رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا خلاص لنا سوى بتكوين العقل النقدى«1- 2»

سعدت هذا الأسبوع بلقاء الدكتور محمد رءوف حامد، العالم وأستاذ علم الأدوية ورئيس هيئة البحوث والرقابة الدوائية، وقد وجدت فى جعبة هذا العالم الجليل المتوقد الذهن والحاضر البديهة، رغم سنوات عمره التى جاوزت السبعين، ما يستحق التأمل، وأن يكون نبراسًا نقتدى به فى حياتنا.

فى هذه اللحظة المأزومة، والتى تبدو فيها الغلبة لكل ما هو رجعى وغير منطقى أو عقلانى، وتنتشر فيها المناقشات، أو السجالات الفارغة من أى قيمة أو مضمون سوى اجترار تصريح لممثلة لا تتحدث عن فن التمثيل الذى ربما لا تجيده، لكنها تتحدث لطلاب الجامعة بما لم تختبر أو تعرف، ونماذج كثيرة تصبح يومياتها التافهة هى حديث السوشيال ميديا وترددها صفحات ومواقع وسائل الإعلام فى حالة إلهاء كاملة وتغييب للوعى- أجد أن الحديث مع عالِم فى خبرة وتجربة الدكتور رءوف حامد واحة عقلية، بعيدًا عن اللهاث المتسارع خلف اللا معنى واللا منطق واللا جدوى. 

تحدث العالم الكبير عن دور والده فى تكوينه العقلى، وتأثير والده فى حياته وحرصه على أن يفهم وأن يقرأ وأن يطلع على كل المعارف، وأن يكون منفتحًا على العالم من حوله، فأهدى إليه رسالة الدكتوراه التى أنجزها فى معهد بحوث ورقابة الدواء فى وارسو ببولندا.. «إلى والدى الذى علمنى: ألا أهرج، ألا أنطوى على نفسى حزنًا، ألا أكون أهوج عنيفًا، بل علمنى أن أفهم».. وهذه السمات الجدية، والانفتاح والدقة هى ما ساعدت العالم الكبير على استكمال مسيرة حياته، وتحقيق منجزه العلمى والإنسانى. 

وقد ساعدته روحه الوثابة للمعرفة والاطلاع على تخطى عقبة كبيرة واجهته فى بداية حياته بعد حصوله على الثانوية العامة، حيث كانت لديه الرغبة فى دخول كلية الهندسة، لكن مجموع درجاته لم يسمح بذلك، وتم ترشيحه للالتحاق بكلية الصيدلة، فقرر أن يعيد مذاكرة الثانوية العامة، ولكنه حصل على الكتاب الخاص بالمجلس الأعلى للجامعات، والذى يوضح أنواع الدراسة والأقسام والتخصصات فى كل كلية بالجامعات المصرية، فوجد أن كلية الصيدلة تدرس علم الأدوية وتأثيرها على جسم الإنسان، وعلم هندسة الصيدلة وكيفية تكوين الدواء، فكان هذا سببًا فى استمراره فى الدراسة فى كلية الصيدلة.

التكوين العقلى والمعرفى للدكتور محمد رءوف حامد جعله يفكر فيما سيكون عليه مستقبله فى مجال الصيدلة، فاختار أن يكون باحثًا فى علم الأدوية كى يطلع على كل ما هو جديد، وأن يستطيع أن يحل ويبحث فى مشكلات تتعلق بدراسته، فاختار العمل بالهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، وأسهم فى أبحاث دوائية من أجل إنتاج دواء مصرى بمكونات مصرية، وكان نموذجيًا فى الجمع بين البحوث الدوائية الجديدة والرقابة على ما ينتج من أدوية فى الشركات والمصانع المصرية، وقد أوشكت الهيئة على إنتاج أدوية مصرية خالصة: دواء خاص بالبلهارسيا، ودواء خاص بالالتهابات. 

ونجح دكتور حامد فى تأسيس معمل خاص بدراسة تأثير الأدوية على الأجنّة، وكان من أوائل المعامل فى هذا المجال واستكمل أبحاثه فى معهد وارسو فى بولندا، وحصل على درجة الدكتوراه بمنحة مشتركة بين حكومتى البلدين.

أدرك دكتور حامد مبكرًا أهمية ألا يتكبر على التعلم، وأن المنهج العلمى فى التفكير هو الطريق لحل المعضلات والمشاكل العلمية، وتعلم من أستاذه الزائر من جامعة دبلن المنهج العلمى فى التفكير فى الفارماكولجى، وأن يدرس العلم من منظور نقدى، ويتم تكوين العقل النقدى، من خلال الحرص على التساؤل وطرح السؤال حول المشكلة، وليس الأهم طرح رأى حول الموضوع.

ولكى نبنى مجتمعًا علميًا أو قادرًا على التفكير العقلى النقدى لا بد من منظومة تنقل هذه الطريقة والرؤية للأطفال، فالمجتمع بحاجة إلى هذه المنظومة فى المدرسة، وهم فى الجامعة، وأن يكون لها هدف، وأن تكون هناك شفافية، ويستلزم تطوير العملية التعليمية، وهى التى تحدد كيفية توصيل المعرفة للطالب، كيفية تلقى الطالب المعرفة، كيف يتفاعل الطالب مع المعرفة، وكيف ينقدها.

وللحديث بقية..