رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«دموع في عيون وقحة».. حكاية رواية مستوحاة من ملفات المخابرات

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

“لعلي أشعر وأنا أقدم قصة جمعة الشوان أو ”دموع في عيون وقحة" أن أقدم واحدا من تلك الأعمال التي آليت على نفسي أن أقدمها للإنسان العربي، وقد بذلت فيها كل ما استطعت من جهد، كي أكشف الستار عن أبطال من أمتنا، يعيشون بيننا دون أن يعلنوا عن أنفسهم، يضحون بحيواتهم من أجل حماية هذا الوطن وهذه الأمة... وكل ما أرجوه أن أكون قد قمت بواجبي حيال هؤلاء الرجال، وحيال الوطن" بهذه الكلمات قال الكاتب والأديب الراحل صالح مرسي (17 فبراير 1929 - 24 أغسطس 1996) في مقدمة روايته "دموع في عيون وقحة" التي صدرت لأول مرة عن مكتبة مدبولي الصغير، ثم أعيدت دار نهضة مصر طباعتها أكثر من مرة.

تناولت أحداث الرواية ملفات سطرتها المخابرات المصرية في صراعها مع العدو الصهيوني، كامنة في بؤر الشعور لدى المصريين والعرب، لتؤكد لنا أن الآخر لن يبتعد عنا ولن يرضى العيش في سلام، وستظل تلك الأحداث، رغم رحيل بطلها الحقيقي عن الحياة، تدق لنا جرس الإنذار بين الحين والآخر لندرك أن سلاحنا الحقيقي في تلك المواجهة المحتومة مع العيون الوقحة، هو الإيمان المدعوم بالعلم والحكمة، وقدم لنا الأديب صالح مرسي تلك السطور، لنتذكر أن من بيننا من سيرضى ببيع أي شيء وكل شيء، وآخرون لا يعرفون لتلك الكلمة مكانا في حياتهم، فيؤمنون بفطرتهم أن الوطن باق وجميعنا ذاهبون.   

يمكن اعتبار رواية "دموع في عيون وقحة" قصة بطولية وملحمة وطنية تكشف عن الجواسيس وأنشطة المخابرات العامة ودورهم في حرب أكتوبر، من خلال البطل جمعة الشوان، وهو شاب مصري أصبح جاسوسا، حاول جهاز المخابرات الإسرائيلية تجنيده، ورغم المغريات التي حصل عليها نظرا لظروفه الصعبة، إلا أنه لم يستسلم وأخبر المخابرات المصرية بهذا العرض، ليصبح عميلا مزدوجا، بين الاستجابة للعدو، وفي نفس الوقت إخبارهم بمعلومات وأخبار خاطئة لم تساعدهم في شيء، ونجح في خداع الموساد لسنوات، في مغامرة مثيرة إلى تل أبيب.           

بطريقة سرد رائعة استطاع صالح مرسي أن يتحدث عن الموضوع، بتسليط الضوء على شخصية جمعة الشوان وتقديمه لها بشكل مميز، ويمكن اعتبار الرواية استكمال لما بدأه وبرع فيه الأديب الراحل بتقديم قصص الجاسوسية مثل "رأفت الهجان"، "نساء في قطار الجاسوسية"، "الحفار"، "الصعود إلى الهاوية، "حرب الجواسيس"، وغيرهم، بجانب إدخال الحس الروائي والخيال في أحداث العمل الروائي وفقا للأحداث المتوفرة له، نظرا لعمله مع جهاز المخابرات العامة المصرية فيما يخص الروايات الخاصة بالجهاز، ويعتبر من المدنيين الذين عملوا مع المخابرات المصرية.                           

ومن أجواء الرواية نقرأ: ها هي الأيام الأربعة توشك على الانتهاء، تحمله السيارة إلى يافا وحيفا وتهبط به إلى القدس وهو وسط الأعداء يجول مكرما معززا، يقدمون له كل ما يطلب وقد استقرت الآن نفسه وذهب عنه القلق، وها هو الجهاز يصبح بين يديه غنيمة يقدمها لمصر كي تنتصر وتبقى مرفوعة الرأس… في الطريق إلى تل أبيب، إلى شارع ديزنجوف، في اليوم الرابع، كان ذهنه قد أصبح وكأنه آلة تعمل بلا توقف… ولا يدري لم هاجمته الذكريات بعنف عما مر به طوال خمس سنوات مضت… كم عانى وكم كابد وكيف تعب وكم أحس بالخوف وانتابه القلق… كم تقلب في بلاد الدنيا وكم تقلبت به الأحوال، الريس زكريا وعديد من ضباط المخابرات الإسرائيلية، المعلومات والفحص والبحث والممنوع والمسموح به وذلك الحبل المشدود فوق نار ونار… فمتى يأتي الوقت الذي يكف فيه، يوقف، يصرخ في الناس أنه كان ذات يوم جاسوسا. وكيف كان عميلا مزدوجا… أصبح اسمه الحركي (جورج سايكو) لكنه سيظل دائما جمعة الشوان السويسي البمبوطي، الباحث عن لقمة العيش أينما كان العيش، وحيثما أراد له الله.