رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف ترى إسرائيل جولة بايدن فى الشرق الأوسط؟

جولة بايدن فى إسرائيل
جولة بايدن فى إسرائيل

يعد ملف الطاقة العالمى أبرز الملفات على أجندة الرئيس الأمريكى جو بايدن، خلال جولته الحالية إلى الشرق الأوسط، التى بدأها الأربعاء الماضى، وتتضمن زيارة إسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية، ولقاء مع قادة الدول الخليجية، بالإضافة إلى زعماء مصر والأردن والعراق.

وتحظى الزيارة بأهمية خاصة لدى إسرائيل، الباحثة عن تحقيق أقصى استفادة منها، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووى الإيرانى، بالإضافة إلى تعزيز قدراتها العسكرية والأمنية، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

الولايات المتحدة تبحث عن مصالحها عبر ترميم العلاقات مع العرب 

وصل جو بايدن إلى إسرائيل عصر الأربعاء الماضى، حيث استقبله رئيس الوزراء الإسرائيلى يائير لابيد، والرئيس الإسرائيلى يتسحاق هرتسوج، ورئيس الوزراء السابق نفتالى بينيت.

وفور وصوله زار "بايدن" معرضًا للأسلحة الدفاعية أقيم فى مطار بن جوريون، مع استعراض وزير الأمن بينى جانتس عددًا من المنظومات الدفاعية، من بينها منظومة الليزر "دفاع الضوء".

كما زار إحدى بطاريات منظومة "القبة الحديدية"، التى كانت واشنطن قد قررت إرسال حزمة مساعدة بمليار دولار لإسرائيل، لتعبئة مخزون صواريخ الاعتراض الخاصة بها، بعد حملة "حارس الأسوار" فى العام الماضى، بالإضافة إلى مؤسسة "يد فاشيم" فى القدس، والمعنية بضحايا المحرقة النازية "الهولوكوست"، ثم استكمل جدول الزيارة.

وفى صباح، أمس الجمعة، توجه الرئيس الأمريكى إلى رام الله، للقاء محمود عباس "أبومازن"، رئيس السلطة الفلسطينية، وزيارة كنيسة المهد، ثم غادر بعدها إلى جدة، للقاء قادة الدول الخليجية ومصر والأردن والعراق.

وأكد المراقبون أن الهدف الرئيسى لزيارة "بايدن" لإسرائيل ليس تسخين العلاقات بين تل أبيب وواشنطن؛ لأنها مجرد محطة فى رحلة تُركز بالأساس على المملكة العربية السعودية.

وأوضحوا أن الرئيس الأمريكى يتحرك، فى زيارته، انطلاقًا من الرغبة فى تحقيق أهداف اقتصادية، مع استهداف بلورة تعاون إقليمى يساعد فى مواجهة أزمتى الطاقة والغذاء العالميتين، ومحاولة تقليل التضخم المتفشى فى الولايات المتحدة. 

ومن أجل تحقيق ذلك، كما أوضح الخبراء، فإن "بايدن" على استعداد لترميم علاقات الولايات المتحدة مع السعودية، لأن الولايات المتحدة بحاجة إلى زيادة إنتاج آبار النفط السعودية من أجل خفض الاعتماد الغربى على الوقود الروسى، الذى يعتبر الممول غير المباشر لاستمرار الحرب ضد أوكرانيا.

ومن المتوقع أن يكون تخفيض سعر النفط من خلال التزام سعودى واضح بزيادة الإنتاج لوقت طويل، وبالنسبة لواشنطن فإن التزامًا كهذا، حتى لو لم تكن له تأثيرات مباشرة فى الأسعار حاليًا، فإنه سيؤدى إلى استقرار على المدى البعيد. وبنظرة أوسع، فإن الزيارة، وفقًا للمراقبين، تستهدف ترميم مكانة الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، وتمرير رسالة إلى الدول العربية، خصوصًا الخليجية، مفادها أنه من الممكن الاعتماد على واشنطن كحليف مركزى، وذلك على خلفية النظرة التى ترسخت فى السنة الأخيرة، ومفادها أن الولايات المتحدة تريد الانسحاب من الشرق الأوسط، وما كان سيترتب على ذلك من توجه دول المنطقة شرقًا باتجاه الصين. وانطلاقًا من ذلك، تبرز الحاجة إلى القيام بخطوات عملية، تتم بلورتها فى فكرة تأسيس حلف دفاعى مشترك لتوسيع التعاون مع الدول الخليجية وسائر الدول العربية فيما يتعلق بإيران، وبالتنسيق مع إسرائيل قدر الإمكان، كما يجرى الحديث عن منظومة دفاع جوى إقليمية، فى ظل الاحتمالات الضئيلة لتجديد الاتفاق النووى مع إيران، التى تمضى قدمًا فى خطتها النووية. وفى حال تم التوصل أو لم يتم التوصل إلى اتفاق بذلك الشأن، فإن دول المنطقة تتوقع من الولايات المتحدة أن تكون لديها خطة لها ضمانات بمصالحها، مع تحمل جزء من تكلفة المواجهة مع إيران، لمنع دول المنطقة من التوجّه إلى خيارات لا تتماشى مع المصالح الأمريكية. وإلى جانب الأهداف السابقة، فإن "بايدن" يريد إحراز نجاح فى الشرق الأوسط وتعزيز مكانته بين يهود الولايات المتحدة، لربح نقاط فى استطلاعات الرأى العام الأمريكى، تساعد الحزب الديمقراطى فى انتخابات التجديد النصفى، التى ستجرى فى نوفمبر ٢٠٢٢، خاصة مع وجود مخاوف من خسارة الأغلبية.

