رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سويسرا تُعلمنا التعايش

فى زيارة ثقافية وسياحية إلى دولة سويسرا شعرت بالغيرة المحمودة من الدول الأوروبية، وخصوصًا الشعب السويسرى الطيب ذا التنوع الشديد.

فالسويسريون متفرقون بين لغات وأعراق ومذاهب دينية شتى، فيوجد ألمان سويسريون وفرنسيون سويسريون وإيطاليون سويسريون ورمانيش سويسريون كذلك، ولكل مجموعة لغتها التى تعتز بها وثقافتها التى تفخر بها، وكلهم يعيشون معًا فى سلام.

ويوجد سويسريون مسيحيون كاثوليك وبروتستانت، وعدد كبير من الملحدين واللادينيين، وكذلك أقليات يهودية وإسلامية وغير ذلك، وهم أيضًا يعيشون فى سلام معًا، ورغم وجود بعض التطرف لدى بعض المهاجرين فإن المجتمع السويسرى حتى الآن قادر نوعًا على الدمج النسبى لهم على الأقل أفضل حالًا من بعض الدول الأوروبية الأخرى التى تعانى من التيارات الأصولية الإسلامية المتطرفة.

وحسدتهم وغرت منهم غيرة محب على كون حدودهم مع النمسا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا آمنة، لا توجد عليها نقاط تفتيش إلا فى حالات قليلة عند وجود إخبارية عن عملية تهريب، فيقف حرس الحدود وينظر فى السيارات المارة خصوصًا عربات النقل. 

فأذكر يوم دعانى صديق حبيب سريانى مسيحى سورى للغدا والفسحة فى مقاطعة لختناشتين، ثم قررنا العشاء فوق جبال الألب فى غرب النمسا، وذهبنا هناك فوق الجبال، وتسامرت هناك مع أصدقاء من سوريا والعراق، وتكلمنا عن متى تفيق بلادنا على حدود مشابهة آمنة، ليس فيها عدو متربص لئيم ولا إرهابى خسيس، ولا فرق فيها فيها بين دين الأغلبية والأقلية ولا فروق عرقية بين عربى وكردى وسريانى وأمازيغى وغيره.

وضحكنا بحسرة، وقلنا إن الأمر سهل لو اختفى التعصب الدينى والأيديولوجيات الإجرامية التى تمارس العنف والإرهاب. 

فقد شهدت أوروبا قرونًا من تخلف وسيطرة رجال الدين الفاسدين المتعصبين، وكذلك مرت قارة أوروبا بحروب طاحنة، سببها قوميات سخيفة متعصبة تؤمن أو تتوهم بتفوق عنصر أو عرق على غيره، وما الحرب العالمية الأولى والثانية منا ببعيد.

ودعانى صديق غالٍ وأستاذ كبير لزيارته، وانتهزت الفرصة لتسجيل حوار معه وهو أستاذ سابق بمعهد القانون الدولى المقارن بجنيف، وقمت بعمل حوار وقضاء اليوم على بحيرة جنيف بمحل إقامته، وكان يومًا جميلًا قضيته مع الأستاذ الدكتور سامى الذيب ونقاش حول ما السبيل لخروجنا من بؤرة التعصب والإرهاب، وما السبيل لحل المشكلة الفلسطينية العويصة حلًا إنسانيًا يكفل الحق الضائع للشعب الفلسطينى العزيز وأهمية دور مصر فى العالم العربى والإسلامى. 

وذهبت فى اليوم التالى لمقابلة مثقف ألمانى إنسانى مايكل سيرار وهو كاتب يحب ثقافتنا العربية ويتحيز لها، فقابلته فى مدينة فرايبورج الألمانية وتحدثنا عن حال الأقليات داخل أوروبا، وكيفية جعلها ميزة تؤدى لثراء المجتمع لا عقبة تسبب الإرهاب والعنف، وتكلمنا عن كيف يفهم المثقف الغربى العالم العربى والإسلامى. 

وذهبت للعودة للمبيت بمحل إقامتى بزيورخ، وقام بتوصيلى صديق دمشقى ألمانى بزيورخ ومررنا فى الطريق على صديق بروفسير من أصل يمنى، هو باحث فى صناعة الأدوية بكبرى شركات الأدوية السويسرية، ويسكن داخل الحدود الفرنسية ويعمل بمركز أبحاث علمية وهو يمنى الأصل من عدن ومتزوج من مصرية سويسرية، وتجاذبنا الحديث حول مشكلة اليمن المعضلة وصراعات الشمال والجنوب ومشاكل السنة بطوائفهم والزيدية، وسجلنا ذلك فى قناتى المتواضعة عن مخرج آمن للشعب اليمنى الشقيق وهل التقسيم هو الحل الوحيد أم لا؟

وختمت زيارتى لسويسرا بمحاضرة بمقهى فولتير حول كيفية تفكيك الخطاب الأصولى العنصرى العنيف، وكيف أن ذلك هو العامل الرئيسى لتنعم بلادنا العربية والإسلامية بما تنعم به سويسرا وغيرها وقد سجلها الأصدقاء وأذاعوها.

ولنتعلم من سويسرا ودول محيطها كيف يكون التعايش والتنوع الدينى والعرقى والوطنى سببًا للثراء وكيف الحدود السهلة الآمنة تجعل الواحد منا بكل سهولة ويسر يفطر فى سويسرا ويتغدى بألمانيا ويتعشى بفرنسا.

حفظ الله بلادنا. وألهم شعوبها وحكوماتها الرشد والسداد حتى نكون أكثر عقلانية وإنسانية وسعادة.