منتقدي السيدة أمينة شلباية والساخرين من برامجها أو فيديوهاتها وأقول .. إن السيدة تجتهد وتحاول الإسهام في الإرتقاء بالذوق العام، فساعدوها وساندوها وشجعوها وادعموها، وإن كان كبر عليكم هذا فكفوا عنها أذاكم واتركوها، هي لم تؤذكم في شيئ فلا تضايقوها! 
رحم الله ماما نونة وشكراً للست أمينة .