النووى الإيرانى وتنسيق الدفاع الجوى أهم الأهداف على أجندة حكومة تل أبيب 

فى مقابل ذلك، لدى إسرائيل مجموعة من المطالب التى كانت قد تقدمت بها إلى الوفد الأمريكى، وتتمحور جميعها حول الاتفاق النووى الإيرانى، الذى تعتزم واشنطن التوصل إليه مع طهران.

وبالنسبة لإسرائيل، فإن الاتفاق الجارى العمل عليه سيسمح لإيران بأن تصل إلى درجة دولة حافة نووية، أى أنه سيكون بإمكانها امتلاك قنبلة نووية فى وقت غير طويل، ما يشكل خطرًا على إسرائيل والشرق الأوسط.

ولذلك، تم توقيع وثيقة "إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية"، الذى تم الإعلان عنه فى مؤتمر مشترك بين الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى تضمن عدة نقاط تتعلق بإيران، مع التعهد بالتصدى للنووى الإيرانى.

وحسب تقارير عبرية، فإن إسرائيل طرحت أمام بايدن جميع الخطوط الحمراء، بهذا الخصوص، وتم الاتفاق على ردود سياسية واقتصادية وعسكرية فى حال تخطّيها.

وعكست زيارة "بايدن" رغبته فى التشديد على التزامه الشخصى الاستثنائى تجاه إسرائيل، وتعبيره عن التزام الولايات المتحدة الكامل بأمن إسرائيل.

ومن ناحية أخرى، يحمل توقيت الزيارة هدية قيمة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى يائير لابيد، أثناء الحملة الانتخابية، وإن كانت غير مقصودة، لأنها ستسمح له بتحقيق مكاسب سياسية خلال الفترة الحالية.

وتضمنت الزيارة أيضًا، وفقًا لمراقبين، محاولة أمريكية لإرضاء الفلسطينيين، بعد خيبة أملهم من التجاهل الأمريكى لهم خلال السنوات الأخيرة، لكنها طمأنت إسرائيل أيضًا بعدم اتخاذ خطوات قوية للتقارب مع وجهة النظر الفلسطينية. 

وإلى جانب ذلك، فإن الأهداف الإسرائيلية من الزيارة تضمنت أيضًا توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة فى المجال العملياتى، مع مطالبة "بايدن" بدعم منظومة دفاع جوى مشترك مع الدول العربية، ومساعدات مالية وفنية، فى ظل الأزمة السياسية فى إسرائيل، التى يمكن أن تحول دون المصادقة على ميزانية الدولة فى العام المقبل، ما يؤدى لتأخير فى برامج التسليح.

وفى الاتصالات بين واشنطن وتل أبيب، قبيل الزيارة، طُرحت الحاجة إلى بلورة منظومة دفاعية جوية إقليمية تساعد دول المنطقة على مواجهة التهديد المتنامى من إيران، وتتضمن صواريخ باليستية وصواريخ كروز وطائرات دون طيار.

وأوضحت إسرائيل أن المنظومة الدفاعية الإقليمية الجوية ظهرت أهميتها بعد الهجمات الإيرانية بالمسيّرات على مواقع النفط والبنى التحتية فى السعودية والإمارات، وكانت ذروتها فى الهجوم، الذى تسبب بكثير من الأضرار والإصابات، على مجمع شركة النفط السعودية "آرامكو" فى سبتمبر ٢٠١٩.

وأكدت تل أبيب أنها تواجه أخطارًا مشابهة فى العامين الأخيرين، بعدما تحدثت تقارير عن محاولات إيرانية لإطلاق مسيّرات هجومية من على بُعد مئات الكيلومترات فى اتجاه إسرائيل، وتم اعتراض هذه المسيّرات مرتين، إحداهما عبر طائرة حربية أمريكية، والأخرى عبر منظومة اعتراض إسرائيلية. وقال المراقبون، إن توطيد العلاقات فى هذا المجال بين واشنطن وتل أبيب كان له علاقة بالخطوة التى بادر إليها الأمريكيون فى العام الماضى، وتضمنت نقل التعاون مع الجيش الإسرائيلى إلى القيادة المركزية للجيش الأمريكى، التى تركز على الشرق الأوسط، بدلًا من القيادة الأوروبية.

وأوضحوا أن الحديث لا يدور عن بيع منظومة "القبة الحديدية"، ولكن حول منظومة الإنذار التى تمنح معلومات سريعة عن الهجمات قبل وقوعها، وكذلك وضع رادارات فى الخليج تسمح بإرسال إنذار مبكر إلى إسرائيل بشأن أى عملية إطلاق لصواريخ إيرانية.

وأشاروا إلى أن المسئولين العرب لا يزالون متشككين من الفوائد التى يمكن أن يحققها مشروع التحالف الدفاعى الإقليمى، مع تفضيل بعض قادة الدول الخليجية مواصلة التعاون الأمنى مع إسرائيل بطرق غير رسمية.