رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراه.. كيف انتهت قصة تفريق نصر حامد أبو زيد عن زوجته؟

نصر حامد أبو زيد
نصر حامد أبو زيد

شهد شهر يوليو تاريخي مولد ورحيل، المفكر دكتور نصر حامد أبو زيد، الباحث في الدراسات الإسلامية، الذي حارب التكفير بالـ “تفكير”، وكان من الذين كرسوا جهودهم الفكرية وأبحاثهم من أجل تحرير العقل والإرادة، إذ رأي في الإسلام حركة ثورية ضد الظلم والاستغلال والهيمنة والاستبداد.

قدم نصر حامد أبو زيد تصوراته لصياغة منظور مفاهيم منفتحة علي العصر، تقدس العقل، وتحترم التعددية، وتنشد الخير وتحافظ علي الحرية والعدل والكرامة الإنسانية.

ومضى نصر حامد أبو زيد يشق دربا صعبا في مساءلة النص الديني، وراح يعيد ترتيب الوقائع النصية بما لا يتعارض مع السياق الإيماني، متتبعا تحولات المعني، منذ مأزق التأويل الذي وقع فيه المفسرون الأوائل للقرآن، حتي اللحظة الراهنة.

نصر حامد أبو زيد يروي مذكراته

في الكتاب المعنون بـ“صوت من المنفى”، من تأليف إستر. نيلسون، أستاذة الدراسات الدينية بجامعة فيرجينا، والذي ترصد فيه سنوات المنفي التي عاشها نصر حامد أبو زيد، عقب خروجه من مصر، على خلفية حكم التفريق بينه وبين زوجته الدكتورة ابتهال يونس، بدعوى خروجه عن الإسلام. 

ويروي نصر حامد أبو زيد، جوانب عديدة وكثيرة عن سنوات حياته الأولى ويقول: "ولدت في العاشر من يوليو 1943 في قحافة، قرية صغيرة في دلتا النيل على مقربة من محافظة طنطا، لأبوين فقيرين مكافحين. تعرضت مبكرا لمفهوم العدل، العدل الذي يقع في قلب القرآن، والذي عملت على تطوير مفهومه في أبحاثي، خاصة في تطبيقه في الشئون الاجتماعية.

من أين بدأت دعوى تفريق نصر حامد أبو زيد عن زوجته؟

وعن دعوى تفريقه عن زوجته ابتهال يونس، يتابع نصر حامد أبو زيد: في مايو 1992 تقدمت بأوراقي لنيل درجة أستاذ لقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة. كان مجمل ما أنتجت أحد عشر بحثا وكتابين للجنة الترقيات. عهدت اللجنة بأبحاثي للجنة مصغرة قوامها ثلاثة أساتذة ليقوموا بتحكيمهم علميا. الأساتذة هم: دكتور عبد الصبور شاهين، أستاذ بكلية دار العلوم وخطيب أصولي بجامع عمرو بن العاص في القاهرة القديمة، دكتور محمود علي مكي، أستاذ الدراسات الأندلسية بجامعة القاهرة، ودكتور عوني عبد الرؤوف، أستاذ اللغويات بجامعة عين شمس. وكانت مهمة لجنة الترقيات كتابة تقرير بناء علي تقرير اللجنة المصغرة، وإرساله مع خطاب التوصية الخاص بها لعميد الكلية.

مضى سبعة أشهر، مدة أطول من المعتاد لمجريات تلك الأمور بأربعة أشهر كاملة، وفي الثالث من ديسمبر 1992 علمت بقرار اللجنة برفض منحي الترقية. لاحقا، اكتشفت أنني كنت قريبا جدا من نيل النسبة المطلوبة للترقية، فحصلت علي ستة أصوات من أصل سبعة، وليس رفض بالإجماع كما أشاع التقرير الرسمي بعد ذلك. أما زملائي الأساتذة في قسم اللغة العربية، فقد قدموا تقريرا إيجابيا، يؤكدون فيه عمق معرفتي بالتخصص، وإسهاماتي العلمية في مجال الدراسات الإسلامية، واستخدامي للطرق المستحدثة للبحث العلمي ومبدأ الاجتهاد.

ويلفت  نصر حامد أبو زيد إلي: يؤمن الكثير من المسلمين اليوم، بأن أبواب الاجتهاد قد أغلقت منذ عهد الإسلام التقليدي في القرن الثالث عشر، وهو ما يعني أن علي الباحثين اليوم أن يعتمدوا أفكار واستنتاجات ما قبل القرن الثالث عشر لتطبق اليوم على أمة الإسلام. فلا وجود ولا داعي للإتيان برؤي جديدة عن القرآن، من خلال تطبيق قواعد البحث العلمي الحديثة على النص المقدس. 

حصلت على تقييمين إيجابيين من أصلا ثلاثة من الأساتذة المنتمين للجنة، لكن “شاهين” لم يعطني تقييما مماثلا، بل ــ طبقا له ــ تشكل كتاباتي “ضمورا للضمير الديني” مصحوبا بحالة من “الإرهاب الفكري”، وشبه أبحاثي بأنها “إيدز ثقافي” و “محاولة علمانية ماركسية لهدم المجتمع المسلم المصري”.

اختلف “شاهين” مع بعض الأمور التي ذكرها بأبحاثي، منها إشارتي للنسخ المختلفة من المصحف ــ وهي كلمة تعني حرفيا كتاب ــ التي تم تداولها في وقت النبي محمد. اعترض شاهين أيضا علي ما ذكرته عن البعد البشري للنص القرآني، فلطالما أصرت النظرة الأصولية للإسلام علي أن القرآن هو كلمة الله غير المخلوقة الخالدة، ولأنه كان دوما موجودا فهو لم يخلق قط.

نشأت حرب كلامية بين الإسلاميين، الذي اعترضوا علي النتائج التي توصلت إليها في بحثي عن القرآن، وبين المفكرين الأحرار الذين روعوا من موقف جامعة القاهرة، التي لعبت دور الميت في هذه القضية. تركت الساحة للإسلاميين ــ الذين وصفوهم بالفتوات ــ ليتحكموا في القرارات الأكاديمية التي كانت يجب أن تصدر عن الجامعة.

ونتيجة لهذه الفتونة حرمت من حقي في الترقي لمنصب أستاذ جامعي.