رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليست عاصية

ذكر فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر «أن الحجاب بمعنى غطاء الرأس أُمرت به نساء المسلمين فى القرآن الكريم، وأجمعت الأمة عليه، ولكن المرأة التى لا ترتديه ليست خارجة عن الإسلام، مشيرًا إلى أن حكمها أنها امرأة عاصية آثمة كبقية المعاصى، وهذه المعصية ليست من الكبائر، فترك الحجاب كالكذب أو أقل». 

وهو رأى أو اجتهاد من فضيلة الإمام الأكبر، لأن القرآن الكريم لم ينص صراحة وبكلمات محددة على الأمر بتغطية بشعر أو رأس المرأة، إنما هو استدلال أو مضمون وصل إليه الفقهاء لقول الله تعالى: «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ».

فالأمر الإلهى فى هذه الآية هو الضرب بخمرهن على جيوبهن، وجاءت الكلمة «خمرهن» مخصصة بنسبتها للمؤمنات، أى التى يرتدينها واقعيًا، ولو كان الأمر بتغطية لرأس، لأمر سبحانه بضرب الخمار على الرأس صراحة، فالخُمُر ليست غطاء الرأس كما يظن كثير من المسلمين والمسلمات، إنما هى الأغطية، وفى هذا السياق هى كل ما غطى شيئًا من جسم الإنسان، وقد يكون قطعة من الثوب تغطى بها المرأة رأسها أو كتفيها أو ما تغطى به المرأة وجهها. 

فغطاء الشعر موجود للرجل والمرأة منذ قديم الأزل، منذ الحضارات الرومانية واليونانية والعصور الوسطى.

يقول الحافظ ابن حجر فى شرح البخارى: الخمار للمرأة كالعمامة للرجل.

والجيوب ومفردها الجيب، التى أمر الله بتغطيتها بقطعة من القماش هى كل ما كان بين شيئين، وفى هذا السياق هى كل ما كان بين عضوين من أعضاء الجسم. وقيل إن كل ما بين عضوين يشمل الثديين والإبط والفرج. ويعرف أيضًا بأنه ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس، والجيوب هى جمع جيب.

فعادة النساء مؤمنات وكافرات فى هذه الفترة كانت وضع الخمار على الرأس، ولو كان أمر تغطية الرأس بهذه الأهمية التى يصورها علماء الدين ويجعلون تركه معصية وإثمًا عند التخفيف، ويرتفعون به إلى مرتبة الفرض، لذكره الله صراحة، لكن الحكم فى هذه الآية هو تعديل لعرف كان قائمًا وقت نزولها، لتغطية فتحة الصدر التى كانت فى الجاهلية تتسع حتى منابت الثديين، يقول الزمخشرى: «كانت جيوبهن واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها، وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة».

ومن ثم أمر الله تعالى بتغطية الصدر دون تحديد زى بعينه أو فرض لغطاء الرأس الذى كانت تلبسه المسلمة والكافرة بحكم العادة لا العبادة.

فالآية الكريمة أقرت بوجود الخمار عند نساء العرب وأمرت المؤمنات بأن يضربن على جيوبهن، فالآية لم تأمر بالخمار ولم توجبه، والإقرار بالوجود يختلف عن الأمر والوجوب، ويمكن للإقرار أن يكون فى إطار المباح، ولكن ليس فى إطار المفروض.

فالأمر فى هذه الآية هو «وجوب ستر الجيب»، وليس وجوب ستر الرأس أو الشعر. 

وإذا كان بعض الفقهاء يرى أن الإقرار حكم، وأن العادة المستقرة تصبح عبادة، فهذه اجتهادات لا تلزم إلا أصحابها، وما أجمع فقهاء الأمة على تغطية رأس المرأة إلا لأنه كان أمرًا قائمًا بالفعل فى مجتمعاتهم، فهذا الإجماع جاء من العرف خلال تلك الفترات الزمنية، وأى متتبع لتاريخ الملابس سيجد أن غطاء الرأس كان ملمحًا من ملامح ملابس النساء والرجال، وما زال علماء الأزهر يغطون رأسهم بالعمامة، والرجال فى دول الخليج يرتدون الغترة، ويجدون أن من العيب أن يكشف الرجل رأسه، فما بالك بالنساء. 

تفسير الفقهاء لهذه الآية الكريمة هو اجتهاد بشرى، يتغير بتغير الظروف والأحوال، ومن يأخذ به فهو وما يختار، ومن لا يعمل به، فليس بعاص ولا منكر للمعلوم من الدين بالضرورة.

فلباس الرجل والمرأة ليس من الأمور التعبدية التى لا تبديل لها، إنما هو من سنن التطور، فلا يجوز إقرانه بالدين، ومفهوم الزينة هو مفهوم اجتماعى وليس مفهومًا دينيًا أو تعبديًا، فما هو زينة فى مجتمع ليس هو فى مجتمع آخر.

فالقرآن لم يفرض غطاء الرأس على المرأة، ولكن أمر بالاحتشام فى الملبس والسلوك وعدم التبرج وعدم لفت النظر بالزينة المبالغ فيها.

فتغطية الشعر والرأس عادة وليست عبادة أو أمرًا إلهيًا، ومن تتركه يا مولانا فضيلة الإمام الأكبر ليست بعاصية أو آثمة. 

وللحديث بقية..