رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورتنا التى تقدمها النخبويون بوطنية

ونحن نعيش أجواء ذكرى قيام ثورة 30 يونيو، والتى أراها الثورة الأروع فى تاريخنا، كنت أتابع رد الفعل الدولى بشكل عام والعربى بشكل خاص فى تلك الفترة، ولا أنسى بشكل خاص ما كتبه الإخوانى السودانى د. على حمد إبراهيم تحت عنوان «ثوراتنا التى خربها النخبويون» على موقع «سودانايل»، ويصف فيها النخبة المصرية بالغباء وعدم الوطنية.
وأستأذن قارئ جريدتنا الغراء بعرض فقرة من المقال التى يتعرض فيها الكاتب للموقف بتاريخ كتابة المقال «18 أغسطس 2013»، كتب: «كان الجميع يبحثون ليس عن السبل الموصلة إلى الجلوس حول مائدة حوار يفضى إلى حلول ترضى جميع الأطراف، ولكن كان البحث جاريًا عن سبل سد الأفق أمام الحوار والتراضى الوطنى، أطراف كثيرة نشطت باتجاه لم شمل الفرقاء فى الوطن الواحد قبل انفجار قنبلة الفريق أول عبد الفتاح السيسى، ولكنّ أطرافًا أخرى كانت تسابق الساعين إلى لم شمل مصر بالسعى باتجاه تجميع ملايين التوقيعات التى تسوغ إسقاط الرئيس المنتخب، كانت تلك هى الشرارة الصغيرة التى لم ينتبه لها الكثيرون قبل أن يتعاظم أوارها ويصبح لهيبًا يستعصى على الإطفاء، وهكذا صعدت مصر سلم المرقى الصعب، ولم يعد لديها لا الوقت ولا الرغبة فى تفادى زلزال الثلاثين من يونيو الذى هدّ المعبد على رءوس ساكنيه، وأسلمنا جميعًا إلى ما نحن فيه من هم وخطر، نعم نحن مهمومون ومعرضون للخطر كما شعب مصر الشقيق.. لقد خرج النخبويون المتشاكسون عن مصر المؤمنة وأسالوا الدماء أنهارًا، ووقفوا يتفرجون عاجزين عن فعل أى شىء لوقف حمامات الدم المصرى، تمامًا كما وقف نيرون روما عاجزًا عن إطفاء الحريق الذى أشعله، ونزع إلى الضحك الهستيرى، لأن شر البلية هو ما يضحك، قصدت أن أقول إن غباء النخب السياسية المصرية هو الذى أوصل مصر إلى ما هى عليه اليوم..».
وبقطع النظر عن أكاذيب الكاتب وهزلياتها أمام كل من عايش تلك الأحداث، أما عن وصف ذلك الإخوانى للنخب المصرية بالغباء، فأعتقد أن من كبرى إشارات وعلامات الغباوة الإنسانية لدى كل عضو من أعضاء مكتب الإرشاد الإخوانى عقب صعودهم الكارثى لسدة الحكم، قد تمثل فى اتخاذهم قرار تعيين وزراء من أبناء وأتباع بيت الشر الإخوانى للتعليم والإعلام والثقافة، وبشكل خاص فى مجال الثقافة، فتعيين وزير إخوانى لشئون العمل الثقافى كان بمثابة من ينادون «طفوا النور» فقد حل عصر الظلاميين ولا تنوير بعد اليوم!!
نعم، قرار يشى بحالة انعدام رؤية وعدم فهم وغياب معرفة من جانب الحاكم بأى بلد يحكمون، وأى بشر يخاطبون، ونسوا أو تناسوا بغباوة قلب وروح وعقل أنهم أمام شعب عظيم له تاريخ عبقرى وحضارة فريدة، والأهم أنهم كجماعة قدر لها فى النهاية حكم البلاد بمثابة كتاب مفتوح لم تعد فصول أبوابه خافية على أحد..
جماعة شديدة الغباوة لها تاريخ أسود امتد عبر ما يقارب القرن من الزمان، فـ«كتاب حياتى ياعين» الإخوانى قد رصد تفاصيل أيام إخفاق مظلمة.. اغتيالات وجرائم تتعلق بعمل شرذمة باغية جاهلة كارهة لكل مظاهر الحياة الجيدة ولكل مظاهر الجمال والإبداع الإنسانى..
نعم، جماعة ضد الإبداع وكارهة للجمال، ولذلك كانت الإرهاصة الشعبية الأهم من وجهة نظر كاتب السطور لثورة ٣٠ يونيو من جانب أهل الإبداع والتنوير والجمال وأبناء الحضارة المصرية العظيمة من أمام مكتب وزير الثقافة المغلق بأمرهم فى وجه أول وزير ثقافة إخوانى كان من أول قراراته الغبية المتعجلة إقالة معظم قيادات وزارة الثقافة ليكشف عن الوجه الظلامى القبيح لجماعة غير وطنية قررت بكل بشاعة «حرق مصر» المدنية المستنيرة!!
وعليه، كان قرار اعتصام عدد هائل من المثقفين والفنانين والصحفيين وأهل الرأى ورموز التنوير المصرية بمقر وزارة الثقافة بالزمالك، وإعلانهم رفض الحوار مع  د. علاء عبدالعزيز وزير الثقافة أو مع أهل الحكم الذى أفرزه، معتبرين أن وجوده يُعد دليلًا قاطعًا على نية جماعة الحكم الاستيلاء على مصر ومقدراتها، وأكدوا فى بيان أصدرته جبهة الإبداع المصرى التى كانت قد تشكلت على وجه العجل، وكانت مطالب المبدعين المصريين متجاوزة أى مطلب فئوى أو مهنى أو صاحبة أى خلاف فكرى، وأكدوا أنها ثورة غضب وطنى فى مواجهة حكم قرر أن يخاصم شعبه ويقصى معارضيه ويهدد دينه وهويته وتراثه الفكرى والثقافى، وأشاروا إلى أن رفض وزير الثقافة ليس مرتبطًا بشخصه وإنما هو رفض لسياسات حكم جماعة ترى الوطن غنيمة وينبغى أن يتم توزيع البيان على الأتباع والمؤيدين، مؤكدين أن المعتصمين فى وزارة الثقافة قاموا بخلع كل رداء حزبى أو فكرى ليتشح الجميع بعلم مصر الوطن والتاريخ والحضارة وليعبروا عن طموحات شعبها الذى أنجب مبدعين لهم جذورهم العائلية الممتدة فى العمق المصرى ريفًا ومدنًا، عمالًا وموظفين، تجارًا وحرفيين..
لا شك أنه تم استرداد الدولة المصرية وانتشالها من أيدى العابثين بقيام ثورة ٣٠ يونيو، والدفاع باستبسال دون تغيير طابعها المدنى الذى لا يخاصم الدين.. وخطر العبث بمؤسساتها، الذى كانت تجريه جماعة الشر تمهيدًا لإسقاطها.. لقد كانت بحق ثورة إعادة الهوية المصرية، فقد سبق وحاولوا فرض أجندتهم على ثورة يوليو فرفضت الثورة ذلك وقاومتهم، وفى الثلاثين من يونيو كانوا قد وضعوا أيديهم على الدولة واستأثروا بها وأقصوا كل الأطراف حتى من سبق وتعاهدوا معهم على التحالف البغيض مع قياداتهم لتصالح المصالح.

!!‫[email protected]